أكبر من تهدئة واقل من تسوية سياسية

المتابع لحوارات القاهرة خلال الفترة الاخيرة يستنتج ان شيئا ما يطبخ عل نار هادئة في القدر المصري دون دخان ودون رائحة يستدل منها علي نوع المطبوخ  وشكله وطعمه وهذا سبب حدوث حالة تشتت بتوقع النتاج العام  للتحرك المصري الاخير فيما اذا ما كان هدنة طويلة الامد  او تهدئة ميدانية او تحسين لاتفاق 2014 او تسوية سياسية  , الحقيقة تبدو ضبابية حتي اللحظة ولم تكشف عنها اي مصادر سواء عربية او اسرائيلية لان اسرائيل لم تتحدث عنها كثيرا في ظل ازمتها العميقة حول الحكم . ما يبدوا واضحا ان القاهرة تريد ان تسعي لهدنة طويلة الامد تتخللها صفقة تبادل لللاسري  تسمح بان يستقر قطاع غزة ولا تذهب فيه الامور الي الاسواء لان استقرار القطاع يؤثر ايجابا وسلبا علي الامن في سيناء وبالتالي اذا استقر القطاع استطاعت مصر ان تفرض حالة من الاستقرار في سيناء علي امتداد مساحتها شمالا وجنوبا . في طريق محاولات القاهرة للتوصل لهدنة طويلة الامد بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل اصتدمت بخلاف ما بين حركة حماس والجهاد الاسلامي ورأت ان تصفية الاجواء بين الحركتين مقدمة لاي اتفاق هدنة حقيقي , هنا يمكننا القول ان وساطة القاهرة  نجحت في تسوية الامور  بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي علي خلفية عدم مشاركة حماس  في المواجهة الاخيرة مع اسرائيل الي جانب الجهاد الاسلامي وهذا عنصر مهم لضمان نجاح  القاهرة للتوصل  الي صيغة هدنة في القطاع واعتقد ان الامور سارت بشكل ايجابي  وهذا ما سمح بعودة مسيرات العودة علي الحدود مع غزة دون خوف من ردة فعل الجهاد الاسلامي .

 ما تجهزه مصر ليس له علاقة  باي تسوية سياسية او بكيان منفصل او انشاء نظام سياسي في غزة بالمطلق  وما يجري الان هو موضوع امني بامتياز يقصد منه توفير الاستقرار العام في القطاع فترة طويلة  مقابل بعض التسهيلات الحيوية  التي ستنمحها اسرائيل لحماس هناك ليس اكثر من ذلك , وهذا لا يبتعد كثيراً عن طموح الجميع في إبرام اتفاق تهدئة شامل بين فصائل المقاومة واسرائيل يستقر فيه قطاع غزة بعد اكثر من 13 عاما من الحصار والتوتر والحروب . الحراك الذي دار في القاهرة  لا اعتقد انه يجري  بمعزل عن  رغبة القيادة  الفلسطينية بالضفة لكن دون ان يكون لها ظهور علني بالمشهد لان مرحلة ادماج القيادة في الاتفاق العام ستاتي  لاحقا فلا اعتقد ان يكون هناك اتفاق  نهائي لهدنة ما دون ان يتحرك ملف  المصالحة  الفلسطينية والا للحق القاهرة كثير من الانتقادات التي لا تقبل القاهرة بها , لا اعتقد ان مصر يمكن ان تبرمج كل شيئ بالمشهد وتساهم في ازالة كافة العوائق لتحقيق هدنة طويلة الامد بين اسرائيل والفصائل دون ان ينتهي هذا الدور في النهاية بتحقيق المصالحة الوطنية والا فان الامر سيكون مثار شكوك كبيرة بان القاهرة تسعي لابرام تسوية سياسية  بين اسرائيل وغزة باعتبارها كيان منفصل وهذا يستحيل ان تقبل به القاهرة . كل المؤشرات تدلل ان القاهرة انجزت شيء ما وهذا ما بات واضحا من سماح القاهرة للسيد اسماعيل هنية باجراء جولة خارجية تتضمن زيارة عدة دول منها تركيا وماليزيا وقطر لكن يبدو ان مصر دققت علي ان لا يذهب السيد اسماعيل هنية الي ايران علي الاقل في الوقت الحاضر بسبب توتر العلاقة بين ايران وبعض الدول العربية وخاصة السعودية علي خلفية دعم الحوثين بالسلاح والطائرات المسيرة التي ضربت حقوق النفط ومصفاة التكرير في ارامكو .

الهدنة حاصلة لا محالة لكن المهم هنا  ان اسرئيل كيف ستتعامل مع غزة بعد ذلك هل من ضمانات علي احترام هذه الهدنة وعدم استخدامها لتحقيق اهداف سياسية وامنية قد تحرج المقاومة بعد ذلك او تعرض قادتها للتصفية خاصة ان ما عهدناه في مراحل سابقة للتهدئة ان اسرائيل هي من تخترق كل اتفاق يبرم او تفاهمات يتم التوصل اليها وهذا ما يجعلنا نقول لفصائل المقاومة ان اي  صيغة هدنة يتم التوصل اليها هي هدنة تكتيكية تريدها اسرائيل ولن تحترمها الا اذا حققت انفصال سياسي و جغرافي بين غزة والضفة وافضت لكيان سياسي وليد في غزة وبالتالي اي تراخ او اي خروج من الخنادق وترك الزناد سيكون ثمنه باهظ.

هدنة وليس تسوية سياسية ما تبرمجها القاهرة لا علاقة لها بعوامل السيادة كالمطار والميناء وما يطرح حول هذا الموضوع هو من قبل اسرائيل فقط لتجسد الانفصال الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة وبالتالي فان كل المباحثات التي تتم في  القاهرة هي من خلال دوائر امنية ولا يمكن للقاهرة ان تفعل فعله تكون هي سبب في تصفية القضية الفلسطينة ما يجري اقل من تسوية بكثير واكبر من تهدئة اي هدنة طويلة الامد يتضمنها تسويق حماس عربيا ودوليا كحركة تحرر معترف بها  ويتخللها صفقة تبادل بين فصائل المقاومة واسرائيل ولعلنا نؤكد ان القاهرة تعرف ان القيادة الفلسطينية لا تستطيع تحقيق ذلك لان فصائل المقاومة لن تحترم هذا لذا بادرت القاهرة واخذت علي عاتقها ابرام اتفاق هدنة تمتد لسنوات بوساطتها بين حماس واسرائيل, اما التسوية السياسية بملفاتها الكبيرة  والرئيسية مسؤلية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهي المخول الوحيد امام الجميع والعالم بالتفاوض عليها وبالتالي تكون القاهرة ضمنت استقرار القطاع وانتقلت بعد ذلك للملف الاكبر بمساعدة دولية وهو انهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .

وسوم: العدد 855