بوتين لم يرتو من دماء السوريين!!

ما الذي يدعو مجرم الحرب بوتين لارتكاب كل هذه الجرائم في سورية، وهي بلاد تبعد مئات الأميال عن الحدود الروسية؛ متخطياً بكل صلف وجبروت حدود الكثير من الدول المحيطة بسورية، على الرغم من تورطه في صراعات مع أوروبا والولايات المتحدة في أوكرانيا والقرم وجورجيا، وهي مناطق حساسة بالنسبة للمعسكر الغربي كونها تتشابك مع حدودها مباشرة وتهدد أمنها؟

مجرم الحرب بوتين ترك كل هذه المناطق وغير بوصلته نحو سورية التي تعتبر عقدة الشرق الأوسط وبيضة قبانه، والتي تعتبر ولعقود طويلة أنها منطقة نفوذ أوربية سابقاً ثم أمريكية لاحقاً.

طموح وجشع مجرم الحرب بوتين جعله يندفع نحو سورية، مستغلاً مواقف الغرب وأمريكا الهزيلة تجاه كل ما يجري في سورية، وعينه على المياه الدافئة التي تطل عليها سورية، وما يضم ساحلها ومياهها الإقليمية من ثروات هائلة من النفط والغاز، وهي منشغلة بقتال دموي بين نظام طائفي فاشي مدعوم من قوى غاشمة حاقدة متمثلة بإيران الصفوية، وما جيشته من ميليشيات حاقدة تريد الإسلام السني وأهله، وشعب مقهور يواجه آلة الحرب الأسدية والإيرانية بلحم أبنائه وصدورهم العارية، ويكفي أن نعرف أن عدد القتلى في صفوف الشعب السوري قد جاوز المليون قتيل ومثلهم بين جريح ومفقود ومعتقل أو سجين، وسبعة ملايين مهجر في أصقاع الأرض، إضافة لسبعة ملايين نازح هُجّروا من مدنهم وبلداتهم وقراهم ليقيموا في مخيمات تفتقد لأبسط ضروريات العيش ومقومات الحياة، ليتأكد للجميع ما يتعرض له الشعب السوري أمام أعين العالم الصامت والمتفرج دون أن يهتز له ضمير!

وبدلا من أن يقف مجرم الحرب بوتين إلى جانب الشعب السوري المذبوح والنازح والمهجر؛ انخرط إلى جانب النظام السوري ليشارك في قتل السوريين بكل قسوة وهمجية، مستخدماً ترسانته العسكرية المدمرة، غير آبه بكل ما تسفر عنه آلته الحربية من موت ودمار وإحداث خراب طال العشرات من المدن والبلدات والقرى، متمترساً باتفاقيات أبرمها مع نظام دمشق؛ على أنه النظام المعترف به دولياً، حتى غدت معظم أصول الدولة السورية ومؤسساتها بتصرف مجرم الحرب بوتين، وقد بات صاحب الكلمة العليا في سورية والمتحدث الرسمي والناطق باسمها، وليصبح سفاح دمشق بشار ذيل الكلب لروسيا كما ذكر مجرم الحرب بوتين.

مجرم الحرب بوتين لم يرتو من دماء السوريين؛ فصوّب عينه باتجاه ليبيا، ليقتسم مع الآخرين الطامعين الكعكة الليبية التي تجثم على كنز من الثروات براً وبحراً، مستغلاً كما الحال في سورية؛ الصراع الدائر هناك بين حكومة شرعية معترف بها وجنرال أرعن ارتضى لنفسه الخيانة والغدر والعمالة، لمجموعة من الدول ذات الأنظمة الانقلابية الهزيلة، واختار مجرم الحرب بوتين أن يشارك هذه الفئة وينضم إليها، ليلعب نفس الدور الذي لعبه في سورية، ليهيمن بظنه على هذه المجموعة الضالة ويحصل على حصة الأسد من الكعكة الليبية، ولكن خيبت تركيا ظنه وسارعت إلى عقد اتفاق مع الحكومة الليبية الشرعية والمعترف بها دولياً المتمثلة بفايز السراج وعقدت معها اتفاقية بحرية وأمنية، أمّنت بذلك حدودها وحدود ليبيا البحرية وفق معايير قانون البحار الدولي.

بوتين لم يجد أمامه إلا الادعاء أن هذه الاتفاقية تتعارض والقانون الدولي، كون حكومة فايز السراج غير مؤهلة لعقد مثل هذه الاتفاقيات، ناسياً أو متناسياً الاتفاقيات التي أبرمها مع رئيس النظام السوري الفاقد للشرعية والمطرود من جامعة الدول العربية، والمصنف بمجرم حرب في معظم منظمات حقوق الإنسان الدولية، وأن عدم سوقه إلى محكمة مجرمي الحرب في لاهاي يعود إلى استخدام روسيا والصين للفيتو لعدم التصديق على قرارات هذه المنظمات الحقوقية ولضعف الموقف الأمريكي والأوروبي وبعض الدول العربية.

لقد كان للخلافات الأوروبية تأثير سياسي وأمني كبير حول ما يجري في ليبيا، وهذا جعل بوتين يسعى لملء الفراغ الذي أوجدته أوروبا بعدم اتفاقها حول الملف الليبي، فهل تقف أوروبا متفرجة على توسع النفوذ الروسي في ليبيا؟ في الوقت الذي يشتد فيه الصراع المسلح بين طرفي الأزمة الأساسيين، الجنرال المتمرد في شرق ليبيا خليفة حفتر وشركائه من جانب، وحكومة فايز السراج المعترف بها دوليا وشركائها من جانب آخر.

التردد الأوروبي في ليبيا ليس بالجديد، فقد وجدنا مثل هذا التردد الأوروبي في سورية من قبل، حيث خلت الساحة لبوتين وارتكب في سورية جرائم يندى لها الجبين، دون وازع من أخلاق أو ضمير، ولا يزال يرتكب أفحش الجرائم وأفظعها من قتل وتدمير وتهجير، والعالم في صمت كصمت أهل القبور.

الصمت الأوروبي حول ما يجري الآن في ليبيا شجع بوتين لملء الفراغ الذي نتج عن الموقف الأوروبي المتردد والصامت، مندفعاً لدعم الجنرال المتمرد في مواجهة الحكومة الشرعية كما قلنا.

لقد جاء تدخل بوتين في ليبيا بدعم وتأييد من بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات، وجاء هذا الدعم والتأييد حيث التقت مصالح هذه الدول في خشيتها وتخوفها من تركيا، الدولة الوحيدة التي تقف إلى جانب ليبيا والحكومة الشرعية فيها، تنفيذاً للاتفاقيات البحرية والأمنية التي عقدت بين البلدين.

روسيا أعربت صراحة عن قلقها البالغ إزاء احتمال ارسال تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا، وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتصريح له قال فيه: إن بلاده "لا يمكن أن تظل صامتة" حيال نشاط؛ من أسماهم بـ"المرتزقة" الروس في ليبيا، وقال "أردوغان"، إن هناك شركة أمنية روسية تحت اسم "فاجنر" تقاتل مع الجيش الوطني الليبي، الذي يتزعمه الجنرال المتمرد خايفة حفتر، مضيفا: "هذا هو الوضع ولن يكون من الصواب أن نلزم الصمت في مواجهة كل هذا، فعلنا أفضل ما يمكننا حتى الآن وسنواصل ذلك"، وقد أعلنت موسكو عن رفضها لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، قائلة "إن هذه الخطوة ستزيد من تدهور الوضع الحالي".

الرئيس بوتين خفف من لهجته وتعامل مع الموضوع بدبلوماسية قائلاً: "إنه سيناقش الأزمة الليبية مع وفد تركي سيصل إلى موسكو قريباً".

ختاماً نتساءل: هل تضارب المصالح والأهداف في ليبيا بين كل من تركيا وروسيا سيتطور إلى أزمة بين البلدين؛ وتوسع بالتالي الأزمة بينهما بشأن سورية أمام انتهاكات موسكو لكل الاتفاقيات التي عقدتها تركيا معها بشأن خفض التصعيد في سورية؟

وسوم: العدد 856