رؤية استشرافية لطبيعة الرد الإيراني على اغتيال سليماني

بعد حادثة مقتل قائد ما يسمى بفيلق القدس قاسم سليماني ومن كان معه من ضباط إيرانيين وعراقيين بصواريخ طائرات أمريكية، انعقدت اجتماعات وصدرت بيانات وتصريحات نارية كثيفة، كلها تتوعد برد مدمر للمصالح الأمريكية بل وإخراجها من المنطقة برمتها، فما هي يا ترى طبيعة الرد الإيراني الموصوف بأنه سيكون (استراتيجيا)؟

ستقوم إيران في البدء باستغلال الحدث إلى أبعد مدى ممكن، في ترميم صورتها كزعيمة لما تسميها بقوى المقاومة والممانعة وكعدوة للشيطان الأكبر الأمريكي وقوى الاستكبار العالمي، وذلك بعد انفضاح زواج المتعة بينهما في السنوات الاخيرة أو لنقل اتضاح التخادم القوي بينهما. وبالنسبة للاستراتيجية المشار إليها آنفاً أتوقع أن يحدث كل ما يأتي أو بعضه، وهي على النحو الآتي:

١ – تحريك المليشيات الشيعية في العراق لتوجيه بعض الضربات الممكنة إلى القواعد الأمريكية فيها، وستكون الهالة الإعلامية بالطبع أكبر من الواقع بكثير، وقد بدأت بوادر هذا الأمر بدعوة مقتدى الصدر لما يسميه بجيش المهدي للعودة بعد حله منذ سنوات، وأخشى أن ترتكب هذه المليشيات جرائم ضد شخصيات سنية كما فعلت بعد تفجير مرقدي الإمامين المعروفين في سامراء، ولن تُعدم المطابخ المعنية بالأمر طريقة أو سيناريو لإخراج الأمر كأنه انتقام من قتلة سليماني وصحبه!

٢ – القيام بنزع الغطاء القانوني عن القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وسوريا، عبر توجيه حلفائها في السلطتين العراقية والسورية بإلغاء أي اتفاق أو معاهدة تشرعن للتواجد الأمريكي العسكري والأمني في بلديهما، وقد بدأ هذا الأمر في البرلمان العراقي عصر هذا اليوم.

٣ – تنشيط الخلايا الشيعية النائمة حيثما وجدت من أجل شن هجوم هنا أو إيقاع ضربة هناك، وربما القيام باغتيال بعض الشخصيات الأمريكية النظامية سواء كانت عسكرية أو مدنية، إن لم تظهر تفاهمات سرية تقدم أمريكا بموجبها تنازلات أو ما يشبه التعويضات، وهذا ما ظهرت ملامحه في تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، وفي دعوة مقتدى الصدر ما سماه بجيش المقاومة العالمية للاجتماع في بغداد، وكذا في كلمة حسن نصر الله الذي قال بأن الرد لن يقتصر على إيران وإنما كل قوى المقاومة والممانعة معنية به. وسيتم التركيز على البلدان الحليفة لأمريكا مع وجود أقليات شيعية فيها كالسعودية والكويت والإمارات وأفغانستان وباكستان وربما تركيا، ومن باب أولى البحرين التي تتواجد فيها أكثرية شيعية، ومن المرجح القيام بأعمال إرهابية ضد مصالح بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية، بحجة المشاركة في الجريمة أو وجود قواعد أمريكية فيها، ولا سيما بعد شكر بعض المسؤولين الأمريكيين للسعودية والإمارات بخبث لا يخفى على أحد، وبعد تحذير ترامب من المساس بالمصالح الأمريكية والتأكيد بأن هناك قائمة ب ٥٥ موقعا إيرانياً معرضة للضرب إن تم المساس بأي أمريكي وكأنه يوجه إيران للانتقام من العرب وخاصة السعوديين، وربما كان هذا فحوى الرسالة التي حملها السفير السويسري والتي ذكرت الخارجية الإيرانية أنها تحث إيران على اقتصار الرد على سليماني وعدم توسيعه إلى مواجهة شاملة!

٤ – التواصل مع بعض حركات العنف السنية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومدها بالسلاح والمال والمعلومات الاستخبارية، مثل حركة الشباب الصومالي التي يمكن أن تشن بعض الضربات ضد قواعد أمريكية في الصومال أو كينيا، ومن المحتمل القيام بشيئ من هذا القبيل مع حركة بوكو حرام؛ من أجل شن بعض العمليات ضد أمريكا وحلفائها في نيجيريا وغرب إفريقيا أو جماعة أبي سياف في الفيليبين. وفي هذا السياق يمكن أن يتم تفجير سفارة أمريكية في أي منطقة تجد فيها ارتخاء أمنيا ويمكن اختراقها بأي صورة من الصور.

٥ – القيام بدعم حركة طالبان وبقايا المجاهدين السابقين في أفغانستان كقلب الدين حكمتيار، من أجل شن ضربات موجعة ضد القواعد الأمريكية في أفغانستان، ولا سيما أن هؤلاء موجوعون بعد إلغاء ترامب للحوارات التي استمرت بين الطرفين لأشهر عديدة، وكاد الطرفان يتفقان على سحب القوات الأمريكية وإدراج طالبان في العملية السياسية.

٦ – تسهيل تجمع وسيطرة ما بقي من مجموعات متفرقة من داعش والقاعدة وسيطرتها على بعض المناطق التي حررها ما يسمى بالتحالف الدولي في العراق وسوريا، مع إمكانية تطبيق السيناريو ذاته في بعض المناطق في جنوب اليمن.

٧ – إسقاط بعض الطائرات الامريكية أو الحليفة فوق الخليج العربي أو في سوريا والعراق.

٨ – مهاجمة بعض السفن الأمريكية أو الحليفة لها بشكل محدود أو احتجازها كما حدث للسفينة البريطانية قبل أشهر قليلة، مع تغطية إعلامية ضخمة تعيد لإيران ماء وجهها وبقية من هيبتها التي ستحافظ عليها أمريكا حتى يبقى توازن الرعب بينها وبين العالم السني الذي يمثل أغلبية المسلمين.

٩ – القيام بدفع الحركات الشيعية الحليفة لإيران من أجل شن ضربات موجعة على حلفاء أمريكا، وهذا ما يمكن أن يقوم به فورا الحوثيون ضد السعودية، وحزب الله في لبنان ضد إسرائيل، إن طلب منهم ذلك، ومن الممكن أن يندفع الحوثيون للقيام بأعمال قرصنة ضد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن المرجح أن يتم الضغط على حركتي حماس والجهاد لشن ضربات من غزة إن اشتدت المواجهة ولم تقدم أمريكا تنازلات معقولة لإيران كشرطي متنفذ في المنطقة!

١٠ – القيام بتهييج مستمر للشارع الشيعي عبر مظاهرات ومسيرات واعتصامات منظمة، تبقي على جذوة الغضب، وترسل رسائل لأمريكا وللغرب عامة بأن إيران تستطيع تجييش جزء كبير من العالم الإسلامي ضدهم وأن مصالحهم بدون إعطائها ما تريد ستكون على كف عفريت وعلى الأقل ستكون فاتورة حمايتها ضخمة جدا!

مما يجدر ذكره أن إيران ستسير ببطئ في هذه الأمور، مع استمرار الحملة الإعلامية والديبلوماسية في التصاعد؛ حتى تضمن استثمارها في تحقيق مصالحها الاقتصادية التي تعاني من هزة حقيقية نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية والحليفة.

وفي تلك الأثناء سيتم التفاوض السري المباشر أو غير المباشر مع أمريكا من أجل رفع هذه العقوبات والعودة للاتفاقية النووية، ولو حصل ذلك فإنها ستقول لجماهيرها بأن قاسم سليماني قد حقق ما تمناه من شهادة، وأن الله قد منحه كرامة خدمة إيران في مماته كما فعل في حياته، بتسببه في رفع العقوبات!

وسوم: العدد 858