المشهد الإيراني، ووهم القوّة

د. ناجي خليه الدهان

لا يزال الحديث عن حرب جديدة في الشرق الأوسط بين (أمريكا، وإيران)، في تصاعد مستمر، وما هو إلا نوع من أنواع الحرب الإعلامية والكلامية، حيث يتبادل الطرفان (واشنطن، وطهران)، التهديد والوعيد على خلفية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، أحد أبرز القادة العسكريين في إيران، والذي يوصف بأنه مهندس توسّع النفوذ الإيراني إقليميا، في غارة جوية بالعراق فجر الجمعة الموافق 3/ 12/2020، على إثر ذلك تصاعد التهديد والوعيد من جانب إيران بالردّ الحاسم ضدّ مصالح أمريكا في المنطقة.

لقد مضت عشرات السنوات ونحن نسمع التهديد والوعيد بين الطرفين في حين لم يتحقق أيّا منها! لأن الغاطس عميق وعلاقة التخادم بين أمريكا وإيران قديمة، وما حدث من تمدّد إيراني في العراق بخاصة، والمنطقة بعامة. فلم تكن إيران لتتجرأ على فعله لولا المباركة الأمريكية.

والصراع الحالي يهدف فقط إلى إعادة إيران لبيت الطاعة لأنها تمرّدت على سيدها، لقد مرّت طهران منذ اغتيال سليماني بحوادث كثيرة أظهرت حقيقتها ك (نمر من ورق). وحتى نتعرف على الأحداث أكثر علينا أن نطرح الأسئلة التالية:

هل يؤدي التهديد الإيراني الأمريكي المتبادل إلى إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط؟

وهل تملك إيران القدرة على الدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة؟

وكيف ترون توعّد الرئيس الأمريكي بضرب اثنين وخمسين هدفًا إيرانيًا إذا هاجمت طهران أهدافًا أمريكية؟

التصعيد الإعلامي الإيراني

تصاعدت نذر المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وبلغ التوتّر بين الطرفين درجة غير مسبوقة. حيث أطلق عددٌ من المسؤولين الإيرانيين تهديدات لأمريكا ولمصالحها، حيث قال النائب السياسي لقائد الحرس الثوري الإيراني "يد الله جواني": "إنه في حال ارتكبت واشنطن أي خطأ ضدّ إيران ستكون في مواجهة قوات المقاومة في كل المنطقة". وقال جواني: إن طهران أبلغت واشنطن، وتل أبيب بأن أي عدوان على إيران، سيواجه محور المقاومة من شرق المتوسط إلى البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن"، وذلك حسب وكالة الطلبة الإيرانية "إسنا".

وأكدّ أنه "لن يكون هناك أي تحالف بحري أمريكي في الخليج ودول المنطقة، مشدّدًا على أن القوات المسلحة الإيرانية هي الضامن الوحيد لأمن الخليج".

وأكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على شمخاني أن لدى إيران 13 سيناريو للرد ّعلى الولايات المتحدة من أجل الثأر لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي اغتالته الولايات المتحدة، مشددًا على أن أدنى هذه السيناريوهات “سيكون كابوسًا تاريخيًا لأمريكا”، ولم ينفذ أي منها لغاية الآن!!!

وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث إيرانيا، عن امكانية استهداف خمسة وثلاثين هدفا أمريكيا، وهذه مبالغة أيضا في هذا الخطاب، الذي ربما يكون موجها للداخل، وأن الردّ الإيراني كان محدودا، دون السعي للدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة، التي تملك إمكانيات عسكرية كبيرة في المنطقة، وفي ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تواجهه إيران في ظلّ العقوبات الاقتصادية، المفروضة عليها من قبل واشنطن، وهذا ما اتضح لاحقا ان جميع هذه التصريحات مجّرد جعجعة فاضية للاستهلاك الداخلي بسبب الاوضاع التي تعيشها طهران.

الردّ الإيراني

احتل الردّ الإيراني على اغتيال القوات الأمريكية، حيزًا كبيرًا من اهتمام الصحف العربية. وكانت إيران (الحرس الثوري الإيراني) قد وجهت ضربات صاروخية إلى قاعدتين عسكريتين في العراق تستضيفان عسكريين من التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش"، والذي تقوده الولايات المتحدة، ولكنه لم يسفر عن خسائر بشرية في صفوف قوات التحالف والقوات والأمريكية.

إن ضربات إيران كانت "ذات طابع سياسي ورمزي، حيث أنّ الصواريخ الإيرانية انطلقت من كرمانشاه، مسقط رأس قائد فيلق القدس القتيل. واختيار طهران توقيت العملية لتكون في الساعة التي تمّت فيها عملية اغتياله". وكان لافتا ما كشفه نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال علي فدوي، من مضمون الرسالة لأمريكية، حملها السفير السويسري لدى إيران، في أعقاب اغتيال سليماني. وقال فدوي: "الأمريكيون أرسلوا لنا رسالة صباح أمس الجمعة وبطريقة دبلوماسية، وقالوا: إن أردتم الانتقام فلتنتقموا بما يناسب عملنا".

ولعل الرسالة الأكبر كانت أن الصواريخ الإيرانية لم تؤّد -على الأغلب- إلى مقتل أي جندي أمريكي، والنتيجة أن الإيرانيين يمكنهم القول: إنهم قاموا بالردّ على عملية الاغتيال، وأن العملية انتهت! تاركين للقيادة الأمريكية، فرصة الهبوط عن شجرة التصعيد، وبذلك تنجو إيران من ضربة انتقامية أمريكية كبيرة، محافظة على ماء الوجه أمام شعبها ومؤيديها". وهكذا يتضح التخادم في أعلى مراحله بين أمريكا وإيران، ويؤّشر إلى مدى العلاقة العميقة بينهما.

فقد أكد خبراء بأن الصواريخ الإيرانية الساقطة على القاعدتين في أربيل وعين الأسد في العراق كانت خالية من الرؤوس الحربية، ولم تحدث حتى حفرة واحدة في الأرض، أي أنّ ضربات إيران وصواريخها كما يقال عند العسكر: ضربات (فشنك) ونتائجها (فشوش)، أي صواريخ صوتية أكثر منها ذات تأثير فعلي مؤثر على العدو، وهذا ما يؤكد أن توجهات إيران ليست جادّة في فتح معركة عسكرية مباشرة ضدّ الأمريكيين ورهانها سينصب على التنظيمات السياسية الممتدة لها في العديد من الأقطار العربية وبشكل خاص في العراق".

قال ظريف، في تصريح صحافي نشرته وسائل إعلام إيرانية: "إن ردّ طهران على اغتيال الجنرال سليماني، انتهى”. وأضاف: “قصفنا القاعدة التي انطلقت منها الطائرة التي استهدفت سليماني” نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا ضدّ أي عدوان”.

إن "طهران كانت قد توعّدت بردٍّ قاس ومزلزل، وقد صدّعت رؤوسنا بالردّ المزلّزل وأنها تمتلك أنواعًا من الصواريخ: (صواريخ زلزال، وصاروخ فاتح، وصاروخ قدر-1، وصواريخ فجر، وصاروخ فجر 5، وصاروخ سجيل، وصاروخ عاشوراء وغيرها) ...

فأين هذه الصواريخ؟

هل هي للعرض فقط؟

لكن عملية إطلاق الصواريخ بدت رمزية ومحسوبة بحيث لا تقود إلى حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة". فهذه هي إيران عبارة نمر من ورق. لكن الإعلام أراد أن يجعلها بعبعا يخوّف به الدول العربية.

وأتساءل: هل الرد الذي حصل هو ردّ مخطط له متوافق عليه؟

أسميه "ردّ تحت السيطرة" في لغة الفقه يقولون: "تحلة القسم" وبعضهم يقول: "فعلة المحلل" في ذوق العسيلة. كل هذا في فقه الردود.

إسقاط الطائرة الأوكرانية

اعتراف إيران، بأن صاروخًا أطلقته قد أسقط طائرة الركاب الأوكرانية بسبب خطأ بشرى، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176راكبًا، وأصبحت طهران في موقف صعب وتواجه الكثير من الأمور والتداعيات التي ستواجهها من جراء هذا الاعتراف كثيرة، (تداعيات دولية وقانونية وداخلية...).

أثار اعتراف إيران الذي جاء بعد أيام قليلة من تفاخرها بنجاح ضربتها ضدّ القواعد الأمريكية في العراق، الكثير من المخاطر في الداخل. حاولت إيران أن تبعد آية الله خامنئى عن الموقف، وقالت: إنه لم يعلم بالحقيقة سوى يوم الجمعة وبعدها أصرّ على الشفافية، لكن هذا لم يوقف حالة الغضب السائدة.

وقد أدى هذا الشعور السلبي إلى خطوة نادرة متمثلة في الاحتجاج ضدّ خامنئى نفسه وقيادة الحرس الثوري في شوارع طهران. ويقول الخبراء: إن ما يزيد الأمر سوءًا أن إيران تقول استخدمت الدقة والمهارة والعناية في هجومها على القاعدتين الأمريكيتين، دون أن تسقط أي ضحية، لتظهر بعد ذلك التجاهل إزاء حياة مواطنيها.

أكدّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن ست مقاتلات أف 35 أمريكية كانت في الأجواء الإيرانية عند إسقاط الطائرة الأوكرانية، وأن "إيران شعرت بقلق من تقارير عن مقاتلات أميركية عند إسقاط الطائرة الأوكرانية".

ويتضح من خلال التحليل أن الإرباك الذي وصلت إليه القيادة الإيرانية في إدارة العمليات كبير، بحيث لا تميز بين الطيران المدني والعسكري، لمجرد ظهور ست طائرات شبح في الأجواء الإيرانية، فكيف سيكون حالها عند توجيه عشرات الصواريخ من طراز كروز والطائرات المقاتلة والمسيرة من السفن الحربية والغواصات والقواعد؟!!

هذا يدل على هشاشة القيادة العسكرية الإيرانية في إدارة العمليات والإرباك الذي تعيشه القيادة العسكرية، فأين تهديدات القيادة؟

هذه هي حقيقة إيران الأخرى التي توكد أنها (نمر من ورق) وتعتمد على استخدام وكلاء أو عملاء في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والخلايا النائمة في دول الخليج للتهديد والدفاع عن النفس.

حياة المواطن الإيراني

أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على إيران في مايو/ أيار عام 2018، بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لتشمل قطاعات الطاقة والشحن والخدمات المالية وقطاعات أخرى. أدّت هذه العقوبات إلى نفور الاستثمار الأجنبي من إيران، وتقلّص صادرات النفط منها، ما أدى إلى ندرة السلع المستوردة، وانهيار سعر صرف العملة المحلية، كلّ هذا أدى إلى زيادة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة، وإيران، وفي المنطقة بشكل عام.

أثر العقوبات على حياة المواطن الإيراني

تأثير العقوبات على حياة المواطن الإيراني كبيرة جدًا، فقد رأينا مثلا الوزير علي أقدر صالحي وهو أستاذ جامعة ورئيس هيئة الطاقة الذرية، يشتكي من أن مرتبه انخفض إلى ما يعادل 300 دولارًا فقط، وذلك يعني أن المواطن العادي من طبيب ومحامي وأصحاب المهن البسيطة دخله أقل من ذلك بكثير.

أما أسعار السلع فقد ارتفعت بشكل كبير، بحسب ما نتابع في الصحف الرسمية الإيرانية، كما أن أسعار الخضار والمنتجات الحيوانية في ازدياد شديد، لذلك أعتقد أن هذه العقوبات قد أثّرت بشكل كبير على حياة المواطن الإيراني.

فآثار هذه العقوبات محسوسة بالنسبة للمواطن الإيراني، ومؤثرة بشكل كبير على حياته، فالمواطن الإيراني أصبح تحت ضغط العقوبات الشديدة، من حيث انخفاض قيمة العملة، وفقدان الأصناف التي كانت تأتيه من الخارج، والاقتصاد الإيراني في ركود، حيث فقدت العملة المحلية كثيرًا من قيمتها وانخفضت الأجور وارتفعت الأسعار، وهذه العقوبات تمسّ حياة الإيرانيين البسطاء أكثر من أي فئة أخرى، مما يعرّض أمن طهران للخطر، ويزيد الفقر، وعدم الأمان، والهجرة. وان هذا الوضع أدى الى تداعيات كبيرة وخطيرة منها:

1. تأثر جميع فئات الشعب الإيراني والاكتواء بنار العقوبات، وانعكاساتها على أوضاعهم المعيشية.

2. انخفضت قيمة الريال أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل عام، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني".

3. السلع الرئيسة والأدوية التي تقوم عليها حياة البشر أصبحت باهظة الثمن، ما يثبت أن الحرب الاقتصادية ليست موجهة ضدّ النظام، وإنما ضدّ الشعب".

4. ثورة الشعب الإيراني لإسقاط الحكومة المتخمة في الثروات على حساب الشعب وعلى تكبيل الحريات والاضطهاد العرقي.

إن حكومة روحاني والشعب الإيراني لا يريدان حربًا مع الولايات المتحدة الأمريكية ويعرفان نتائجها، ولكن الحكومة العميقة في إيران هي التي تتحكّم بكل مفاصل السياسة الداخلية والخارجية، سياسة مرتبطة بالمرشد الأعلى، وأمّا الحكومة الرسمية فهي مجرّد واجهة ليس إلا. وفي الواقع كان سليماني صاحب الكلمة الفصل في إيران خلال مناقشة أي خلافات أو اجتهادات أمنية واستراتيجية تتعلّق بالدول والتنظيمات التي تدور في فلك إيران، إن تصفية سليماني تعتبر أكبر نكسة سياسية تتعرّض لها إيران منذ نهاية حربها مع العراق. وطهران تحتاج إلى مثل هذه الأسطورة لتحويل الاهتمام عن قمعها الدموي للمتظاهرين الإيرانيين ضدّ الفساد ونظام ولاية لفقيه. تحتاج القيادة الإيرانية أيضا إلى المزيد من الوقت لاستيعاب حجم هذه النكسة.

ما علاقة ثورة العراق في المشهد الإيراني؟

إنّ تحرّك الشباب العراقي لاقتلاع الأوتاد الإيرانية، سيكون له ردّ فعل قويّ داخل إيران نفسها، وفعلاً بدأت اليافطات تكثر في طهران معلنة تأييدها للتظاهرات العراقية. فالشعوب داخل جغرافية إيران تمور وتغلي أيضاً من طغمة العمائم الحاكمة. وبالفعل سيمتد رد الفعل ليقتلع أوتاد المشروع الإيراني الداعم للإرهاب في المنطقة العربية خصوصاً، وفي العالم عموماً".

فنجاح ثورة الكرامة (ثورة العراق) في إزالة الأحزاب المرتبطة بإيران وميليشياتها!! وبالتالي ستحرم إيران من الحجة في البقاء، وسيندحر مشروعها...

وستكون تداعياتها على إيران كما يلي:

1. نجاح ثورة العراق يؤدي إلى طرد الوجود الإيراني من العراق الذي كان منطلقا لتوسّعها خارجيًا منذ عام 2003، وبالتالي فشل المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة بعامة.

2. نجاح ثورة العراق يعني ولادة حكومة وطنية ترفض الوجود الإيراني في العراق وهذا سيتسبب بخسارة إيران 5 مليار دولار شهريا من نفط العراق المسروق.

3. إن تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران سيتسبب بقيام ثورة في إيران تُنهي حكم مافيا المعميين وتفكّك دولة إيران الى دويلات.

4. كسر الهلال الصفوي، لا سيّما أن إيران التي احتلت بشكل علني العواصم الأربعة برعاية غربية (بغداد، صنعاء، بيروت، دمشق) ولعلّ الصورة واضحة لمن يتتبع نهج ولاية الفقيه، ومحاولته الأخيرة في مدّ خط بري يربط العراق بطهران عبر سورية، بخط سكك حديدي عبر ميناء اللاذقية، بتكلفة وصلت إلى 2200 مليار ريال إيراني.

5. إن انتصار ثورة الكرامة العراقية هو انتصار الشعوب العربية لا سيما في سوريا ولبنان واليمن.

وسوم: العدد 860