تنافس الدنيا وزينتها وعَرَضِها الزائـل

د.عدنان علي رضا النحوي

تنافس

الدنيا وزينتها وعَرَضِها الزائـل

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

من أهـم أسباب هزائم المسلمين اليوم الفرقة الواسعة بينهم ، والصراع والشقاق ، والتناحر والتدابر ، حتى أصبح المسلمون شيعاً شتى وأحزاباً متفرقة وأهواء متصارعة .

على ماذا الخلاف والشقاق والتناحر ؟!

سؤال يجب أن يسأل كل مسلم نفسه هذا السؤال ، ثم يسأل غيره ! إذا كان الربُّ واحداً والدين واحداً ، والصراط المستقيم الذي بيّنه الله لعباده المؤمنين واحداً ، وإذا كان كلِّ ، كما يدّعي ، يعمل في سبيل الله لا في سبيل الدنيا ، إذا كان هذا كله هو واقع المسلمين ، فلم الشقاق والتناحر والتدابر ؟!

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ )

[ الحديد :20]

إذا كان الولاء الأول لله وحده عن إيمان ويقين وعلم ووعي ، وإذا كان العهد الأول كذلك مع الله وحده ، وإذا كان الحب الأكبر هو لله ورسوله لا يعلوه حب آخر ، وإذا كان كل ولاء وموالاة في الدنيا نابعاً من الولاء الأول لله ، وكل عهد يقوم في الدنيا نابعاً من العهد الأول مع الله مرتبطاً به ، وإذا كان كل حب يقوم في الدنيا نابعاً من الحب الأكبر لله ولرسوله ، إذا كان هذا كله هو حقيقة ما في النفوس وما تكنّ الصدور ، فلماذا الصراع والتدابر ؟!

إذا كان الهدف الأكبر والأسمى لكل فرقة وطائفة وجماعة هو الجنة والدار الآخرة ورضوان الله ، يتجه الجميع إليه بقلوبهم وأبصارهم وجهودهم على الصراط المستقيـم الذي بيّنه الله لعباده المؤمنين ، فلماذا الافتراق والتدابر والتطاحن ؟!

المؤمنون الصادقون : هكذا يكون إيمانهم ودينهم ، وولاؤهم وعهدهم وحبهم الأكبر وهدفهم الأكبر والأسمى ، فإذا كان المسلمون كلهم صادقين في إيمانهم ودينهم ، فلماذا التنابذ والتناحر والصراع ؟!

إذا كان المسلمون خاضعين لشرع الله ودينه ، وإذا كانوا يعون قوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ .. ) وحديث رسول الله r : " المسلم أخو المسلم " ، وإذا كانوا يؤمنون بذلك كما يفرض عليهم صدق الإيمان وصفاؤه ، وكما يأمرهم الله به في نصوص حاسمة لا مجال للاجتهاد فيها أو تحويرها أو تعديلها ، فكيف أحلّ بعض المسلمين أن يقطعوا هذه الرابطة الإيمانية التي فيها وحدها تكون الموالاة الإيمانية في الدنيا ، وكيف أحلوا لأنفسهم أن يستبدلوا بها رابطة جاهليّة ؟!

إذا كانت هذه القواعد التي سبق ذكرها : الولاء الأول لله ، والعهد الأول مع الله ، والحب الأكبر لله ولرسوله ، ومنها ينشأ كل مولاة في الدنيا وكل عهد وكل حب ، ومنها تنشأ الرابطة الإيمانية الربانية ، إذا كانت هذه القواعد الربانية وسائر القواعد الأساسية في الإسلام ، قائمة في القلوب والنفوس والصدور ، وفي التصور والممارسة والتطبيق ، فكيف يقع الخلاف والصراع والتدابر ولماذا وعلى أيِّ أسس من دين الله ؟!

إذا كان الخلاف حول أُمور اجتهادية فحسب ، فلا يحل شقاق ولا صراع ولا تدابر وتناحر :

( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران :105]

بل يجب أن يعتصم الجميع بحبل الله ولا يتفرقوا ، ويجب أن يكونوا إخواناً بفضل من الله ونعمة ، ويجب أن يكونوا جميعاً صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص ، كما يأمرهم الله ، المؤمنون جميعاً ، لا أن يتفرقوا زُبُراً كلُّ حِزب بما لديهم فرحون :

( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [ آل عمران :103]

وكذلك :

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ )

[ الصف :4]

فالتدابـر والصراع والشقاق كما هو الحال اليوم هو مخالفة صريحة لدين الله ، ولنصوص قاطعة حاسمة ، وهو إثم ومعصية يرتكبها من دعا إلى ما يُسَبِّبُ هذه الفرقة والصراع .

ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، ولكن هذه المخالفة والإثم والمعصية تبعد رضاء الله وتقرّب عقابه ، ويزداد العقاب كلما أصرّوا على مداومة هذه الحالة من تدابر وصراع . ولا ينفع في ذلك شعارات لا رصيد لها في الواقع .

ويزداد الأمر إثماً ومعصية إذا لم ينهض من المسلمين من يدرس الواقع المؤلم ، ويحاول أن يضع العلاج على أساس من قواعد الإيمان والتوحيد وقواعد منهاج الله ، وإذا رضي المسلمـون بهذه الحالة المؤلمة من الفرقة والشقاق والتناحر .

إن هذه الحالة هي بما كسبت أيدينا ، نحن المسؤولون عنها ، ونحن المحاسبون عليها يوم القيامة !

فربَّ طائفة أو طوائف يقولون : " نحن روّاد الدعوة الإسلامية الأوائل ، فعلى الجميع أن ينضم إلينا " غاب عن بال من يقول ذلك في نفسه أو علانية أن كلّ طائفة يمكن أن تدّعي ذلك ، فتصبح هذه الدعاوة مصدر فتنة لا مصدر تلاق . وغاب عن بالهم كذلك أنه لا حق لأحد أن يدّعي ذلك . فالروّاد الأوائل للدعوة الإسلامية هم الرسل والأنبياء ومحمد r وأصحابه ، ويجب أن ننضمَ كُلنا إليهم حتى تكون الدعوة الإسلامية اليوم امتداداً لدعوة النبي الخاتم محمد r . والدعوة الإسلامية اليوم امتداداً لدعوة النبيّ الخاتم محمد r . والدعوة الإسلامية منذ بعثة محمد r ممتدّة في الأرض لم تتوقف ، يمضي بها الصادقون الذين يريدون الله ورسوله والدار الآخرة ، تمضي بها أجيال عن أجيال ، لا يدّعي أحد الفضل لنفسه وحده ، ولا يجعل أحد هذه القضية همَّه وشغله ، فالفضل كله لله والأجر والثواب عند الله !.

الدعوة الإسلامية قامت في الأرض ، وامتدت لتحمل القضية الكبرى والحقيقة الكبرى ، قضية دعوة الناس إلى الإيمان والتوحيد ، وتبليغهم رسالة الله كما أُنزلت على محمد r ، حتى يستقرّ الإيمان والتوحيد في القلوب بهداية الله لمن يشاء من عباده ثم المضيّ في الأرض أمة واحدة نجاهد لتحقيق الأهداف الربانيّة الثابتة في الأرض ، في واقع الإنسان ، حتى ينجو الناس من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة ، حتى ينجو من شاء الله له الهداية والنجاة . نحن مكلفون أن ندعو إلى ذلك وأن ننهض إليه والهداية بيد الله وحده ، فله الأمر كله . ولكن انصرف بعض المسلمين عن ذلك ، فأخذوا يدعون إلى أنفسهم وأهوائهم وتجمعهم ، وحتى انقسم المسلمون إلى فئات وطوائف يصارع بعضها بعضاً ، وحتى شغل بعض المسلمين عن الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، إلى الله ورسوله ، إلى رسالة الإسلام كما أنزلت على محمد r ، وأصبح المسلمون شيعاً وأحزاباً تفاجئهم الأحداث فتزيدهم فرقة وانشقاقاً .

ورب طائفة أو طوائف يقولون : " يجب أن نثبت أنفسنا في الساحة ، يجب أن نفعل هذا وذاك حتى نظل ظاهرين أمام الناس " فدخلوا بذلك ميادين ليثبتوا أنفسهم في الساحة دخول ارتجال واجتهاد هوى ، فوجدوا أنفسهم في وحول تموج ، وتناقض واضطراب ، وأخذوا ينتقلون من ساحة إلى ساحة في ظلام وتيه ، وهم ينتقلون من وحول إلى وحول ، يزيدهم ذلك فرقة وانشقاقاً ، وفتنة واضطراباً .

الإيمان والتوحيد ومنهاج الله ، يُعلِّم هذا كله المسلمين أن لا يُقبلوا على عمل إقبال ارتجال وعاطفة وهوى ، ولكن على أساس من نهج وتخطيط يقوم على أساس من منهاج الله والواقع الذي يُفهم من خلال منهاج الله ، يحدد الدرب والمراحل والأهداف ، ليكون ذلك كله على " صراط مستقيم " بيّنه الله للمؤمنين ، وليكون في سبيل الله كما فصّله الله لنا في الكتاب والسنة ، حتى لا يكون لأحد عذر في تيه أو ضلالة ، أو فتنة وانحراف ، وحتى يجمع النهجُ والتخطيط المسلمين كلهم أُمة واحدة ، وصفاً مرصوصاً ، على درب واحد ، وأهداف واحدة ، تمتدّ كلها إلى الهدف الأكبر والأسمى . ولكن بعض المسلمين غاب عنهم حقيقة النهج والتخطيط فجابهوا الأحداث ارتجالاً تدفعهم العواطف والشعارات والمصالح ، فتفرّقت الصفوف والقلوب والعزائم .

معظم المسلمين يرفعون شعارات إسلامية إيمانيّة ويتنافسون عليها وحَوْلها ، حتى أصبح التنافس على الشعارات لا محتوى الشعار ومعناه وجوهره . ولو كان التنافس على فحوى الشعار وجوهره لتلاقت القلوب والنفوس والعزائم صفّاً واحداً ، أما إذا كان التنافس على الشعار وحده فإن الفرقة والصراع هما ثمرة هذا التنافس . التنافس على جوهر الشعارات سباق إلى العمل الصالح على " الصراط المستقيم " ممتد " في سبيل الله " إلى أهداف مشرقة جليّة واحدة تلتقي كلها عند الهدف الأكبر والأسمى ، والتنافس على الشعارات تنافس على الدنيا ومتاعها وعرضها أما التنافس على الدار الآخرة فقد أحله الله لنا وبيّنه وفصّله :

( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )

 [ المطففون : 22ـ26]

وكذلك :

 ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ) [ الصافات :60ـ61]

فهل هذا هو التنافس الذي يتنافسه المسلمون اليوم ؟ وهل هذا الذي يعملون له ؟!

أم أن التنافس اليوم على السمعة والظهور بِعرَضٍ الدنيا ، ناسين حديث رسول الله r :

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :

 " من سمّع سمَّع الله به ، ومن راءى راءى الله به " [ رواه مسلم] ([1])

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :

" قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيره تركته وشركه " [ رواه مسلم ]([2])

وحذر رسول الله r من تنافس الدنيا وخطرها الذي يؤدّي إلى الهلكة . فقد جاء في حديث عمروا بن عوف أن رسول الله r قال في جملة ما قال :

" ... فو الله ما الفقر أخشى عليكم . ولكن أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم كما بُسِطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها وتُهْلِككم كما أَهلكتهم "

[ رواه مسلم ]([3])

إن الذين يتسابقون إلى الدار الآخرة لهم سِماتٌ مميّزة ، وخصائص جليّة ، ونهج واضح ودرب ممتد على صراط مستقيم :

( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِـمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَــا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )

 [ المؤمنون :57ـ61]

هذا هو درب الجنّة ، وهذه بعض معالم " الصراط المستقيم " وبعض معالم الدرب الممتد " في سبيل الله " ! على هذا الدرب وحده يكون التنافس والسباق إلى الجنة .

إن هذا الدرب دربٌ واحد لا يختلط مع غيره من الدروب ، كما جاء في الحديث الشريف :

عن عبد الله بن مسعود قال : " خط لنا رسول الله r خطاً " ثم قال : " هذا سبيل الله " ثمّ خط خطوطاً عن يمينه وعن شمال ثمَّ قال : " هذه سُبلٌ متفرقة على سبيل منهما شيطان يدعو إليه " ثمَّ قرأ : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

[ رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه ]([4])

إنه درب واحـد وصراط مستقيم ! فهل المسلمون اليوم يمضون على درب واحد ، على صراط مستقيم ! لا بُدَّ من وقفة إيمانيّة ، ومحاسبة للنفس ، ومراجعة للمسيرة ، فذلك ممكن في الحياة الدنيا ، والتوبة ممكنة ، وعلاج الأخطاء ممكن . أما بعد الموت فلا توبة ولا إنابة ولا مراجعة لمسيرة ولا ثمرة لمحاسبة النفس :

( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )

 [ المؤمنون :99ـ100]

لا بد من وقفة إيمانيّة ومحاسبة للنفس قبل فوات الفرصة . لا بد من محاسبة النفس لنتساءل كلنا هل نحن نتنافس الدنيا أم نتنافس السباق إلى الدار الآخرة ؟! هل نحن نتنافس الشعارات أم محتوى الشعارات ؟!

فإذا رفع أحدنا شعار : بناء الجيل المؤمن ، ثم جاء من أخذ هذا الشعار ، وأخذ كلٌّ يدوي به ، وقد غاب النهج المفصّل لبناء الجيل المؤمن ، وغابت الخُطة ، فما جدوى التنافس على الشعار ؟! إنه تنافس دنيا وسمعة وتفريق وصراع ، ينأى الصادقون عنه ! إنه تنافس فرقة وشقاق ، وفتنة وفساد ، وإضاعة لنعم الله على عباده ، وإضاعة للجيل المؤمن الذي يُرْفع شعاره ، وعامل وهن وضعف ، وسبيلٌ إلى الهزائم والخذلان ، ونقض للعهد مع الله ، وإضاعة للأمانة ! أما تنافس الدار الآخرة عن إيمان وعلم ووعي ، فهو سبيل للقاء المؤمنين الصادقين ، لقاء القلوب والنفوس والعزائم ، وسبيل لبناء الجيل المؤمن ، ليكون صفاً كالبنيان المرصوص ، وسبيل عزّة وقوة ومَنعة ، وسبيل لقوة الإيمان والتوحيد وصفائهما ، وقوة العلم وصدقة ، ونمو التجربة والزاد : على طاعة صادقة لله ، وعبادة صادقة له ، ووفاء صادق بالعهد والأمانة ! .

شتان ما بالحالتين ، ولا ينفع الدعاء إذا لم يُصدقه النيّة الخالصة لله ، والعزيمة القوية النابعة منها ، والعمل والبذل والجهاد من أجل ذلك في سبيل الله وعلى صراط مستقيم .

شتان بين أن نستخدم عقولنا حتى نتنافس الدنيا ، فتُنّهَكَ قوانا ولا نكون إلا من الخاسرين ، حيث استخدمنا عقولنا لغير ما خُلِقَتْ له ، وبين أن نستخدم عقولنا لما خُلِقَتْ له : لتفكّر ونتدبَّر ، فنؤمن وتخشع ، وندرس منهاج الله ونتدبره لنبلغ رسالة الله إلى الناس .

لقد كفل الله الرزق لعباده ، وأمرهم أن يسَعَوْا عبادة الله وطاعة ، ولن ينال أحد من الدنيا أكثر مما قسم الله له وقدّر من نعم وابتلاء ، حتى يُشغلوا وعقولهم في السعي الذي أحلّه الله ، ويمتنعوا عما حرّم الله ، حتى لا يتنافس الناس الدنيا وزينتها وزخرفها ، ومالها وسمعتها وعرضها الزائل ، وحتى يتنافسوا السعي إلى الدار الآخرة ، وهم يطلبون الرزق الذي كتبه الله لهم ليكون قوة لهم في مسيرة كريمة إلى الدار الآخرة على صراط مستقيم .

أمران كفلهما الله لعباده وقدرهما على حكمة بالغة وقدر غالب ، حتى لا يحمل الإنسان همهما ، بل يسعى كما أمره الله : الأجل والرزق ! فعلام التنافس ، وحب الدنيا ، وعلام الفرقة والصراع والشقاق ؟!

إلى لقاء المؤمنين الصالحين الصادقين وبناء الجيل المؤمن ، شعاراً ومحتوى وبذلاً ! إلى لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن الذي يوفي بعهده مع الله ، حتى يوفي الله بعهده معه ، وينزل نصره عليه !

               

(1) مسلم : 53/298615 .

(2) مسلم : 53/5/2985 .

(3) مسلم : 53/5/2961 .

(1) الفتح الرباني : ( ج :18) ـ (ص :141) ـ حديث :274) .