القرآن الكريم رسالة الله عز وجل للبشر من أجل تحريرهم من العبودية لغيره

القرآن الكريم رسالة الله عز وجل للبشر من أجل تحريرهم من العبودية لغيره مهما كان نوعها  لهذا يستهدف من طرف من يريدون استعباد البشر

كلما ظهر مؤلف بشري يستهدف كتاب الله عز وجل باعتباره الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء قبل حلول نهاية العالم ، يتكرر السؤال التالي : لماذا يستهدف القرآن الكريم بشكل من الأشكال للنيل منه ؟ والجواب واضح وضوح الشمس في وضح النهار ، ذلك أنه من مقتضيات رسالة إلهية ختم بها الله عز وجل الرسالات المتتالية التي كانت كلها تدعو إلى تحرير الناس وإخراجهم  من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد أن تكون صارمة في تحريرهم من العبودية لغير الله عز وجل ، ومن هنا جاء عداء كثير من مستعبدي البشر لها ليظلوا عبيدا لهم بشكل أو بآخر .

ولقد ورد في الرسالة الخاتمة ذكر أصناف ونماذج  من الراغبين في استعباد البشر نذكر منهم فرعون الذي قال عنه الله تعالى : ((  وقال فرعون يا أيها الملأ مل علمت لكم من إله غيري ))، وقد ذكرت أيضا نماذج أخرى شبيهة بالنموذج الفرعوني لا داعي لذكرها .

ومن تلك النماذج أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين ضللوا أتباعهم فاتخذوهم أربابا من دون الله تعالى عما يشركون ، وقد ذكر سبحانه ذلك في الرسالة الخاتمة حيث قال : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم  وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) . ولو كان الأحبار والرهبان قد بلّغوا لأتباعهم ما أمر به الله عز وجل ما اتخذوهم أربابا من دونه، ولا اتخذوا المسيح إلها ،ونسبوه ابنا لله تعالى عما يصفون .

ومعلوم أن الذي حمل الأحبار والرهبان على هذا الانحراف بأتباعهم عن جادة التوحيد إلى الشرك هو مصالحهم المادية ،لأنهم كانوا يتخذون ذلك سببا  لجمع الأموال  الطائلة دون وجه حق باسم الدين الذي نصبوا أنفسهم أوصياء عليه، وقد حرفوا ما أنزل الله عز وجل على موسى وعيسى عليهما السلام . ولقد فضحهم الله عز وجل في الرسالة الخاتمة فقال جل شأنه : (( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله )) ، ويتبين من هذه الآية الكريمة أن أكل أموال الناس بالباطل هو الدافع وراء الصد عن سبيل الله، لأن هذا الأخير يمنع من أن تؤكل الأموال بالباطل . ولقد فضح الله تعالى طريقة أحبار اليهود في تحريف ما أنزل على موسى عليه السلام  فقال سبحانه وتعالى : ((  وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )) ، واللي هو الميل من وجهة إلى أخرى  كما يلوى لجام الفرس لتحويلها من وجهة إلى أخرى . وما كان يريده هؤلاء من وراء لي ألسنتهم هو تحويل الناس من توحيد الله عز وجل إلى  الشرك به من خلال جعل شركاء له .

وكما فضح الله تعالى هؤلاء الأحبار، فضح  أيضا رهبان النصارى دعاة الشرك بالله حيث قال : (( وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوءة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله  ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيئين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )). وواضح من خلال هذا النص القرآني أن الرسالات التي أنزلها الله عز وجل ومنها التوراة والإنجيل لم يرد فيها أمر باتخاذ الملائكة أوالأنبياء أربابا من دون الله عز وجل ، ولم يدع نبي أو رسول أنه إله من دون الله أو أن الملائكة آلهة  . وكان من المفروض فيمن تعلموا تلك الرسالات ودرسوها ، علما  بأن الدراسة هي الاستيعاب الجيد لما فيها أن يقولوا للناس كونوا ربانيين أي كونوا عبادا له لا لغيره .

 ولقد سجل القرآن الكريم براءة المسيح عليه السلام من نسبة الربوبية له كما ادعى الرهبان المحرفون لكلام الله عز وجل حيث قال الله تعالى : ((  وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبد الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )).

وإذا كانت الرسالة الخاتمة قد فضحت ما حصل من تحريف فيما سبقها من رسالات خصوصا التوراة والإنجيل  لاستعباد الناس واستغلالهم وأكل أموالهم بالباطل ، فإن ما حصل بعد هذه الرسالة الخاتمة، وما سيحصل إلى قيام الساعة من استعباد للبشر واستغلالهم وأكل أموالهم بالباطل  ينسحب عليه  تماما ما قيل عما كان من قبل من استعباد  واستغلال للناس .

ومما حصل بعد الرسالة الخاتمة ظهور فئات من المنتسبين إليها تحاكي أحبار اليهود ورهبان النصارى ، ولها ما كان لهم من أطماع في أموال الناس . ولقد ذكر سفيان بن عيينة أن من فسد من علماء المسلمين كان كأحبار اليهود ، ومن فسد من زهادهم كان كرهبان النصارى .

وممن فسدوا أصحاب المذاهب المنحرفة عن التوحيد ومنهم الطرقية  والشيعة . أما الشيعة فقد ذهبوا في تقديس آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبعد الحدود ، وهؤلاء براء مما يقولون عنهم كبراءة المسيح عليه السلام مما كان يقال عنه ، وكذا تقديس من يسمونهم المراجع والآيات والسماحات والأولياء الفقهاء ... وما إلى ذلك من ألقاب خلعها هؤلاء على أنفسهم لإيهام أتباعهم بقداستهم وهم مجرد بشر خطّاء علما بأن كل ابن آدم خطاء ، ولم يعصم من الخطأ إلا رسل الله وأنبياؤه صلواته وسلامه عليهم أجمعين . ومن وراء هذا التقديس تكمن أشكال من الشرك الخفي والجلي  . ولا يختلف هؤلاء المراجع والآيات والسماحات والأولياء الفقهاء عن أحبار اليهود ورهبان النصارى في أكل أموال الناس بالباطل ، وقد تكدست لديهم أموال طائلة ،صاروا بها  حكاما يتحكمون في الرقاب، ويفعلون ذلك عن طريق التمويه وادعاء القداسة والطهر وادعاء الحديث باسم آل البيت كما سبق أن فعل الأحبار والرهبان الذي يدعون أنهم يتحدثون نيابة عن المرسلين وحوارييهم  ، وهؤلاء وأولئك كان عليهم ألا يدعوا ما ليس لهم كما فعل المسيح عليه السلام ، وأن يكتفوا بما قاله الله عز وجل للناس في الرسالة الخاتمة أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا . وتمويه مراجع الشيعة على ما لم يخف   في الماضي و ما لم يعد خافيا  اليوم من أغراضهم ومصالحهم المادية المكشوفة  هو ما جعلهم يذهبون في تأويل كلام الله عز وجل التاويلات الباطنية الضالة والمضلة ، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه ، ويلوون به ألسنتهم ليظنه الناس أنه من تفسير وتأويل القرآن وما هو بتفسير ولا تأويل بل هو كذب وافتراء على الله ليصير كلامه موافقا لأهوائهم التي تخفي ما لديهم من مصالح مادية  . وإن من تأويلاتهم  لكلام الله عز وجل ما يثير الضحك السخرية، ولهذا السبب يكرهون من يفضحهم ويلعنونه ويشتمونه ، ويكفرونه .      

وأما الطرقية فقد ذهبوا مذهب الشيعة أيضا في إضفاء القداسة على من يسمونهم الأولياء والشيخ الكمّل ... وغير ذلك من الألقاب ، و قد نسبوا لهم ما لا يجوز لهم وهم من البشر الخطّاء ، وهو ما يوقع كثيرا من الناس في أنواع من الشرك  الخفي والجلي وهم يحسبون أنهم مهتدون وأنهم على صواب  بسبب ما يموه عليهم من ضلالات . ولا يختلف غرض الطرقية عن غرض الشيعة والأحبار والرهبان في أكل أموال الناس بالباطل ، ويشهد الواقع على ما تكدسه بعض الطرقية من ثروات طائلة على غرار ما يفعله الشيعة .

ومن الذين يعادون القرآن الكريم أيضا تيارات واتجاهات وإيديولوجيات غير دينية  يمنعها كلام الله عز وجل من استغلال البشر وأكل أموالهم بالباطل منها الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والعلمانية ... وغيرها ،لهذا تجتمع كلها على مناصبة العداء للقرآن الكريم ، ولهذا يطلع علينا بين الحين والآخر مؤلفات تشكك في مصداقيته  كما هو الشأن بالنسبة لآخر ما ظهر وهو ما سمي : " قرآن المؤرخين " الصادر باللغة الفرنسية اجتمع على تأليفه الشيعة واليهود والنصارى والعلمانيون .  وتذهب كل تلك الاتجاهات والإيديولوجيات  في تأويله تأويلات باطلة لا تختلف عن تأويلات  الأحبار والرهبان والشيعة والطرقية خدمة لأهدافها ومصالحها . فمن مصالح الرأسمالية المتوحشة التي صارت وحيدة في السيطرة على عالم اليوم أن تستغل الإنسان أبشع استغلال ، وتتاجر بمصائبه وكوارثه  على حد قول  الصحفي الأسترالي مؤلف كتاب " رأسمالية الكوارث "، لهذا تخوض اليوم ما تسميه حربا على الإسلام من خلال استهداف القرآن الكريم الرسالة الخاتمة التي تقطع الطريق على كل من يريد أكل أموال الناس بالباطل واستعبادهم بسبب ذلك .

وفي الأخير نشير إلى أنه لا سبيل لخلاص البشرية ممن يريدون استعبادهم بشتى الطرق والوسائل والحيل والمؤامرات سوى الرجوع إلى مضمون الرسالة الخاتمة تعلما ودراسة وتشربا وتخلقا وتنزيلا لتعود البشرية إلى سواء السبيل، وهو سبيل الله عز وجل الذي يعبد وحده دون شريك ويحكم شرعه وحده دون شرائع الأهواء .

وسوم: العدد 861