العقلية المريضة التي ترى في أطفال إدلب إرهابيين

إن تركيا من خلال ما قامت به في ليبيا حتى الآن، من تفعيل دورها الرئيسي في إمكانية فتح طريق للسلام، فإنها في الوقت ذاته أظهرت نفاق العالم وخطاباته حول السلام. من المعلوم أن الجميع يتحدث عن السلام، فليس هناك تكلفة ما لمجرد الكلام وبيعه، ولا أحد بطبيعة الحال يعبأ لما يقوله.

أولئك الذين يتحدثون عن السلام كل يوم، لم يفعلوا أي شيء أمام قوة غاشمة معتدية في ليبيا، قامت بارتكاب المجازر وسحق المدنيين والقضاء على حكومة شرعية شيئًا فشيئًا. في تلك الأثناء لا تملك تلك الحكومة الشرعية سوى طلب النجدة ومحاولة إسماع صوتها للعالم. ولو أن تركيا لم تقم بتلبية النداء على الفور وتدرك ما يجري، لكان نظام الانقلاب الدموي اليوم حقيقة يحكم الآن بيد من حديد تقطر دمًا، ليؤسس مفهومه الخاص للسلام، وسط دماء عشرات الآلاف، وعلى حساب حرمان الناس من أدنى حقوقهم الأساسية.

إن تركيا حينما تلعب دور مفتاح السلام في ليبيا، فإنها في الوقت ذاته تجسد موقفًا يحمي ما تبقى من إنسانية وتنقذ ما تبقى من ضمير، أمام الظلم الذي يفسد السلام كل حين، والجرائم والممارسات غير الإنسانية والمجازر. تركيا بموقفها هذا بمثابة مطر يصب فوق وجدان متصحر وإنسانية جافة. فضلًا عن أنها تحتل المرتبة الأولى منذ وقت طويل، على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية.

كما أظهرت تركيا ذلك في ليبيا، فإنها تظهره كذلك في الصومال، أفغانستان، العراق وسوريا. هناك فرق واضح قائم ما بين موقف جميع الجهات الفاعلة بالمنطقة حيال هذه الأزمة، وبين الدور التركي. دور تركيا حل المشاكل لا خلقها، السلام لا الحرب، تخفيف الأزمة لا تعميقها، وهذا ما يميزها في كل مكان تكون موجودة فيه.

بينما كان العالم مشغولًا في ليبيا خلال الأيام الأخيرة، فلقد شهدنا كيف تصرف كل أحد حسب شخصيته الحقيقية في إدلب. رأينا كيف أن الذئاب وجدت الجو مناسبًا والفرصة سانحة كي تنزل للساحة، رأينا نظام الأسد وروسيا من جديد يعودان لارتكاب الجرائم والمجازر بحق المدنيين البريئين. لقد أصبح الأمر مجرد عادة لدرجة أن لا أحد يتوقع من روسيا أو سوريا أي احترام تجاه حقوق الإنسان.

سوريا مهما فعلت يتم اعتباره محليًّا، وأما روسيا فلا أحد ينتظر منها موقفًا إنسانيًّا، فهي مستعدة لانتهاك حقوق المدنيين وأرواحهم وأموالهم واستقرارهم، من أجل القضاء على إرهابيّ ما بحد زعمها.

إن الإرهابيين الذين تتحدث عنهم قبل ان تضربهم، فإنها تكون قد ضربت المدنيين العزل والناس الأبرياء الذين لا يوجد من يدافع عنهم.

لذلك السبب نرى عشرات الآلاف من المدنيين العزل قد فروا صوب الحدود التركية، من جحيم آلات الحرب التي تضرب بتعسف دون مسؤولية، وعلينا أن نقول لروسيا والنظام السوري أوقفوا ذلك، كما نتساءل لماذا لا يقوم الاتحاد الأوروبي باستقبال هؤلاء اللاجئين.

إن روسيا وإيران والنظام السوري هي أنظمة دموية تعتبر السبب الرئيس للهجرة.

بالطبع، كل أحد يتصرف حسب مشيئته ومزاجه الخاص وشخصيته، ونحن بالتالي قد تعودنا على ذلك في الحقيقة، ولذلك لا ننتظر احترامًا لحقوق الناس من قبل روسيا وإيران والنظام السوري. هؤلاء لم يتبق في بنية شخصياتهم سوى المجازر، وانتهاك حقوق الناس.

الوضع مع هؤلاء يبدو للأسف تمامًا كما هو مع كليجدار أغلو، من حيث انتظارنا أن يفهم ما يجري لتشتعل بقية ضمير يقيّم من خلالها ما يحدث.

لقد قال بأن جميع الذين يفرون من إدلب نحو تركيا هم إرهابيون دمويون. في تلك الأثناء التي قال فيها ذلك، كانت صرخات أب فقد 3 من أطفاله تدوي في الأفق، دون أن تجد سبيل الوصول لتطرق سماع كليجدار أوغلو. هل طرقت سمع كليجدار أوغلو، أسئلة وصرخات ذلك الأب المفجوع على أولاده بقلب محترق؟:

هل ذلك الطفل الذي قد ارتدى حذاء والده الميت ويجري باكيا فوق الطين هو الإرهابي؟

هل تلك المرأة التي أنقذت قطتها لتعانقها باكية هي إرهابية؟

هل تلك الفتاة التي لم تسرّح شعرها منذ مقتل أمها، كي تحافظ على التسريحة التي فعلتها أمها؛ إرهابية؟

هل ذلك الشاب الذي مات تحت شجرة وهو يردد "أنا زيتون هذه الشجرة"، إرهابي؟

نعم صحيح أن الجميع يتصرف حسب مزاجه، لكننا لن نتعود على هذا المزاج، ولن ننخدع به ولا نراه شيئًا طبيعيًّا.

إننا نشعر بالفضول حيال تلك العقلية المرضية التي أصيب بها كليجدار أوغلو، والتي تصنّف الشباب القتلى، والأمهات الثكلى الباكيات دون وطن، والفتيات اللواتي فقدن أمهاتهن وآبائهن وحتى أخواتهن، والأطفال اليتامى؛ على أنهم إرهابيين، من أي نوع تلك العقلية المريضة؟ أي نوع من الأيديولوجية هذا، أيّ عين تلك وأي كراهية وأيّ عداوة؟

عبر هذه الأيديولوجية، فكم ذرة من الإنسانية وكم غرام من الرحمة والشفقة سيتبقى لأولاد أو أحفاد هؤلاء؟

عبر تلك السياسة البائسة المجانبة للرحمة فما الذي يمكن أن يقدموه لأولادهم أو لتركيا أو للعالم؟

أولئك الذين يرون في الأطفال أنهم إرهابيون، ما الذي يمكن أن ننتظره منهم كي يتحدثوا عن ظلم الأسد أو السيسي أو روسيا او إيران.

وسوم: العدد 861