هل ستُنشِئ تركيا منطقة آمنة في إدلب؟

يوم السبت الماضي، اجتمع في العاصمة التركية أنقرة وفدا تركيا وروسيا للتباحث بشأن التطورات السلبية الحاصلة في إدلب. وبعد حوالي ثلاث ساعات، انتهى الاجتماع إلى القول إن الجانبين اتفقا على عقد اجتماعات أخرى خلال الأسابيع القادمة. هذا يعني أن الاتفاق فشل في جسر الهوّة الآخذة في الاتساع بين الطرفين، وما لم يكن هناك لقاء سريع بين أردوغان وبوتن، فالأرجح أن التصعيد سيكون سيد الموقف.

بالنسبة إلى الجانب التركي، فإن خسارة إدلب تعني دفع حوالي مليوني إنسان، إضافة إلى مليون ممّن نزحوا مؤخراً نتيجة العملية العسكرية التي يقوم بها نظام الأسد باتجاه الحدود التركية، وربما إلى الداخل التركي أيضاً. على صعيد اللاجئين، هذا يعني تجاوزاً لقدرات تركيا الذاتية على تحمّل الأعباء السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة والأمنية الناجمة عمّا يبدو أنه مشروع لتفجير الداخل التركي.

على المستوى العسكري، فإن خسارة إدلب تعني إمكانية تدحرج المكتسبات التي جرى تحقيقها خلال السنوات القليلة الماضية، من خلال عمليات درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، بشكل عكسي متسارع. هذا يعني أن اللاعب التركي قد يخسر أوراقه الاستراتيجية في سوريا، بعد أن يتم تحييدها الواحدة تلو الأخرى.

ولعل الهدف النهائي من هذه العمليات التي تدعمها روسيا، إفهام تركيا أن عليها التراجع تدريجياً، والخروج مقابل تأمين شريط حدودي لها بضمانات من قبل نظام الأسد. لكن ما قام ويقوم به نظام الأسد يعطي فكرة واضحة عن نوع ما يسمى بالضمانات التي لا تحمل أي قيمة.

لا يوجد أدنى شك في أن روسيا تريد من الأسد السيطرة على الأراضي السورية كاملة، قبل تحقيق أي تقدّم على المسار السياسي، وهو ما سيؤدي عملياً إلى إلغاء العملية السياسية، وتحويل المعارضة السياسية والعسكرية إلى ما يمكن للنظام أن يسميه حالة خروج عن الشرعية!

هذه الحالة تتطلّب سريعاً من الجانب التركي إعادة تحديد أولوياته بخصوص ما يجب التفاوض حوله، وما يمكن التفاهم عليه، وما هو من غير الممكن القبول به، وهذا يحتاج إلى إعادة رسم الخطوط التركية الحمراء، ودعمها بقوّة عسكرية ذات مصداقية لردع الأسد وداعميه.

خيارات تركيا الآن في مواجهة أربعة لاعبين في سوريا (روسيا، وإيران، ونظام الأسد، والميليشيات) محدودة، وهي تتراوح بين توقيع اتفاقية جديدة، وإطلاق عملية عسكرية لإنشاء منطقة آمنة فيما تبقى من إدلب، أو استعادة المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد مؤخراً، وهو الأمر الذي هدّد الرئيس التركي نظام الأسد بإمكانية حصوله ما لم يتراجع مع نهاية الشهر الحالي.

الخيار الأخير يعني أن احتمال حصول تصادم مع روسيا سيكون وارداً. وبالنظر إلى اعتماد أنقرة بشكل كبير على موسكو في عدد من المجالات الاقتصادية، فإن المواجهة ستكون خياراً سيّئاً لأنقرة إلا إذا كانت قد ضمنت دعماً عسكرياً من واشنطن وهو احتمال ضعيف، بالنظر إلى أن الجانب الأميركي قد لا يريد التدخّل مباشرة.

إذا ما صح هذا التحليل، فذلك يعني أن التهديد باستعادة المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد، مؤخراً، هو السقف العالي الذي سيتفاوض المسؤولون الأتراك مع روسيا حوله. السؤال الذي يطرح نفسه، كيف سيكون بالإمكان تحقيق ذلك؟ أو ربما الظفر بما هو دونه بشكل دائم مع الحفاظ على المكاسب التركية داخل سوريا، وضمان عدم قيام الأسد بخرق أية اتفاقات جديدة؟ الجواب يكمن على الأرجح في خلق وقائع جديدة على الأرض بالقوة العسكرية، وهو ما سيكون من دون شك اختباراً أيضاً لقدرات الجانب التركي وحدود قوّته وقراره السياسي.

وسوم: العدد 863