طفح الكيل وبلغ السيل الزبى

صبرت تركيا كثيراً على نكول روسيا لتعهداتها وللاتفاقيات التي وقعتها معها منذ العام 2018 لخفض التصعيد في محافظة إدلب، وقد رسمت خطوط التماس بين النقاط التركية وفصائل الثوار من جهة والنظام السوري من جهة أخرى؛ والتي أقيمت باتفاق البلدين، وجعلت بينهما منطقة محايدة لا وجود للأسلحة الثقيلة، وقد تعهدت روسيا بمنع النظام السوري من التقدم باتجاه ادلب، ولكن الذي حصل على الأرض ليست له أية علاقة بهذه الاتفاقيات، حيث كانت ميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية تتقدم على الأرض؛ والطيران الروسي يمهد لها الطريق باتباع أسلوب الأرض المحروقة، ويدمر المدن والبلدات والقرى السورية ويقتل المدنيين أطفالاً ونساءً ومواطنين عزل، ويفرض على السكان التهجير والنزوح باتجاه الحدود التركية، حتى وصل عدد المهجرين والنازحين ما يقرب من مليون إنسان؛ معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

هذا الواقع الذي فرضته روسيا وميليشيات نمرود الشام على الأرض، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات الموقع عليها من قبل مجرم الحرب بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضاق صدر أنقرة وطفح الكيل لديها وبلغ السيل الزبى عندها؛ وخرجت عن صمتها وطاقة تحملها، ليهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي 12 شباط الجاري النظام السوري والمرتزقة الداعمة له، على خلفية اندلاع مواجهات مباشرة بين ميليشيات الأسد والقوات التركية خلال الأيام العشرة الأخيرة، تسببت بزيادة التوتر كذلك في العلاقة بين تركيا وروسيا الداعم الأبرز لنمرود الشام.

وقال الرئيس التركي في كلمة أمام كتلة حزبه الحاكم العدالة والتنمية في البرلمان في أنقرة "أعلن أننا سنضرب قوات النظام في كل مكان اعتبارا من الآن بغض النظر عن اتفاقية سوتشي، في حال إلحاق أدنى أذى بجنودنا ونقاط المراقبة التابعة لنا أو في أي مكان آخر".

كما انتقد أردوغان روسيا بشكل مباشر، بقوله إن "النظام والقوات الروسية التي تدعمه تهاجم المدنيين باستمرار وترتكب مجازر".

مضيفا أن بلاده ستفعل "كل ما هو ضروري" لرد قوات النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة الاثنتي عشرة التي أقامتها في إدلب بموجب اتفاق سوتشي سعيا لمنع النظام من شن هجومه على المحافظة المتاخمة لها.

وفود عسكرية روسية تصل إلى أنقرة

في هذه الأثناء وصل وفد عسكري روسي رفيع المستوى إلى أنقرة للتفاهم حول ما يجري على الأرض دون التوصل إلى أي حلول، وعاد الوفد الروسي إلى بلاده، ولكن موسكو أرسلت الوفد ثانية إلى أنقرة للقاء المسؤولين الأتراك في محاولة لأي اتفاق بينهما، ولكن لم يكن حظ الوفد العسكري الروسي الثاني بأحسن حالاً من الأول، فقد كانت مطالب أنقرة واضحة ومحقة هي تنفيذ ما اتفق عليه في سوجي وآستانه.

اتصال هاتفي بين بوتين وأردوغان

أمام إخفاق كل هذه المباحثات بين موسكو وأنقرة كان لابد من تخابر الرئيسين أردوغان وبوتين، فكلا الرجلان لا يريد قطع كل الخيوط بينهما وهناك مصالح مشتركة بين البلدين، فكان الاتصال بين الرجلين، حيث عبر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي "بمبادرة من أنقرة" عن رغبتهما "بالتطبيق الكامل" لاتفاقات خفض التصعيد الروسية التركية في سورية بحسب بيان صادر عن الكرملين.

وأكد الرئيسان على "أهمية التطبيق الكامل للاتفاقات الروسية-التركية" كما أعلن الكرملين؛ وتطرقا بشكل خاص إلى المنطقة منزوعة السلاح التي أقيمت في منطقة إدلب (شمال غرب) حيث تواجهت القوات التركية والميليشيات السورية في الأيام القليلة الماضية.

أنقرة تستعد لإرسال وفد إلى موسكو

من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أن وفدا تركيا سيذهب إلى موسكو "خلال الأيام المقبلة". مضيفا "نواصل العمل مع روسيا، نعمل على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار. لكن حتى ولو لم ينتج شيء عن ذلك، تصميمنا واضح وسنفعل ما يلزم".

أرتال العتاد والأسلحة التركية تعبر الحدود إلى عمق الأراضي السورية

وفي نفس الوقت كانت أرتال الدبابات والمجنزرات وناقلات الجند والمدفعية وأجهزة التشويش والصواريخ الموجهة والمضادة للطيران تعبر الحدود إلى المنطقة الملتهبة والمشتعلة في محافظة إدلب وريف حلب، في إشارة إلى روسيا ونمرود الشام أن تركيا جادة فيما تتوعد به.

حزب الحركة القومية التركي يدعو إلى إسقاط النظام السوري

وجدد حزب الحركة القومية التركي "دولت باهجلي" اليوم الثلاثاء دعوته لإسقاط نظام اﻷسد، كما حثّ الحكومة على إعادة النظر في العلاقات مع روسيا على خلفية اﻷحداث الجارية في إدلب شمالي سوريا ومقتل جنود أتراك هناك.

وقال "باهجلي": إن كلاً من روسيا والنظام السوري يتحملان مسؤولية مقتل جنود بلاده في إدلب مضيفاً: "لن تهدأ قلوبنا حتى يرحل الأسد وينتهي الظلم".

ودعا "الأمة التركية" إلى التخطيط لدخول دمشق واقتلاع النظام السوري، مضيفاً: "دون إسقاط الأسد لن تعيش سورية وتركيا بسلام، حتى لو تم الرد على هذه الاعتداءات لكننا لن نرتاح حتى إسقاطه".

وأضاف زعيم حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا: "لقد اكتسبت الأزمة في إدلب أبعاداً أخرى، ولم يعد في مقدورنا التحمّل لأكثر من ذلك".

دخول أمريكا على خط الأزمة

وصل المبعوث الأمريكي الخاص لسورية جيمس جيفري إلى أنقرة للقاء مسؤولين أتراك. وقال جيفري، في تصريح صحفي، فور وصوله لبحث التصعيد في إدلب: "جئنا إلى أنقرة لتقييم الوضع مع الحكومة التركية، ونود أن نقدم أكبر قدر ممكن من الدعم".

وأضاف الدبلوماسي الأمريكي: "اليوم تواجه حليفتنا تركيا تهديدا حقيقيا في إدلب من النظام السوري وروسيا".

وسبق أن أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن زيارة جيفري إلى تركيا تتناول تنسيق "الرد" على الهجوم الذي تعرضت له القوات التركية من قبل الجيش السوري في منطقة إدلب.

الناتو سيدعم تركيا

وقال الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبيرغ، ردا على سؤال عما إذا كان الحلف سيدعم أنقرة في حال شنها عملية عسكرية في إدلب: "الناتو يدعم تركيا الآن. تركيا عضو في الناتو، وللناتو حضور في تركيا، كما أننا نقدم لها عددا من إجراءات الدعم في مجال الدفاع الجوي، بغض النظر عن الوضع في إدلب، الذي يقلقنا جدا".

وفي تصريحات صحفية، أدلى بها في أعقاب اجتماع لوزراء دفاع دول الحلف في بروكسل، أشار الأمين العام للناتو إلى أنه يعتبر هجوم القوات الحكومية السورية في محافظة إدلب "استخداما قاسيا للقوة واعتداءات عشوائية على مدنيين أبرياء".

وأضاف ستولتنبيرغ: "نحن ندين ذلك، فهو غير مقبول لدينا"، داعيا السلطات السورية إلى "وقف هذه الاعتداءات".

الترقب المقلق

الجميع يترقبون ماذا سيفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا لم تنسحب ميليشيات أسد والميليشيات الحليفة له، وقد أمهل النظام السوري حتى نهاية الشهر للانسحاب من المناطق المشمولة بخفض التصعيد في منطقة إدلب وريف حلب، وما سيكون عليه الموقف الروسي تجاه ما قد يحصل؟

وسوم: العدد 864