أكبر ظلم على الإطلاق منع ذكر الله عز وجل في بيوته والسعي في خرابها

من المعلوم أن إرادة الله عز وجل اقتضت أن تكون له بيوت  في الأرض فيها يتلقى الخلق عنه سبحانه وتعالى الحق ليستقيم  أمرعاجلهم وليفوزوا بذلك في آجلهم.

ولقد كان دأب الناس في القديم أن يتخذوا أماكن معلومة للعبادة بغض الطرف عن نوع عبادتهم توحيدا لله عز وجل أو شركا به تعالى عن الشركاء . ولما ختم الله عز وجل الرسالات التي أنزلها على صفوة خلقه من الرسل والأنبياء صلواته وسلامه عليهم أجمعين بالرسالة الخاتمة للعالمين جعل الأرض  لخاتم المرسلين وأمته مسجدا وطهورا كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى أمر هذه الرسالة منحصرا في حيز ضيق من المعمور .

ولما كانت الرسالة الخاتمة هي الحق فقد شبهها الله عز وجل بالنور الذي جعل في بيوته ، وهي المساجد كما جاء في تفسير قوله تعالى : (( الله نور السماوات والأرض... )) إلى قوله تعالى : (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )) والجار ومجرور متعلقان بما سبق من كلام الله عز وجل  عن نوره .

ولما كان لبيوت الله عز وجل هذا الشأن العظيم المتمثل في ذكر سبحانه وتعالى الذي به يتحقق الحق فقد حذر جل جلاله من تعطيل مهامها بفعلين شنيعين هما  منع ذكره فيها أو السعي في خرابها مصداقا لقوله تعالى :

 (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)) .

ولقد اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية ورقمها 114 في سورة البقرة وهو  رقم بعدد سور القرآن الكريم ،فقيل نزلت في خراب بيت المقدس على يد  بختنصر البابلي  وهو خراب تكرر ثلاث مرات ، وقيل نزلت في خرابه على يد طيطس الروماني ، وقيل نزلت في كفار قريش ، وقد رجح المفسرون السبب الأخير.

 ومعلوم أن العبرة في كلام الله عز وجل بعموم لفظه لا بخصوص سبب نزوله ، وهذا يعني أن كل منع لذكر الله عز وجل في بيوته ، وكل سعي في خرابها مهما كان زمنهما يشملهما الحكم الذي قضاه الله عز وجل في المانعين ذكره في بيوته والساعين في خرابها ، وهو خزي الدنيا وعذاب الآخرة العظيم . وما يفعله المحتل الصهيوني اليوم  في المسجد الأقصى المبارك يدخل تحت هذا الحكم .

والآية الكريمة تذكر جرمين شنيعين هما منع ذكر الله عز وجل في بيوته ، والسعي في خرابها ، ولهما أشكال وأساليب متعددة . فمن المنع منع على وجه الحقيقة كما فعل كفار قريش قبل فتح مكة ، وكما يفعل الصهاينة  اليوم  بين الحين والآخر حين يمنعون المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى .  ومن المنع منع على وجه المجاز حيث تكون بعض الأفعال مؤدية إلى نفس النتيجة التي تكون في المنع على وجه الحقيقة كأن يمنع على سبيل المثال خطباء أو دعاة  بأعيانهم من  الذكر لأسباب واهية ليس لها ما يبررها شرعا ، أو كأن يحرض على عدم حضور الذكر أو غير ذلك من  أنواع المنع المموه عليه حتى لا يعرف أو يفتضح .

ومن السعي في خراب بيوت الله عز وجل أشكال وأساليب متعددة أيضا . فمنها على سبيل المثال لا الحصر الاعتراض على بنائها في أماكن معينة مع أن الأرض جعلت كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا له ولأمته . ومما يدخل ضمن السعي في خرابها  أيضا استكثار عددها والدعوة إلى التقليل منها . ومن ذلك أيضا إلحاق الأذى بها أو سرقة ما فيها أو سرقة أمتعة روادها ، أو التضييق عليها بشكل أو بآخر ينتج عنه ما يتسبب في خرابها .

ولقد توعد الله عز وجل مرتكبي الجرمين معا عذابا معجلا في الدنيا وهو الخزي ، والخزي مهانة وذل وعار تكون له صور وأشكال  حيث تستقبح أفعالهم ويذمون بها ، ويعيرون ،ويذكرون الذكر السيء ، ويفضح الله عز وجل ما كانوا يودون ألا يعرف عنهم من منعهم لذكره  في بيوته أوسعيهم في خرابها .

وأما عذاب الآخرة، فهو عظيم يقتضيه حجم ظلمهم الذي لا يوجد أظلم منه لأنه اعتداء على بيوت الله عز وجل . فإذا كان الاعتداء على بيوت الخلق ظلما فالاعتداء على بيوت الخالق سبحانه أشد ظلما، لهذا جاء التعبير عن هذا الظلم بصيغة الاستفهام الإنكاري  الدالة على النفي أي لا يوجد أظلم ممن يعتدي على بيوت الله عز وجل سواء بمنع ذكره فيها أو بالسعي في خرابها .

وفضلا عن هذا أشار الآية الكريمة إلى نوع من الخوف يعتري من يمنعون ذكر الله عز وجل في بيوته أو يسعون في خرابها ، ذلك أن كل من دخلها لغرض غير ذكر الله عز وجل لا يدخلها إلا خائفا ، فاللص الذي يدخلها للسرقة يعتريه الخوف من افتضاح أمره ، ومن يريد السوء بمن فيه  بشكل أو بآخر  تجسسا أوغيبة أو نميمة أو وشاية كاذبة أو بهتانا يعتريه الخوف لا محالة لأنه يعلم أن خالقه مطلعا على قصده السيء في مكان خاص بذكره ، ولنا مثال في دخول الجنود والمستوطنين الصهاينة الذين يدخلون ساحة المسجد الأقصى خائفين ، وآية خوفهم أنهم يدخلون مدججين بالأسلحة ، وليس فيه إلا مصلين لا أسلحة معه سوى سلاح الإيمان بالله عز وجل .  

ولقد ورد بعد هذه الآية التي توعد الله عز وجل فيها المانعين ذكره في بيوته والساعين في خرابها قوله تعالى : (( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم )) ،وهو وعد منه سبحانه لمن منعوا من ذكره في بيوته منعا مباشرا أو عن طريق السعي في خرابها حيث وسّع عليهم ليجدوه سبحانه حيثما ولّوا وجوههم خصوصا وأن الأرض جعلت لهم مسجدا وطهورا . ولقد منع كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكره في المسجد الحرام فوسّع عليه الله عز وجل  في مسجده بالمدينة المنورة ، ثم في المسجد الأقصى حيث صلى بالرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد بلغت بيوت الله عز وجل بعده سعة في مشارق الأرض  ومغاربها ، وهي دائما في زيادة ، وذكر الله عز وجل لن ينقطع فيها حتى يرث سبحانه الأرض ومن عليها.  

وسوم: العدد 865