العفو العام: الحريري وأهالي الموقوفين.. حكاية ظلم(2/2)

يفترض أنّ تيار المستقبل يمثـّل مصالح عائلات الموقوفين وبيئتهم الاجتماعية، إلا إنّه يتعاطى مع هذا الملف على أساس العرض والطلب السياسيين وكيفية التلاعب بالمسارات القانونية مع إبقاء الدعاية الموازية بأنه تيار الإنفتاح ومحاربة التطرف والإرهاب شغـّالة في الداخل والخارج، من دون اتخاذ أيّ خطوة إعلاء شأن الاعتدال الحقيقي المثبـّت للاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي.

على هذه الخلفية، قام التيار بمناوراتٍ طويلة على مدى السنوات الماضية، كانت كلها تستند على وجع الأهالي وإطلاق الوعود بشكلٍ دائم، والاستمرار في استعطاف الأمهات والأخوات والآباء.. بشكلٍ محترف، في تجاوزٍ واضح لكلّ أشكال العمل السياسي المشرِّف.

إقرأ أيضاً: العفو العام: السلطة ضد الناس (2/1)

وكانت المحطة الأخيرة، في هذه السلسلة الطويلة من الاحتيال السياسي، الموجة التي افتعلها الرئيس سعد الحريري تحت عنوان "العفو العام"، والتي حاولت بكلّ الوسائل تحويل الأهالي لكتلة ناخبة، قبل أن ينفض الحريري يديه من الوعود العرقوبية البائسة.

رضي الحريري بالمنطق المعلن من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" الوارد في وثيقة التفاهم بين التيار والحزب تحت بند:

"اللبنانيون في "إسرائيل": انطلاقاً من قناعتنا بأنّ وجود أيّ لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدّو، فإنّ حلّ مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى "إسرائيل" تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم الى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع. لذلك نوجه نداءً لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب "الإسرائيلي" من جنوب لبنان واستلهاماً بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب".

ألم يرتكب هؤلاء العملاء جرائم قتلٍ وإرهاب بحقّ اللبنانيين وجيشهم؟

أليست العمالة للعدو خيانة عظمى؟ كيف نرضى بصفح "حزب الله" عنهم وبإعطائه لهم كلّ الأسباب التخفيفية لعملاء العدو.. ومتاجرة العونيين بهذا الملف، بينما كلّ ملفات أهل السنة تخضع لأقصى درجات التشدّد وادّعاء التمسّك بالقانون وبكرامة الجيش التي تنتفي أمام خيانة بعض المسيحيين الذين يريد جبران باسيل تحويلهم إلى كتلة ناخبة، يتبخّر التشدّد أمام إجرام بعض المواطنين الشيعة الذين يمارسون في العلن كلّ أشكال البلطجة من استهدافٍ للجيش وخطف للمواطنين والعرب والأجانب وسرقاتٍ منظمة يجري ابتزاز أصحابها جهاراً نهاراً؟.

وكيف يكون العفو عاماً إذا ميّز بين هذا المواطن أو ذاك، ولماذا تمّ العفو بدون قانون عن قاتل الشهيد سامر حنّا وغيره من الذين استهدفوا الجيش وأسالوا دماء جنوده وضباطه وحاصروهم وضربوا حواجزهم في "فورات العشائر" وتجّار المخدرات وعصابات سرقة السيارات والخطف وكلّ أشكال الاستهداف للدولة والجيش والشعب..

وكيف رضي الحريري، طيلة مسار مطلب العفو العام، بأن يتمّ التفريق بين "إرهاب سنّي" يُنسب لمجموعاتٍ حُرمت من توفير عناصر العدالة لها على مدى عقود، بينما وتحظى عصابات الخطف والقتل والسرقة في البيئة الحاضنة بحصانةٍ تامة، ويقتصر دور القوى الأمنية على تسطير محاضرَ تجعلها شاهد زور لا أكثر..

أصبح أبناء أهل السنة عرضة للإتهام الدائم بالإرهاب، نتيجة قبول الحريري بتعريف "حزب الله" لهذه الظاهرة

وكيف اقتصر تطبيق القانون والخطط الأمنية على مناطق "المستقبل" دون منطقة واحدة أخرى، حيث القانون مزحة والدولة مجرّد شبح لا يظهر طيفه إلا عندما يحتاج "حزب الله" إلى تأديب الخارجين على سلطته..

طيلة فترة تولّيه رئاسة الحكومات تعاطى الحريري مع هذا الملف بمنطق المتاجرة السياسية، رغم امتلاكه السلطة والإمكانية للتدخل لفرض القانون ووقف تدهور التدخل السياسي في القضاء، أو إقامة التوازن إزاء هذا التدخل على الأقل، بعد أن أصبح أبناء أهل السنة عرضة للإتهام الدائم بالإرهاب، نتيجة قبول الحريري بتعريف "حزب الله" لهذه الظاهرة، واحتكام القضاء العسكري اللبناني لوجهة نظر الحزب وأخذه بها في الأحكام وهذا ما تسبّب بكارثة إنسانية لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وعد الحريري الأهالي بالعفو العام، عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، وخرج من الحكم دون تنفيذ وعده، رغم أنه كان باستطاعته فعل ما هو أفضل من العفو العام، وهو الضغط لتأمين استقامة معايير العدالة بالتعاون مع المؤسسات المعنية داخل الدولة وفي المجتمع المدني والهيئات الدولية المختصة.

لطالما قلنا إنّنا لا نحتاج إلى العفو العام، بل إنّ ما نحتاجه هو العدل العام الذي يحاسب كل المجرمين ويعاقب كل المرتكبين ويساوي بين كل اللبنانيين معاقبة أو عفواً..

وسوم: العدد 867