كورونا ..والبشر المنسيون !!

هل تجمع عداوة  كورونا الناس على هدف واحد

يعيش البشر في العالم أجمع في هذه الأيام ،  حالة ذعر شديد من الفيروس العدواني المنتشربين ظهرانيهم حسب متوالية عددية هندسية مفتوحة الأساس .  بحيث يمكن أن نعد واحد ..اثنان ..أربعة ..ثمانية ..ستة عشر ..!!

وتنتشر حالة الذعر هذه  بين الخاصة قبل العامة حتى تكاد تحسب أن الكثير من أصحاب المسئوليات قد تخلوا عن مسئولياتهم خوفا وذعرا . وتجد حكومات غير قليلة فعلت ذلك ، وإن لم تعلن عنه ؛  بعضها لفقدان القدرة ، وبعضها لقلة الاهتمام . فأصبح الإنسان الفرد بالتالي مسئولا عن أن يتحمل مسئولية نفسه وسط هذا الزحام ، وهذه الضغوطات . وحتى أصبحنا في صباح اليوم الجمعة الموافق للثامن عشر من رجب 1441 وحال الناس " لكل امرئ منهم شأن يغنيه " تصلك التعليمات هنا في لندن عاصمة بريطانيا العظمى : إذا شعرت بالإصابة فالزم بيتك ، وأحكم إغلاق الباب .

ومع كل ما تقدم يجب أن يكون للعقلاء دائما دور في المبادرة ومحاولة لإمساك بالزمام  وإشاعة المعرفة بين قابي قوس التحذير والتطمين .

لقد جاء اعتراف  رئيس مركز مكافحة الأمراض الفيدرالي الأمريكي الذي قال فيه  : "علينا أن نعترف بفشل نظام الفحص الصحي لدينا . وهو غير مهيأ لاحتياجاتنا ". صادما للجميع ، مزعزعا للثقة بإمكانات أكبر دولة في العالم .

ثم كان اعتراف السيدة ميركل للألمان أن الفيروس سيصيب 70% بالمائة من الشعب الألماني !! وألمانيا هي ألمانيا في القدرة على التنظيم والضبط والربط والإمكانات ، مكملا في إشاعة الخوف للتصريح الأول . وردف ذلك تصريح رئيس إحدى الولايات الأمريكية يقول فيه إن عدد المصابين في ولايته يبلغ مائة ألف ، أي يوازي عدد المصابين في العالم أجمع حتى أيام قريبة ..!!

الأرقام المعلنة ، وسرعة الانتشار ، وامتداد الرقعة ، التي دفعت منظمة الصحة العالمية إلى إعلان الفيروس وباء عالميا ..كل ذلك يدفعنا إلى القول إن كل ما أعلن عنه حتى اليوم هو أقل من الجزء الظاهر من السفينة . وإن الأرقام الحقيقية التي لم يتم كشفها أولا ، والتي تم التستر عليها ثانيا هي التي يجب أن تثير القلق الحقيقي للدول والحكومات والنخب والشعوب ..

والذي يثير الاستغراب أن بعض الدول حاولت أن تجعل من قضية الفيروس الذي يجب أن يكون موحدا جامعا على مواجهته مادة مفضلة للتراشق والاتهام ..ويبقى سؤالنا إزاء كل ما سبق : هل يوحد فيروس كورونا العالم  في التفرغ لمقاومته وإعطاء الأولوية لمواجهته . هل يتوجه القادر في العالم إلى مساعدة الضعيف ؟! هل هناك نية لدى الخبير العالم أن يمد الأقل حظا بالخبرة والعلم ؟! هل يخطر ببال الغني أن يسند الفقير الذي يظل تفكيره بميزانية الخبز أولا ..؟!

هل تعلق الإنسانية العاقلة أو الراشدة ، أو المستشعرة للمسئولية ، ولخطورة التحدي كل صراعتها ، في سبيل التصدي للفيروس الذي ينال من الغفير والوزير والغني والفقير ..؟!!

هل ينحي الرأسماليون مصالحهم الاقتصادية جانبا ، ويقدموا المصلحة العليا للإنسانية

أجمع  ، بوضع استراتيجية دولية للإحاطة بالوباء ، وتقليل عدد الضحايا ، وتقليص رقعة الآلام ..؟؟

ثم من حقنا وفي سياق كل ما سبق  ، وأمام نازلة الوباء وجائحته وفاشيته أن نتساءل عن مصائر مئات الألوف من البشر المكدسين في أعماق الزنازين ، أو ملايين البشر من اللاجئين ونزلاء الخيام والمشردين ؛ ليس في سورية وحدها بل في كل جنبات الأرض..!!

وإذا كنا ننادي بمجتمع إنساني موحد ، وبمفهوم للعولمة إنساني وحضاري واقتصادي ؛ فهل ننادي باستراتيجية معولمة في مواجهة الفيروس القاتل الخطير ؟!

وإذا كان نتحدث بهذه اللغة المستشرفة في فضاء إنساني مفتوح ، أليس من  باب أولى أن نطالب بمجتمعات محلية ، على كل خطوط الطول والعرض ، تبادر لوضع استراتيجياتها لمواجهة التحدي الأعمى الخطير  ..

بكل الجدية والمسئولية والالتزام سنظل نذكر بمصائر ملايين البشر المنسيين يقضون أيامهم الصعبة بين فرث ودم ....

ودائما يجب أن نكون كبشر  عقلاء قادرين على التمييز بين المبادرات والصفقات !! وعلى التمييز بين سياق المبادرة والصفقة .

وحين نقلق ونحن متكئون على أرائكنا ، قد اتخذنا كل احتياطتنا للوقاية من المستهدف الخطير ، لا يمكن أن ننسى إنسانا في زنزانة ، أو إنسان ما زال يتوضأ بالتراب !!

الإنسانية جمعاء ، والمجتمع الدولي بكل مؤسساته ؛ مسئول عن مصير ملايين البشر المنسيين من معتقلين ومشردين ولاجئين تحت الخيام ..

وفي السجون والمعتقلات وتحت الخيام نساء كريمات

و رجال كرام ...


حمال الأسية :

مشكلة الكثير من الناس هذه الأيام ان الخوف حاصرهم في بيوتهم . وعلى الرغم من أنهم تمونوا  من قبل ، تنتهي بعض حاجاتهم اليوم فلا يجدون فرصة لمزيد من التموين ..

المشكلة الأكبر لأناس أكثر لم يجدوا مالا لتموين ، وانقطع عنهم ما كانوا به يكتفون .

عمال المياومة من أصحاب الرزق الكفاف كيف حالهم . قوم إن عملوا عادوا الى البيتدبالرقاقتين

هل قرأت حديث الرقاقتين من وحي القلم .

وقول ابن مسكين : لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة . ونداء المنادي يوم الدين : لقد نجا ...

لا أدعوك إلى حل مشكلات العالم . ولكن تفقد مما يليك يتيما ذَا مقربة او مسكينا ذَا متربة أو جارا يحسبه ذو الغنى غنيا من التعفف .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 868