كوفيد 19".. لماذا تنتشر نظريات المؤامرة؟

ما إن تحوّل فيروس كورونا أو ما يعرف باسم "كوفيد-19" إلى وباء عالمي، حتى تسارعت وتيرة انتشار نظريات المؤامرة بشكل غير مسبوق حول العالم. حذت هذه النظريات حذو الفيروس، فلم تعترف بالحدود ولم تقف عندها. بعض هذه النظريات أخذ بُعداً عالمياً والبعض الآخر كان وليد توليفة محلية.

ظاهرة عابرة للدول

استعان بعض المنظّرين لنظرية المؤامرة بالكتب والأفلام والروايات ليُثبتوا وجود المؤامرة المتخيّلة، فيما لجأ البعض الآخر إلى تأليف قصص غير موجودة أو تقديم تفسير ـ خاطئ ـ لوثائق موجودة ليؤكّد من خلالها أنّ انتشار الفيروس لم يكن محض صدفة وإنما أمرٌ دُبّر له بليل.

لم تقتصر هذه الظواهر على دولة محدّدة أو على شعب بعينه، وهو ما يعطي المسألة بُعداً أكبر وأوسع من الطابع المحليّ، لكن هناك شعوب أكثر تأثّراً بنظرية المؤامرة لعوامل مختلفة، قد يكون من بينها تاريخ هذه الشعوب أو لكونها وقعت ضحية مؤامرات سياسية أو لإيمانها بالخرافة أو لارتفاع نسبة الجهل والأمّية فيها، أو لعوامل أخرى ليست محلّ نقاشٍ الآن.

بغض النظر عن هذه الأسباب العامّة، هناك عوامل مشتركة بين الجميع تساعد على انتشار نظريات المؤامرة اليوم كالنار في الهشيم. لعل من أبرز هذه العوامل على الإطلاق عدم توافر معلومات كافية أو قاطعة عن العدو الذي من المفترض للناس أن تواجهه، لاسيما في ما يتعلق بالطريقة التي جاء فيها وكيفية تحوّله من فيروس ينتقل من حيوان إلى إنسان إلى فيروس ينتقل من شخص إلى شخص آخر.

غياب هذه المعلومات بالتحديد، حيث ظهر الفيروس لأوّل مرّة في الصين معطوفاً على بعض الأكاذيب التي روجتها بكّين، وغياب الشفافية لدى عدد كبير من الدول، وتسيّد أناس غير مختصين في المواضيع التي يتمّ الحديث فيها أو مناقشتها للمشهد العالم، كل ذلك أدّى إلى خلق بيئة مناسبة تماماً لنشوء وتكاثر نظريات المؤامرة. وفي ظل توافر وسائل التواصل الاجتماعي ومع ازدياد أعداد البشر الذين فُرِضَ الحجر أو العزل عليهم، انتشرت هذه النظريات بشكل سريع.

وبالرغم من أنّ بعض الخبراء يؤكّدون أنّ الاستماع إلى نظريات المؤامرة قد يؤثر سلباً في نفسية الإنسان، إلا أنّ كثيرين يستمرّون في تدويرها إمّا دون وعي ورغبة منهم في مشاطرة الشعور بالخوف مع الآخرين، وإمّا بسبب انتشار الجهل لدى فئات واسعة من المجتمع، وإمّا بسبب الرغبة في التأثير على التصوّرات لدى العامّة. الحالة الأخيرة بالتحديد تعدّ الأخطر لأنّ استعمالها قد لا يقتصر على الأفراد فقط، وإنما الجماعات والمنظّمات والدول أيضاً.

أنظمة مضلّلة

الصين وروسيا وإيران نماذج عن أنظمة استخدمت التضليل ونظريات المؤامرة والمعلومات الكاذبة لتضليل الرأي العام وخدمة أجندة سياسية. روسيا تملك الخبرة اللازمة والصين تمتلك الموارد وإيران تمتلك أيديولوجيا دينية ممزوجة بالأساطير والروايات الموضوعة. اليوم كل دولة من هذه الدول تستثمر في ترويج التضليل ونظريات المؤامرة للدفع بمصالحها قُدماً إلى الأمام.

بالنسبة إلى روسيا، فإن لديها مصلحة في بث الخوف ونشر حالة الهلع في أوروبا للتشكيك في جدوى بقاء الاتحاد الأوروبي ونجاعة فكرة الوحدة. ضرب هذه المفاهيم يصبّ مباشرة في خانة خدمة المصالح الروسية وتقوية اليمين المتطرف في أوروبا وصعود الأفكار القوميّة. بهذا المعنى، فإنّ لنظرية المؤامرة في هذه الحالة أبعاد جيو-سياسيّة سيكون لها انعكاسات على أرض الواقع وليس فقط على التصوّرات والمفاهيم.

الصين بدورها تنشط في بث نظرية مفادها أنّ الفيروس أمريكي المنشأ وقد تمّ استقدامه إلى الصين قبل فترة وجيزة من انتشاره في مدينة ووهان. تنخرط مؤسسات رسمية صينية إلى جانب المؤسسات الإعلامية في الترويج لهذه النظرية وذلك لحرف الأنظار عن سياسة الكذب والخداع التي اتبعتها في بداية الأزمة، ولكي ينسى الناس كيف احتجزت وعذّبت وتسببت بمقتل من حاول من الأطباء الصينيين تحذير العالم من هذا الفيروس وتداعياته. بكّين تحاول أيضاً أن تلقي باللوم على الآخرين كي لا يطالبوها بما سيتسبب به هذه الفيروس من تكاليف حول العالم.

إيران بدورها فضّلت منذ البداية استخدام نظرية المؤامرة لتحميلها مسؤولية سياساتها الخاطئة وقراراتها الكارثية التي أدّت إلى انتشار الفيروس بشكل كبير بين الإيرانيين وتصديره إلى حوالي 19 دولة أخرى في الوقت الذي كان بإمكانها فيه تفادي حصول ذلك. المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم المرشد الأعلى خامنئي حاولوا إثارة المشاعر القومية لدى الإيرانيين من خلال الزعم أنّ الفيروس مصمّم لاستهداف جينات الإيرانيين وأنّه يدخل في باب الحرب البيولوجية التي تشنّها واشنطن ضد الشعب الإيراني.

ليس هذا فقط، بل قام النظام الإيراني برفض بعض المساعدات التي تمّ تقديمها للشعب وبتوظيف نظرية المؤامرة للمطالبة برفع العقوبات في الوقت الذي لا يزال ينشط فيه بشكل كبير في أعماله التخريبية في سوريا والعراق ولبنان.

خلاصة القول، أن مواجهة نظريات المؤامرة يجب أن تتم من خلال الاعتماد على الحقائق والمصادر المعتبرة ومن خلال شفافية أكبر. وكما أن على الدولة مسؤوليات، فإن على الفرد كذلك مسؤولية عدم الانجراف وراء تلك النظريات وإمعان العقل فيها. الوباء حقيقة، وتجاهل ذلك سيعقّد عملية مواجهته.

وسوم: العدد 870