الغرب والإسلام بعد أزمة كورونا

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

 لا تخلو الحياة من مشاكل وأزمات، ولا أتحدث عن تلك الأزمات الاعتيادية التي تمر بها فما تتركه من أثر لا يتعدى وقته ومكانه.

إنما أتحدث عن تلك الأزمات التي يترتب عليها تغيير حقيقي في البناء الاجتماعي والإدراكي للشعوب ونظمها.

والتاريخ يحدثنا أن الأزمات ذات التأثير العام التي تغير الخريطة الإنسانية نوعان: الحروب العالمية، والأوبئة العامة ( الجوائح ) (١)

وما نعرفه من التاريخ أنه لم يمر بالوجود البشري مثل هذا البلاء العام الذي استطاع أن يلقي جرانَه على العالم بأجمعه، حتى تركه مشلولا غير قادر على الحركة أو حتى مجرد الإشارة، نسأل الله تعالى أن يرفع الشر والضر والبلاء عن أهل الأرض جميعًا

ومن عادة المسلمين في الغرب حين حدوث أزمات أن يخرجوا للتنظير بأن هذه الأزمات سبيل لتنبيه الناس إلى الإسلام ودخولهم في دين الله أفواجاً.

وما هي إلا لحظات حتى تمتلئ صفحات الجرائد العربية بمئات المقالات التي تحاول أن ترسم المجتمع الغربي وكأنه اعتنق الإسلام بقضِّه وقضيضه، ولست أرى سببًا واضحًا لذلك وإن كُنتُ لا أعدم تفسيرًا وراء نشر هذه الدعاوى والتي أزعم مباعدتها للواقع والحقيقة.

ومن ذلك هوس الإعلام العربي في فبركة الأخبار التي تُظهر انكباب المجتمع الغربي على إعلان الإسلام كمنقذ، أو ربما كبديل لتوجهاتهم، وهذا إن صحّ الوصف: ليس إلا من باب المراهقة الفكرية التي ينقصها قراءة الواقع قراءة جيدة.

ومما آخذه على بعض المشتغلين بالدعوة أنهم يزكون مثل هذه الممارسات الصبيانية، والتي تصب حتمًا في غير مصلحة الدين.

في البداية دعنا نفرق بين الإسلام كدين أكمله الله تعالى وأتمه، وبين المسلمين كممارسة ومظهر لذلك الدين، فهناك بون كبير وبعد شاسع بين الأمرين، وربما يمكنني الزعم وأنا مستريح الضمير أن كبار الشخصيات التي اعتنقت الإسلام كان نتيجة القراءة والبحث والاطلاع المباشر للقرآن ومصادره، على عكس ما كان يحصل في عصور الإسلام الأولى، حيث كان الناس يعتنقون الإسلام لصحة وسلامة ممارسة المسلمين لدينهم، والفرق في الحالتين أن أعداد المقبلين على الدين نتيجة البحث والدراسة قليل جدا، أما إقبال الناس على الدين نتيجة وجود المثال الحي بينهم يصح وصفه بأنهم أفواج.

ثانيا: نجد للأسف أن غالب الخطاب العربي عموما والإسلامي خصوصًا خطابا شامتاً، سواء في ذلك التعليقات أو ما ينشر من فيديوهات عبر وسائل التواصل، وهو ما يصل للشارع الغربي مباشراً أو غير مباشر، ويجعل هناك هوة نفسية وثلمة من الصعب أن تلتئم.

ثالثًا: عموم الغرب الأوروبي قطع العلاقة بينه وبين الدين عموماً، ليس الدين الإسلامي فحسب بل كل الديانات، حتى هذا الذي لا يكلفه أكثر من بضع ممارسات رمزية في مناسبات محدودة.

فإن الجسد إذا أُغرق في الشهوة والملذات لم يبقَ في واعيته الإنسانية فسحة لعمل الروح، ولعل ذلك من إسرار الخطاب النبوي لنبي الله لوط عليه السلام أنه لم يبدأ بما ابتدأه به الأنبياء من الأمر بعبادة الله تعالى، بل كان الخطاب موجها وبطريقة مباشرة إلى التخلي بداية عن الفاحشة والانتشال من وهدة الملذات.

رابعًا: انتظار الغرب أن يتخلى عن تراثه وفكره وثقافته عموما لصالح الدين الإسلامي أمر في غاية التعقيد، فالدين الإسلامي جملة من التكاليف التي تقيد صاحبها في كل مناحي الحياة، والغرب اليوم قد تربى على التحرر في كثير من شئون الحياة وهو ما يجعل العقل الغربي رافضًا لجملة التكاليف الدينية، إلا إذا وجد مثالا ماديا يعجزه ويتفوق عليه، وهذا ما يعجز المسلمون للأسف عن تحقيقه في القريب العاجل.

ومع ذلك يظلّ الاحتمال قائما، وتغيير قواعد أو سنن العلو والهبوط غير مدركة للعقل البشري بسهولة ويسر، يعني لا يمكننا التعامل معها ببساطة كما نتعامل مع معادلة رياضية، وننتظر منها حلًا سريعًا.

فنحن لسنا أمام تجربة معملية آنية النتائج، وإنما أمام عمل منهج في أمة، قد يتحقق في بضع سنن وقد يتأخر بضع عقود، ولكن في النهاية نحن نملك المنهج والمادة الخام من العقل والوجدان البشري الذي يمكن أن يسرع بتحقيق النتائج المرادة بفضل الله تعالى أسرع مما نتوقع.

ويبقى الرجاء الذي نتوجه به إلى عموم المسلمين أن يهتموا بتفعيل الإسلام في حياتهم وأخلاقهم وتعاملهم قبل أن ينتظروا من مسلمي الغرب أن يقوموا به نيابة عنهم، إن تفاعل المسلمين مع دينهم وتراثهم الأخلاقي والإنساني هو الطريق الوحيد والأكثر أمانًا للرقي والتقدم والخروج من عنق الزجاجة، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله وبدخول الناس في دين الله أفواجًا.

اللهم ردنا إلى العمل الحسن بدينك رد ودود كريم

(١)- الجائحة، وجمعها جوائح (‪Pandemic)، وهي عبارة عن الوباء الذي ينتشر بين البشر متعديًا حدود الدول، وربما يتسع ليضم كافة أرجاء العالم. أما انتشار المرض الواسع بين الحيوانات يسمى جارفة.

وسوم: العدد 870