((لله الأمر من قبل ومن بعد )) جواب عن أسئلة الذين يتساءلون عن ماذا بعد الجائحة ؟

كثر السائلون عمّا بعد جائحة كورونا ، وكثر المجيبون  فهم طرائق قددا ، فمنهم الظان، ومنهم المخمن ،ومنهم المنجم الراجم بالغيب ، ومنهم المدعي اختصاص بمعرفة ما هو مغيب في المستقبل  ... إلى غير ذلك مما تزخر به  الموائد المستديرة المتلفزة ، و الفيديوهات، والتسجيلات الصوتية، والمقالات على المواقع الرقمية .

وتتعدد وتتنوع الأجوبة عمّا بعد الجائحة ، وهي كثيرة إلا أن الجواب الوحيد الغائب هو قول الله تعالى : (( لله الأمر من قبل ومن بعد ))  وهو أصح جواب على الإطلاق، من قال به صدق لأنه كلام الله عز وجل .

وسيقول كثيرون هذا جواب كلنا يعرفه، والحقيقة أن معرفة هذا الجواب تكون إما معرفة مصدق بالغيب أو معرفة غافل عنه .

هذه الآية الواردة في بداية سورة الروم بعد نزولها نبه بها الله عز وجل الناس جميعا في كل زمان و في كل مكان إلى أن صاحب الأمر والتدبير في الكون  من قبل  ومن بعد هو خالقه سبحانه وتعالى .

ودون أن نخوض في قصة هزيمة الروم أمام الفرس ، نشير إلى أن مشركي مكة فرحوا بانتصار الفرس لأنهم كانوا وثنيين ، بينما ساءت هزيمة الروم المسلمين وهم أهل كتاب . ولقد راهن أبو بكر الصديق رضي الله عنه  أبي بن خلف على أن الروم سينتصرون  على الفرس في بعض سنين ، وكان الله تعالى قد أوحى بذلك إلى  رسوله صلى الله عليه وسلم ،وحصل انتصار الروم على الفرس بعد سبع سنين من هزيمتهم .

وذكر العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير أنه  كان في انتصار الروم أدب عظيم  للمسلمين لكي لا يعللوا الحوادث بغير أسبابها وينتحلوا لها عللا توافق الأهواء كما كانت تفعله الدجاجلة من الكهان وأضرابهم ، كما ذكرأن المراد بالأمر هو أمر التقدير والتكوين ، أي أن الله قدر الغلب الأول للفرس والثاني للروم قبل أن يقعا .

هذا هو الاعتقاد الذي يلزم المؤمن حين يتعلق الأمر بالغيب ، فلا يخوض فيه بهواه كما بفعل البعض اليوم وهم يتحدثون عما سيكون عليه الوضع بعد الجائحة ، وعلمه  إنما هو عند الله وحده .

وسيقول البعض إن الأمر هنا لا يتعلق بالرجم بالغيب بل يتعلق بمجرد توقعات ينطلق من  يتوقعها  من معطيات موجودة في الواقع لا يمكن إنكارها . والجواب عن هذا القول هو لماذا لم تسعف هذه المعطيات في توقع  حدوث جائحة كورونا وما ترتب عنها من اكساح لكل أرجاء المعمور ، وما خلفت من ضحايا ، ومن خسائر مادية في اقتصاد العالم ... وغير ذلك مما  سيكون، وعلمه عند الله عز جل ؟

لقد كانت التوقعات المنطلقة من معطيات الواقع  تتوقع أمورا كثيرة ، ولكنها لم تتوقع حصول هذه الجائحة بهذا الشكل . ومن كان عاجزا عن توقع حصولها ، فهو أعجز عما سيترتب عنها، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وإذا ما وقع شيء  مما يتوقعه البشر بعد الجائحة ، فإن ذلك لا يعني أنهم كشفت لهم حجب الغيب الذي يستأثر بعلمه الله عز وجل  مصداقا لقوله سبحانه وتعالى  : (( عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ))

وهو الذي خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ((  قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء )) .

وانطلاقا من هذه القناعة يجدر بالمؤمنين ألا يخوضوا فيما سيكون والله تعالى يقول : ((  وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت )) . فإذا كانت النفس عاجزة عن معرفة كسب الغد وعن معرفة الأرض التي تموت فيها ، فهي أعجز من أن تعرف ما بعد غد لأن الأمر لله من قبل ومن بعد .

وسوم: العدد 872