سيناء مشكلة مصرية كبيرة

يحتدم الجدل الآن في الإعلام المصري حول سيناء بعد مقال كتبه من يسمي نفسه " نيوتن " في  " المصري اليوم " ، وطالب فيه بمنح سيناء استقلالية  إدارية ، وتعيين حاكم خاص بها لتنميتها وتطويرها . آراء كثيرة تتهمه بالخيانة الوطنية ، وآراء قليلة تدعو إلى العقلانية والهدوء في النظر إلى ما طالب به ، وحسبانه نوعا من الرأي . وأشير إشارة سريعة إلى أن نيوتن  حث قبل أسابيع إلى التطبيع مع إسرائيل للاستفادة مثلما قال من تقدمها التكنولوجي ، والمفارقة أن نيوتن هذا الذي يكتب تحت زاوية " وجدتها " التي هي صيحة نيوتن الإنجليزي عند اكتشافه نظرية الجاذبية لحظة سقوط التفاحة ؛ يريد الاعتماد تكنولوجيا على غيره بخلاف نيوتن الأصلي الذي يكشف حقائق الطبيعة وقوانينها بذاته . وجانبا من الجدل الحالي العابر حول سيناء ، نرى سيناء مشكلة مصرية كبيرة لها جذور تاريخية وامتدادات مستقبلية يريد أعداء مصر وأعداء العرب أن يوجهوها استراتيجيا لمصلحتهم وضرر مصر والعرب ، ونقصد إسرائيل والغرب ومن يؤازرهما من العرب . تاريخيا ، كان حفر قناة السويس وسيلة لفصل سيناء عن مصر ، والفرنسيون من خلال مهندسهم ديليسبس كانوا وراء هذا المشروع ، ونابليون بونابرت كان من أوائل من دعوا إلى وطن لليهود في فلسطين ، وبين دعوته ومشروع القناة صلة . وتاريخيا أيضا نظر في إقامة الدولة اليهودية في سيناء ، وصرف أصحاب مشروع هذه الدولة النظرمؤقتا  عن سيناء لفقرها وقحولها ( بمعايير ذلك الزمان )  مؤثرين البدء بفلسطين الخصبة ، ثم الاتجاه بعد ذلك إلى سيناء . وكل التطورات التي تلت سارت في هذا المسار . في حرب 1948 احتل الإسرائيليون جزءا من سيناء ، واضطروا للانسحاب منه بضغط وتهديد من بريطانيا ، وفي حرب 1956 احتلوا كل سيناء ، وحدث نفس الشيء في حرب 1967 ، وأقاموا فيها مستوطنات ومدينة مزدهرة هي مدينة ياميت التي جلبوا لها مستوطنين من الولايات المتحدة ، وعند اكتمال انسحابهم من سيناء في مايو 1982 رفضوا عرضا مصريا بشرائها ، ونقلوا منها ما نقلوه ، وخربوا ما خربوه . وحين رفض المستوطنون المغادرة وعدهم بيجن رئيس الوزراء بأن العودة إلى سيناء قادمة ، وأن الانسحاب منها مؤقت . والمعروف أن معاهدة كامب ديفيد قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق يتحدد وفقها التواجد العسكري المصري ، وبالتالي تتحدد قدرة مصر على حمايتها ، وأبعد من هذا تتحدد قدرتها على تنميتها وزيادة الاستقرار البشري فيها ، وهو ضمانة أمان وحماية تفوق الضمانة العسكرية . وهنا نردد بعض تلميحات إلى أن في معاهدة كامب ديفيد ملاحق سرية تمنع مصر من التنمية والتعمير قي سيناء ، وربما مما يؤكد صحة هذه التلميحات ما حدث في ثمانينات القرن الفائت في مؤتمر سياحي دولي في أوروبا . في ذلك المؤتمر تحدث مندوب مصر عن خطط مصرية لإقامة بنية سياحية وعمرانية في سيناء ، فوقف المندوب الإسرائيلي وهدده بأن إسرائيل ستقصف هذه البنى .

وفي المجمل : السيادة المصرية في سيتاء منقوصة بحكم نصوص معاهدة كامب ديفيد ، ومن تجليات نقصانها أن الإسرائيليين يزورون طابا وشرم الشيخ دون تأشيرة مصرية ، وهو حق لا يتمتع المواطنون المصريون  بما يعادله في زيارة إسرائيل . والمشكلة ليست في الأعداء وحدهم . المشكلة فينا . سيناء دائما مهملة مصريا ، وهذا الإهمال ، إضافة إلى نوايا الأعداء وأولهم إسرائيل ، أوصل سيناء إلى حالتها القائمة . ولا بد من إعادة نظر مصرية شاملة في علاقتها  بالوطن الأم توثق  هذه العلاقة ، وتصنع منها امتدادا للعمران والكثافة البشرية في سائره . لا نفع ملموسا من عبارات " سيناء خط أحمر " ، و "سيناء البوابة الشرقية للدفاع عن مصر " و " بالأحضان يا سيناء " . العمل الجاد المخلص الذي يصنع الحقائق المادية هو المطلوب . ولنستعد سؤال كيسنجر وزير خارجية أميركا الأسبق لمحمد حسنين هيكل : " متى كانت سيناء أرضا مصرية ؟! " . سؤال يختصر نظرة أعدائنا إلى سيناء وفلسطين وكثير من الأرض العربية ، وهم يتصرفون بتوجيه من هذه النظرة .  

وسوم: العدد 873