الحملة الإعلامية الروسية ضد الأسد: ثلاث نظريات مُفسّرة

نشرت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية التابعة ل فغيني بريغوجين المشهور بلقب "طبّاخ الكريملن" الأسبوع الماضي سلسلة من التقارير التي تهاجم الأسد وحكومته معتبرةً أنّه ديكتاتور ضعيف غير قادر على محاربة الفساد المستشري في حكومته وأنّ مسؤولي النظام السوري يستغلون الدعم الروسي لمصالحهم الشخصية، ممّا يعقّد مشكلات سوريا الاقتصادية.

التقارير ركزت على أنّ ارتفاع مستوى الفساد لدى الطبقة العليا من المسؤولين يعرقل الشراكة بين روسيا وسوريا. الجانب الروسي كشف أيضاً أنّ نظام الأسد يستخدم معلومات مزيّفة عن سيطرة إرهابيين مفترضين على بعض المناطق لتبرير سوء إدارته، وأنّ تصدير الكهرباء إلى لبنان يتم مقابل أموال طائلة تذهب إلى جيب رئيس الوزراء وأنّ مكاسب الصفقات المالية يتم تهريبها إلى الخارج.

وذكرت التقارير الروسية أيضاً أنّ مؤسسة روسية أجرت في منتصف إبريل الماضي استطلاعاً للرأي لمعرفة مدى شعبية الأسد في سوريا. شمل الاستطلاع الذي تمّ عبر الهاتف أكثر من ١٤٠٠ سوري وتبيّن من خلال النتائج أنّ شعبيّة الأسد تتراجع بشكل كبير جرّاء تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشيّة في البلاد، وأنّ ثلثي السوريين لن يصوتوا له في الانتخابات القادمة ٢٠٢١. استشهد أحد التقارير بمقولة الأسد "الفساد أسوأ من الإرهاب" ليؤكّد أنّه سيتعيّن على روسيا هزيمة فساد النظام في سوريا كما هزمت الإرهاب.

لم يقتصر الأمر على الوكالة المذكورة أعلاه، إذ انتقدت منابر أخرى الأسد ولوحظ أنّ كل ما نُشر عنه فيها ينطوي على نقدٍ لاذع وتحريض على شخصه. وبالرغم من أنّ الوكالة المذكورة أعلاه كانت قد رفعت التقارير من موقعها مشيرة إلى أنّه قد تمّ قرصنته، إلاّ أنّ الرسالة كانت قد وصلت بالفعل. لماذا الآن وما هو الهدف من انتقاد موسكو للأسد بشكل لاذع؟ هناك ثلاث نظريات على الأرجح.

تشير النظرية الأولى إلى أنّ ما يجري له علاقة بالأعباء الماليّة المتراكمة على روسيا نتيجة تحمّلها فاتورة دعم نظام الأسد خلال السنوات الماضية، وبرغبتها في تحصيل هذه الفاتورة الآن لا سيما مع تراجع أسعار النفط واستمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وبالرغم من أنّ موسكو كانت قد سيطرت على العديد من القطاعات الاقتصادية الحيويّة في سوريا وأرغمت النظام على توقيع اتفاقيات مع جهات ومؤسسات روسية تعطي بموجبها امتيازات اقتصادية للأخيرة مقابل الدعم المقدّم للديكتاتور الأسد، إلا أنّ هذه الخطوات لم تُرض روسيا على ما يبدو لأنّه لم يتمخّض عنها توليد كميات كبيرة من الأموال.

هناك من يربط هذه النظرية أيضاً بصراع داخلي بين أقطاب النظام السوري لا سيما محور الأسد- مخلوف

في هذا السياق، تأتي هذه الحملة للضغط على الأسد لتقديم الأموال اللازمة لموسكو. هناك من يربط هذه النظرية أيضاً بصراع داخلي بين أقطاب النظام السوري لا سيما محور الأسد- مخلوف، إذ لفت البعض إلى أنّ مخلوف قد يكون حرّض الروس على الأسد بعد أن كان آخرون قد أشاروا سابقاً إلى أنّ الأسد نبذ مخلوف بسبب رفض الأخير دفع مبالغ مالية لسداد مستحقّات روسيا.

النظرية الثانية تشير الى أنّ انتقاد الأسد يأتي في وقت ذكرت فيه العديد من التقارير أنّ النظام السوري يحاول خرق الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه في شهر مارس الماضي بين موسكو وأنقرة بخصوص إدلب، لا بل تخريبه. بعض التقارير ذكرت على سبيل المثال أنّ الإمارات حاولت تحريض الأسد على خرق الاتفاق للإضرار بتركيا مقابل وعود بمليارات الدولارات. الاتفاق الروسي - التركي أهان إيران أيضاً لأنّه استبعدها تماماً ولم يأخذها بعين الاعتبار. النظام الإيراني قام بتجنيد ٩ آلاف مقاتل شيعي في سوريا بعد الاتفاق المذكور ويحاول أيضاً خلخلته من خلال تعزيز تمركزه في محيط إدلب ومحاولة حض الأسد على استكمال الحملة بحجّة مكافحة الإرهابيين.

من هذا المنطلق، هناك من يرى أنّ الانتقاد الروسي للأسد يأتي ردّاً على مثل هذه المحاولات لكن دون الإشارة المباشرة إليه وذلك من خلال اللجوء إلى بوابة العلاقات الاقتصادية، والعلاقات الاقتصادية الروسية - السورية، والإشارة إلى حجم الفساد المستشري في النظام السوري كورقة ضغط على الأسد شخصياً وأيضاً على أركان النظام بشكل عام لإبقاء الوضع تحت السيطرة.

النظرية الثالثة مرتبطة إلى حد ما بالنظرية الأولى والثانية على حدٍ سواء، وهي تقول إنّ انتقاد روسيا للأسد في هذا التوقيت يأتي ضمن التنافس القائم مع إيران في سوريا للتأثير عليه شخصياً ولبسط النفوذ السياسي والاقتصادي في البلاد وداخل مؤسسات الدولة لا سيما العسكرية والأمنية منها. يكتسي مثل هذا الجهد أهمّية مع تزايد المحاولات الإيرانية للتأثير بشكل واضح على موقف الأسد بشكل يتعارض مع المصالح الروسية السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية في سوريا. ولأنّ العنصر الاقتصادي هو الأقل حساسيّة بين العناصر الأخرى، فقد تمّ ربط الانتقادات الروسية بهذا الجانب علماً أنّ الهدف أوسع من البعد الاقتصادي.

أيّاَ يكن التفسير، فالمؤكد أنّ الصراع الجاري الآن داخل نظام الأسد وبين النظام وداعميه يُظهر تآكلاً غير مسبوق على كل المستويات، وتناقضاً بات من الصعب جداً إخفاؤه فضلاً عن إيقافه، فالضغوط تزداد على الأسد من قبل داعميه ليجرّه كلٌ منهم إلى الخانة التي تناسب مصالحه. وفي حين تزداد الأعباء الداخلية، يزداد في المقابل التلاوم على إيصال الوضع إلى هذا الحد، ولعلّ المقطع المصوّر النادر لرامي مخلوف يُعدّ عنصراً كاشفاً في هذا المجال وله ما بعده.

وسوم: العدد 875