مصداقية الإعلام المحايد رهينة بوقوفه على مسافة واحدة من القضايا المختلف في شأنها بين أطراف ذات وجهات نظر مختلفة

من المعلوم أن وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والورقية والرقمية في جميع أقطار المعمور لها توجهاتها وقناعاعتها  الخاصة به ، وهي غالبا ما تصرح بها ، وقد تلمح إليها تلميحا أو تفهم من خلال مؤشرات ، وبذلك يكون لها تموقع سواء كان فكريا أو إيديولوجيا أو سياسيا أو حزبيا ...

 ومع حصول هذا التموقع يصير من الصعب الحديث عن الحياد، وهو عدم الميل إلى طرف من الأطراف التي يكون بينها خلاف  في وجهات النظر قد يصل إلى حد الخصام . والحياد الإعلامي رهين بالوقوف على مسافة واحدة من الأطراف المختلفة أو المتخاصمة ، وغالبا ما يتحقق به الإنصاف بينها من خلال ذكر ما لها وما عليها بكل تجرد وموضوعية كما هو الشأن بالنسبة للقضاء  المستقل والنزيه والملتزم بالعدالة والإنصاف بعيدا عن تدخل الأهواء أو الخضوع للضغوط  مهما كانت أو الابتزاز أو المساومة أو المداهنة أو المحاباة .

وليس من السهل أن يتحقق الحياد لأن الأطراف المختلفة أو المتخاصمة لا ترضى في الغالب بهذا الحياد، لأنها ترغب دائما في من يؤيد مواقفها ، وفي المقابل ترغب عمن لا يحقق رغبتها .

ومعلوم أنه على قدر التزام الإعلام بالحياد يكون نصيبه من المصداقية التي تكسبه الاحترام . وقد تكون بعض وسائل الإعلام ذات مؤهلات مادية ضخمة ولكنها في المقابل تكون ذات رصيد محدود من المصداقية ، وعكس ذلك قد يكون بعضها ذات مؤهلات مادية متواضعة، ولكن رصيدها من المصداقية يكون أكبر وأهم  .

ومما يقاس به حياد وسائل الإعلام أن يقدم الرأي والرأي المخالف ، وهذا ما يحاول بعضها التصريح  باللالتزام به قدر الإمكان حيث تفسح المجال لكل ذي رأي أو قناعة للتعبيرعنهما دون أن يصدر عنها ما يوحي تصريحا أو تلميحا بشكل من أشكال الانحياز .وغالبا ما يميل الرأي العام إلى مثل هذه الوسائل الإعلامية ويعبر عن احترامها لأنها تمكنه من الوصول إلى الحقيقة التي لا تنكشف إلا  من خلال معرفة مختلف الآراء والمواقف ، علما بأن الاختلاف بين الأطراف المختلفة هو أفضل وسيلة للوصول إلى الحقيقة التي هي ضالة الرأي العام .

ولنا في الذكر الحكيم ما يؤيد هذا الأمر في قوله تعالى : (( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )) ، ومع أن حقيقة هذه الآية  هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على هدى وأن الكفار والمشركين  كانوا في ضلال، فإن الله عز وجل أمر رسوله اعتماد هذه الصيغة تحديا لخصومه لمقارعتهم وجرهم إلى الإقرار بضلالهم مقابل الاعتراف له بهداه . وكل من يقارع خصما يستعمل هذه الصيغة . والإعلام حين يقدم الرأي والرأي المخالف يكون  حتما شعاره هو هذه الاية الكريمة.  ولنا في كتاب الله عز وجل عبرة حيث وردت فيه آراء ووجهات نظر الكافرين والمشركين دون أن يخفي منها شيء على ما كانت عليه من ضلال مبين .

ومن الشعارات التي ترفعها وسائل الإعلام شعار : "ما تنشره لا يعبر عن موقفها أو وجهة نظرها بل يعبر عن موقف أو وجهة نظر أصحابها " وهذا يدل على التصريح بالتزام الحياد، ولكن كثيرا ما لا يحترم هذا الشعار مع شديد الأسف إما بتبني تلك الوسائل مواقف أو وجهات نظر دون أخرى أو برفض تقديم بعضها مقابل تقديم البعض الآخر ، وهو ما يفقدها الحياد ، ويؤثر على مصداقيتها .

ونظرا لصعوبة التزام وسائل الإعلام بالحياد ، فإن ذلك يضطر من يتابعونها إلى التنقل من وسيلة إلى أخرى بحثا عن الحقيقة التي يحول دون جلائها غياب الحياد بسبب الميل والانحياز إما الجلي المعلوم الخلفية  أو الخفي  المجهول الخلفية  .

ولن يبلغ الإعلام مبتغاه من المصداقية إلا  إذا التزم بالحياد والتجرد والموضوعية على ما فيه ذلك من متاعب.

وسوم: العدد 880