قانون قيصر وأثره على المشهد السياسي في سوريا

د. ناجي خليفه الدهان

كلما تحدّث بعض السوريين عن سقوط النظام المجرم، يردّ عليهم عشرات من السوريين بالسخرية والتهكم، رغم أن السوريين يحلمون بإسقاط هذا النظام منذ بداية الثورة، ولكن أحلامهم كانت كأضغاث الأحلام برأي المستعجلين في التخلص من النظام السوري!!!

 لكنه غاب عن بال الساخرين أن ضباع العالم لا يُسقطون الأنظمة اعتباطا، بل يطبخون مشاريعهم ومخططاتهم على نار هادئة خدمة لمصالحهم بعيدة المدى التي ترضي أطماعهم، ولا علاقة لها مطلقًا بتلبية طموحات المساكين من الشعوب كالسوريين وغيرهم.

ولغرض تسليط الضوء على الآثار المحتملة لقانون قيصر على مختلف الأطراف الفاعلة ابتداءً من النظام وحلفائه مرورًا بالمعارضة السورية، والوسائل التي يُتيحها عمليًا لتخفيف الآثار على المدنيين السوريين، وما هي الآفاق المحتملة للقانون من الناحية الديمغرافية، الاقتصادية والسياسية في سورية؟ لا بد من الإجابة عن بعض الأسئلة لتوضيح آثار قانون قيصر.

فهل يشكل قانون قيصر بداية النهاية لنظام الأسد؟

وهل قانون قيصر جريمة أميركيّة جديدة بحق الشعب السوري؟

هل قانون قيصر سيأخذ بطريقه حلفاء سوريا وفق مقدمتهم حزب الله؟

وهل قانون قيصر سيضع سوريا على الطريق العراقي؟

قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية.

في نهاية تموز/يوليو 2014 نظمت لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الأمريكي أول شهادة استماع لمصوّر منشق عن نظام الأسد، تحدث فيها عما رآه في سجون الأسد من انتهاكات وتعذيب... وقدّم المصور -الذي لُقب بقيصر- ثلاثين صورة كعينة من أصل 55 ألفاً يمتلكها لمعتقلين قتلوا داخل سجون النظام (1). ومرّ القانون بعوائق كبيرة أبرزها معارضة إدارة الرئيس أوباما آنذاك، فضلا عن تعارض المصالح بين الديمقراطيين والجمهوريين، وقد ساهمت المدّة الطويلة التي أخذها القانون لإقراره بإدخال تعديلات تجعل من القانون مرنًا وذو فاعلية أعلى، ليقرّ في النهاية في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019، ويصبح قانونًا معتمدًا رسميًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

استند مشروع القانون على حقّ الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة الوسائل الاقتصادية، والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها القاتلة ضدّ الشعب السوري ودعم الانتقال إلى حكومة تحترم القوانين (2).

وحمل القانون رسميًا اسم "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، لذا فإن القانون العقابي للنظام وداعميه استند إلى ضرورة تقديم المساندة والدعم للمدنيين، وهذين الجزئين هما الأساس الذي تم بناء القانون عليه، أي العقاب والمساندة. ودخل القانون حيز التنفيذ الأربعاء الموافق 17/6 /2020، وتراهن واشنطن على القانون الجديد لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

يفرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية، على أركان نظام بشار الأسد، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر، التي يمكن ان يتعرض لها نظام الأسد..

أثر قانون قيصر على النظام السوري والفاعلين المحليين

1. النظام السوري

النظام السوري هو المستهدف الرئيسي من القانون، وبالتالي فإن الآثار عليه سوف تكون هي الأقسى. رغم أن العقوبات السابقة لم تكن مؤثرة بشكل فعلي على النظام، وكانت ذات أهداف دعائية أكثر مما هي آليات حقيقية لمعاقبة النظام. ونستطيع أن نحدد أبرز الآثار المتوقعة لتطبيق قانون قيصر على النظام السوري بالنقاط الآتية:

• تحويل النظام السوري لمركز نقل عقوبات: يصبح النظام السوري بموجب قانون قيصر كحامل الفايروس القادر على نقل العدوى، فكل من يتعامل معه بالنقاط التي حددها القانون سيتم ادراجه في قائمة العقوبات، وهي نقطة مهمة سيكون لها أثر كبير في تضييق التعامل مع النظام السوري.

• زيادة عزلة النظام السوري: ففي الفترة السابقة شهدنا محاولات تقارب ودعم من الإمارات (3) وبعض التجار من الأردن (4) ولبنان، والعراق وغيرها من الدول، إلا أن هذا الأمر لم يعد ممكنًا في ظلّ قانون قيصر.

• منع إعادة الإعمار: عوّل نظام الأسد كثيراً على موضوع إعادة الإعمار، واتخذ خطوات تشريعية عديدة في هذا الجانب، أبرزها القانون رقم (10) الذي يُمكّن من خلاله مجالس المحافظات من أن تعد مخططات وتتملك حصصًا رسمية في أملاك المهجرين السوريين حتى لو لم يوافقوا على الأمر. وسيؤدّي القانون عمليًا إلى تعطيل مشروع إعادة الإعمار بالكامل إلى أن يتم تغيير النظام أو تعديل سلوكه بالكامل.

• تخفيض الموارد: بموجب القانون فإن نظام الأسد لن يتمكن من تحقيق موارد مالية عن طريق عمليات الاقتراض من أي مؤسسة نقدية أو من خلال تقديم مساعدات مباشرة له، فضلا عن الرقابة على مؤسسات النظام والتجار المرتبطين بنظام الأسد والداعمين له، وبالتالي سيُحرمون من عمليات التجارة والتوريد عبر الحدود.

• خلق تصدعات داخل النظام: فاحتمال خلق تصدعات داخل النظام السوري وارد، فالقانون يعطي دعما كبيرًا لكل من يوثّق انتهاكات النظام، وبالتالي فإن احتمالية خروج قيصر آخر وارد في هذه الحالة.

• منع الاستفادة من التقنيات في مجال الاتصالات والطاقة والتكنولوجيا المتطورة: وسيكون من غير الممكن أن يستفيد النظام من أي تقنيات أمريكية أو أوربية أو غيرها من المؤسسات المرموقة التي تخشى أن يتم وضعها في قوائم العقوبات الأمريكية، مما سيجعل فرصة في تطوير منظومة الاتصال الحالية خاصة في ظل الخلاف الحاصل في قطاع الاتصال.

2. الحلفاء الرئيسيون للنظام السوري

يستهدف القانون النظام وحلفاءه، ويشير للوجود الروسي في سورية بشكل صريح، وبالتالي فإن العقوبات ستطال المؤسسات والأفراد والميليشيات الروسية المتواجدة في سورية حاليًا، وأما إيران فأن العقوبات الجديدة في إطار قانون قيصر لن تردعها عن التعامل مع نظام الأسد - في حدود قدراتها - كون العقوبات موجودة بالأصل عليها بموجب قانون العقوبات الأمريكي الذي يتم تشديده كذلك بشكل دائم على مؤسسات وأفراد إيرانيين، وتتمثل حدود وطاقة إيران بدعم نظام الأسد في ظل قانون قيصر بنقطتين رئيسيتين، هما:

الأولى: إمكانات إيران الذاتية أي قدرتها على تقديم الدعم الاقتصادي والمالي المباشر لنظام الأسد، وستلجئ اليه سوريا عن طريق المرور في العراق من خلال المناطق الحدودية مع العراق المسيطر عليها من قبل الاكراد السوريين، وذلك لتوقف الدعم عن طريق لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية والحظر المفروض عليها.

الثانية: هي حجم الرقابة الأمريكية على العلاقة بين إيران والنظام، فالناقلات النفطية التي تمر من البحر تخضع لرقابة أمريكية، وهي لا تصل إلى وجهاتها إلا وفقًا للرغبة الأمريكية بإيقاف هذه الشحنات وكذلك وتستهدف الولايات المتحدة من وراء ذلك حرمان حزب الله من شبكته المتغلغلة في معظم دول العالم وقطع موارده المالية،

3. الانعكاسات على المعارضة السورية

حصلت المعارضة السورية على دفعة سياسية مهمة، فالضغط الذي سيُسببه القانون على النظام وحلفائه قد يزيد في أهميته عن الضغط الذي ترتب على تحالف دول غربية وإقليمية في السنوات الأولى للصراع. وستوفر المعطيات التي سيُولّدها القانون؛ فرصة لعمل المعارضة بصورة لم تكن متاحة في المشهد منذ سنوات، ومن شأنه أيضًا أن يحبط محاولات روسيا لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي مستدام.

وينبغي على المعارضة إن هي أرادت استغلال البيئة الجديدة التي يصنعها القانون أن تبدأ بتقديم خطاب متوازن موجّه للمدنيين في كل مناطق السيطرة، بحيث يُعيد هذا الخطاب تعريف دور النظام في تخريب الاقتصاد السوري وتسخير موارده لصالح الحرب ضد الشعب السوري، ودور الفساد في تعطيل الحياة الاقتصادية، والتأكيد على تجاهل النظام للأرواح والإنتاج، وتقديم مصالحه على أي مصالح أخرى.

كما ينبغي أن تعمل على انتهاز فرصة الأزمة التي يمرّ بها النظام لتقديم نموذج حكومة مقبول نسبيًا في الشمال السوري، بما يُشكل ملاذاً أمناً للمدنيين الفارين من فساد والنظام وأجهزته الأمنية.

يبدو أن تأثير قانون قيصر على مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد سيكون كبيراً، وسيغير شكل علاقة هذه المناطق بالنظام، وقد يطلق مبادرات للتحرر الاقتصادي من سيطرة النظام في دمشق، وقد يأتي أيضاً بأضرار كبيرة على هذه المناطق التي تعاني أصلاً من أوضاع متدهورة.

وثمة عوامل أخرى تصب في صالح المعارضة السورية، إن هي أحسنت توظيفها والإفادة منها، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد، والضربات التي يتلقاها المشروع الايراني في المنطقة، من خلال الثورات والانتفاضات ضده، في كل من العراق، ولبنان، واليمن، فضلا عن الحصار الأمريكي المشدد على طهران وموسكو.

الآفاق الاقتصادية والسياسية المتوقعة في ظلّ القانون

سيترك قانون قيصر آثاره على الاقتصاد السوري، وستنسحب تبعاته بالتالي على قضايا تتعلق بالسكان والمؤشرات الاقتصادية والعلاقات البينية بين المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الخارجة عن سلطته. ونستعرض بعضًا من الآثار المتوقعة للقانون على المشهد الاقتصادي والاجتماعي في سورية، منها:

1. مع ازدياد الوضع سوءًا، فإن جزءًا من السوريين في مناطق النظام بالدرجة الرئيسية سيفكرون بمغادرة البلاد عند أول فرصة سانحة، وربما بدأ بعضهم في البحث عن هذه الفرص فعلياً. ويتوقع أن تستمر موجات الهجرة الصامتة من داخل مناطق النظام نحو مناطق مختلفة، وربما يكون هناك توجه لمناطق المعارضة أكثر من التوجه لمناطق أخرى.

2. ولظروف تتعلق بضعف الأعمال وغلاء المعيشة في المدن وانعدام الخدمات الرئيسية، سيؤثر القانون بشكل جزئي ومتدرج على التركيبة الديمغرافية لجهة تعزيز شكل الهرم السكاني في كل من مناطق المعارضة والنظام، وسيشجّع النزوح نحو المناطق الريفية التي تُؤمّن اكتفاءً ذاتياً أكثر، وتعد أرخص كلفة.

3. إن هذا التشريع الجديد مهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أميركا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين يشاركون في ارتكاب جرائم أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة جرائمه.

ونتسأل ألم يكن بإمكان أمريكا وإسرائيل إسقاط النظام السوري على مدى التسع سنوات الماضية بعد أن فقد السيطرة في أوقات معينة على ثمانين بالمائة من الأراضي السورية، وبعد أن وصل الثوار إلى مشارف القصر الجمهوري؟

لكن أمريكا لم تفعل، بل ساعدت في إعادة مناطق كثيرة للنظام، تمامًا كما فعلت في العراق. وكلنا يعرف أن الروسي، والإيراني لم يكونا ليتدخلا لمساعدة الأسد لولا الضوء الأخضر الأمريكي، والإسرائيلي. لكن هل هذا يعني أن أمريكا تقف مع النظام السوري؟ بالطبع لا، بل هي تنفذ مخططًا سينتهي بسوريا والنظام على الطريق العراقية ربما أو الاحتواء وتغير النظام وفق مصالحها.

ولذلك هي بحاجة إلى تسع سنوات أو أكثر لتجويع الشعب، وتهجيره وإلحاق الدمار والخراب وتمزيق اللحمة الاجتماعية داخل الوطن، لإذلال الشعب السوري وتركيعه للقبول بما تفرضه إسرائيل من نمط الحكم الذي يؤمن لها أمنها وتمدّدها في نفوذ تتنازعه اليوم مع دولة فارس لابتلاع الأراضي العربية!

ما أشبه «قانون قيصر» الأمريكي بخصوص سوريا بالقوانين الأمريكية التي سنتها واشنطن لخنق العراق وحصاره وتجويع شعبه والتنكيل به ثم الانقضاض عليه عندما أصبح يتمنى الموت ولا يجده. ولا تنسوا الكتاب الأمريكي الشهير بعنوان «التنكيل بالعراق» للكاتب جيف سيمونز.

وسوف يتضح هل كانت الادارة الأمريكية تهدف من خلال قانون قيصر إلى جر نظام الأسد للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية؟ وفي هذا السياق فإن القانون يقتصر على التهديدات فحسب، بل ألقت أمام نظام الأسد بجزرة "مُقيدة" تشمل تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية، أم هل سينتهي السيناريو الأمريكي في سوريا إلى نفس السيناريو الذي انتهى في العراق؟!

أمريكا وبقية ضباع العالم لا تعمل من أجل طموحات الشعوب وأحلامهم، بل تعمل من أجل مصالحها ومخططاتها، وهي تنفذها في الوقت الذي يناسبها وليس في الوقت الذي يرضي خصومها.

الهوامش

 

1- Syrian Defector's Photos Could Trigger War-Crimes Charges, Wall Street Journal, 31/7/2014: https://on.wsj.com/2XYJGEU

2- 116th Congress 1st Session, US Congress, p2: https://bit.ly/2zwv0n3

3. ولي عهد أبو ظبي يتصل بالأسد، روسيا اليوم، 27/3/2020: https://bit.ly/2YsOXDM

4- وفد أردني في دمشق لبحث معيقات التجارة، تلفزيون المملكة الأردنية، 22/12/2020: https://bit.ly/2UX8GL5

 5. راجع طلب من دمشق لتزويدها بالنفط من قبل العراق، بغداد اليوم، 23/4/2019: https://bit.ly/3e237Co

وسوم: العدد 882