للمراهنين على المفاوضات

عدم إعلان نتنياهو عن ضمّ أجزاء من الضّفّة الغربيّة في أوّل تمّوز -يوليو- لا يعني أنّه تراجع عن ذلك، ولا يعني مطلقا أنّ اسرائيل معنيّة بحلّ سلميّ للصّراع، فالحلول الوسط ليست واردة عند الإجماع الصّهيونيّ، وأطماعهم التّوسّعيّة لا تقتصر على فلسطين التّاريخيّة التي يعتبرونها " أرض الميعاد، وأرض الآباء والأجداد"، بل تتعدّاها إلى أضعاف مساحة فلسطين، فالأردنّ بكامله وشمال السعودية وأجزاء من مصر وسوريا ولبنان والعراق جزء من أرض اسرائيل! والمشروع الصّهيوني طويل المدى، وهم ليسوا على عجلة من أمرهم في تطبيقه، لذا فإنّ اسرائيل هي الدّولة الوحيدة في العالم التي لا ينصّ دستورها على حدودها.

والحلم الصّهيوني لا يقتصر على الأرض فقط، بل يتعدّاها إلى الهيمنة على المنطقة العربيّة برمّتها، وعلى رأي بنيامين نتنياهو في كتابه الصّادر عام 1994 وترجم إلى العربيّة تحت عنوان "مكان تحت الشّمس" يقول:" إذا اجتمعت الإنتلجينسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة سيزدهر الشّرق الأوسط! ونتنياهو الذي يستحيل أن يتخلّى عن شبر واحد من "أرض اسرائيل التي وهبها الرّبّ لشعبه المختار" واستغلّ خطيئة أوسلو لتكثيف مصادرة الأراضي الفلسطينيّة في الضّفة الغربيّة وجوهرتها القدس واستيطانها لفرض حقائق ديموغرافيّة على الأرض، ليس الوحيد في القيادات الإسرائيليّة الذي لا يؤمن "بالسّلام مقابل الأرض"، فقد سبقه اسحاق شامير رئيس وزراء اسرائيل الأسبق عندما ضغط عليه جورج بوش الأب للمشاركة في مؤتمر مدريد في اكتوبر عام 1991 قال:" سنفاوض العرب عشر سنوات ولن نتنازل لهم عن شيء"، وها هو نتنياهو فاوض بعد أوسلو لربع قرن ولم يتنازل عن شيء.

وبما أنّ اسرائيل تشكّل حاملة طائرات وقاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في المنطقة، فإنّ أمريكا تدعمها بلا حدود في المجالات كافّة، لأنّها حامية للمصالح الأمريكيّة في المنطقة. وجاء الرّئيس الأمريكيّ ترامب ليكشف عن الوجه الحقيقي لأمريكا التي تمارس دور الشّرطي في العالم، فترامب المتصهين لا يتحلّى بالحنكة السّياسيّة التي يتحلى بها نتنياهو وغيره من قادة اسرائيل، لذا فقد تخلّى علانية عن القانون الدّولي، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وانسحب من منظّمات دوليّة، وألغى اتّفاقات دوليّة وقّعها سابقوه في دفاعه عن اسرائيل، والرّجل الذي يؤمن بحقّ القوّة ويشكّل فرعون العصر، يحسب نفسه وبلده بأنّهم المالكون للكرة الأرضيّة، لذا وبجرّة قلم وبوقاحة تخطّت كل الأعراف الدّبلوماسيّة، وقّع على الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسّيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة، وعلى ما أملاه عليه نتنياهو بما يسمّى "صفقة القرن"، بابتلاع الضّفّة الغربيّة. ويقوم بفرض عقوبات جائرة لا مبرّر له على دول مثل سوريا، ايران لبنان، وحتّى على دول عظمى مثل الصّين وروسيا.

وترامب الذي أعلن عمّا يسمّى صفقة القرن في 28 يناير هذا العام 2020، في محاولة منه لدعم نتنياهو في الانتخابات التشريعيّة الإسرائيليّة التي جرت في مارس الماضي، هو نفسه من طلب من نتنياهو بعدم الإعلان عن ضمّ أجواء واسعة من الضّفّة الغربيّة في هذا الوقت، وتأجيل ذلك شهرا أو شهرين، ليستعملها ترامب كدعاية له في انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة في نوفمبر القادم. وسيتبع ذلك انتخابات اسرائيليّة مبكّرة سيفوز حتما بها نتنياهو لريادته في تحقيق الحلم الصهيوني التّوسّعيّ. وما المراهنة على عدم فوز ترامب في انتخابات الرّئاسة القادمة إلا أحلام يقظة، ففرص ترامب في الإنتخابات الرّئاسيّة أكبر من بايدن منافسه الدّيموقراطي، الذي لا يتحلى بديناميكيّة تقنع النّاخب الأمريكيّ.

ومن المحزن أنّ غالبية الأنظمة العربيّة تحتمي بأمريكا بدلا من الإحتماء بشعوبها، ولا يدركون أنّ نهايتهم ستكون على يد أمريكا بعد استنفاذهم للمهمّات الموكلة إليهم.

وسوم: العدد 884