كيف يمكن جعل السلطة غير جاذبة للفاسدين؟ (خلاصة)

يقول بعض الفلاسفة، يمكنك تجنب فساد السلطة، فقط عندما لا تعتاد على السلطة والامتيازات التي تأتي معها، وتستخدم قوتك فقط لصالح الآخرين. ولكن مع الأسف، فإن هؤلاء الأشخاص المخلصين هم نادراً ما يتواجدون في هذا العالم. وكذلك نادراً ما يحققون السلطة أو الثروة لأنهم لا يستطيعون التنافس مع الأشخاص المتعطشين للسلطة والثروة.

غلين ديفيد برين Glen David Brin، وهو كاتب أمريكي معروف يقول؛ "لقد قيل إن السلطة تُفسد، ولكن في الحقيقة الأكثر صحة هو أن نقول السلطة تجذب الفاسدين. عادةً ما ينجذب العقلاء إلى أشياء أخرى غير القوة والسلطة"

لطالما شكلت السلطة نقطة جذب للفاسدين واختبار قاسي للمخلصين حيث يخضعون عند دخولها لانحرافات قوية تحت قوة امتيازاتها وضعف النفس البشرية بطبيعتها. ولَم تشكل آليات الرقابة الليبرالية المؤسساتية نجاحات كبيرة في منع الفساد فالفاسدون اذكياء ويميلون للتكتل حفاظاً على مصالحهم. لم تفلح الفضيلة المدنية التي ذكرها الدستور الأمريكي وعول عليها لمراقبة السلطة لنفسها ("إلزامها بالسيطرة على نفسها")، في حل المشكلة وكذلك آليات الرقابة والمحاسبة على الفضيلة المدنية رغم انها خففت لكنها لم تكبح الازدياد المضطرب لمستويات الفساد تحت وطأة السياسات الليبرالية الجديدة في أيديولوجيا السوق الحرة التي تسود اليوم.

على الجانب الآخر فشلت الفضيلة المدنية الموجودة لدى الصحابة في صدر الإسلام من الاستمرار لما بعد الخلافة الراشدة تحت ديناميات وطبيعة الملك العضوض وترويضه المستمر للدين والفتوى لخدمة من في السلطة وبالتالي انكفاء السلطات والمدارس الدينية مع مؤسسات السلطة للوصول لحالة توازن عاجزة عن اصلاح الفاسد او تقويم المجتمع إلا بتوصيات نظرية تبتعد عن آليات عملية واضحة .لقد عجز الإقطاع والملكية والكنيسة  theocracyونماذج جديدة تماماً - كالديمقراطيات الليبرالية والديكتاتوريات الشيوعية والأنظمة الفاشية عن علاج الفساد ومنع الفاسدين من الانجذاب للسلطة ربما لأنها طبيعة بشرية ولأن هذه الأنظمة البشرية أساسها فاسد ,كذلك لم يستطع الإسلام أن يعالج الفساد وانحراف السلطة باتجاه الفساد بعد الخلافة الراشدة فاكتفى كُتاب وفلاسفة الإسلام في اقتراح مبادئ عامة دون ترجمتها إلى آليات ضبط ورقابة تلزم الجميع من أعلى هرم السلطة الى أسفلها فاكتفوا باقتراحات ؛كنزاهة المصلحين أو فكرة عدم استعداد المجتمع ,أو اتباع الحكمة, أو إشاعة الجو الصالح, أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول لا الفعل, أو شعارات وعظية كالبيان الواضح, أو استثمار جميع الإمكانات و الوسائل, أو عدم اتباع سبيل المفسدين, أو القناعة التامة و الثابتة , أو تكاتف الجهود, أو الاهتمام بنشر الثقافة و العلم, أو الاستقامة. كل ما سبق كرس العزلة بين الدين وضوابطه في السلطة وبين الامتزاج بحياة الناس اليومية ومعاشها.

ربما العلاقة بين الفساد والسلطة غير المنضبطة علاقة صميمية يبدأ تكسيرها بخلق السلطة المنضبطة التي بدورها تكسر هذه الصميمية فتصبح السلطة تكليف ثقيل وليس ميزة فتكون الجائزة للسلطان العادل محبة الناس في الدنيا والتظلل بظل الله في الآخرة وليس الرفاهية والغنى والعلو في الدنيا. بالتأكيد، لم تعد الفضيلة المدنية في الدستور الفيدرالي الأمريكي ولا الفضيلة المدنية (العفة) للصحابة كعناوين مدعومة حصراً بآليات تنفيذ ورقابة عملية مسألة ترف سياسي فلسفي بل أصبحت على رأس الأولويات وهي ما يجب أن يكون شغلنا الشاغل كبشر عموماً وكمسلمين ومضطهدين خصوصاً في السنوات القليلة القادمة.

الجواب على سؤال هل يمكن جمع الليبرالية مع التعليمات الإلهية في مكافحة الفساد؟ من وجهة نظري المتواضعة لا يمكن وضعهم في نفس المرتبة. لأن فكرة أن الشعب مصدر السلطات فكرة نظرية لم تثبت كفاءتها في الواقع واستُهلكت وضاعت بين أقدام الفاسدين. الصحيح أن الله مصدر السلطات والبشر يخترعون الآليات والضوابط لتنفيذها عن طريق الشورى بين حكمائهم المخلصين المؤمنين بعظمة رسالتهم ولا يتركونها للتلاعب من طرف الذي بيده القوة.

وسوم: العدد 885