لماذا استبعد السيسي الخيار العسكري بملف "سد النهضة"؟

أثار استبعاد رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، خيار اللجوء إلى الحل العسكري في أزمة سد النهضة الأثيوبي، تساؤلات بشأن جدوى خيار التفاوض، وتمسكه باتفاق المبادئ مع أثيوبيا عام 2015 الذي مكنها من استكمال بناء السد وتوفير الدعم المادي الدولي، رغم فشل التوصل لاتفاق بين البلدين.

وانتقد سياسيون ومراقبون إعلان السيسي استعداده الحرب في ليبيا، وحصوله على تفويض من البرلمان بإرسال قوات من الجيش في مهام قتالية بالخارج، تحت مزاعم الدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي الغربي، وليس باتجاه الجنوب لتأمين نهر النيل شريان حياة المصريين الذي يمثل الأمن القومي الحقيقي مصر.

وخلال افتتاح المدينة الصناعية بالروبيكي، حسم السيسي مسألة القيام بأي عمل عسكري، وأكد على أنه لا بديل عن المسار التفاوضي بقوله: "إحنا نتفاوض، ودي معركة هتطول لأننا مش هنمضي على حاجة مش هتحققلنا مصلحة، المصلحة بتقول كلنا مستفيدين والضرر يكون مقبول علينا كلنا".

وتبدو أثيوبيا مطمئنة لتمسك السيسي بالخيار السلمي لحل الأزمة؛ إذ استبعد السفير الإثيوبي في موسكو، أليمايهو تيجينو أرغاو، الثلاثاء، نشوب نزاع عسكري بين مصر وإثيوبيا بسبب الخلافات حول بناء سد النهضة، مُعتبرا أنه "أمر غير واقعي".

ولطالما أعلنت مصر أن مياه نهر النيل مسألة حياة أو موت للمصريين، حيث تعتمد بنسبة 95 بالمئة من احتياجاتها المائية على نهر النيل، وأراضيها الصحراوية تشكل 95 بالمئة من إجمالي المساحة الكلية لمصر، وأن انخفاض إيرادات النيل بنسبة 2 بالمئة فقط تؤثر على مليون مواطن مصري، وفق وزير الري والموارد المائية.

ورفض السودان ومصر إعلان إثيوبيا بشكل أحادي الانتهاء من المرحلة الأولى لملء خزان سد النهضة، وأثار تساؤلاتهما بشأن جدوى المسار الحالي للمفاوضات، برعاية الاتحاد الإفريقي.


هدف استراتيجي


السياسي المصري والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، أكد أن "وصول المياه للكيان الصهيوني عبر نهر النيل هو هدف استراتيجي لمصر وأثيوبيا من خلال إدخال البلاد في مرحلة الهلع والخوف من العطش والجفاف، والاستمرار في التمسك بالخيار السلمي للأزمة التي لم ولن تحل".


وقال صابر في حديثه لـ"عربي21": "قدر احتياجات الكيان الصهيوني من المياه نحو 10 مليار متر مكعب، سوف يحصل عليها عن طريق ترعة السلام، مقابل حصول مصر على حصتها من المياه التي سيتم التوافق على كميتها لاحقا"، وفق تقديره.


وذهب إلى القول إن "التوصل لاتفاق بين الدول المعنية يضمن لمصر حصة من مياه النيل ووصول المياه للكيان الصهيوني سعيد تدوير السيسي، بعد تصويره كأنه بطل قومي لأنه أنقذ مصر من الإخوان وأنقذها من الموت عطشا وجفافا".


حل المشكلة


بدوره، أرجع الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، تمسك السيسي بالمسار التفاوضي في معالجة أزمة سد النهضة إلى أن "الحل العسكري أو حل المشكلة لم يكن مطروحا منذ البداية؛ والسيسي وقع - ولم يكن مغيباً -على إعلان المبادئ مع أثيوبيا والسودان، وهو على علم ببنود الاتفاقية وعليه أستطيع أن أجزم بأن هناك تنسيق مصري إسرائيلي إثيوبي غير معلن".


وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "الإمارات والسعودية في كواليس هذا الاتفاق السري؛ فأثيوبيا حليف إسرائيل الاستراتيجي في شرق أفريقيا، وإسرائيل جاءت بالسيسي بدعم إماراتي وسعودي بهدف إعادة الحكم العسكري، وإفشال التجربة الديمقراطية، ومن ثم تنفيذ أجندات تلك الدول وعلى رأسها إسرائيل المستفيد الأكبر من بقاء السيسي الكنز الاستراتيجي لها كما يتم وصفه لديهم".

ودلل على حديثه بالقول: "ما يعزز تلك التكهنات هو تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير ليس لصالح السعودية، ولكن لصالح إسرائيل في حقيقة الأمر، في سابقة تاريخية، كما أن اتفاقية المبادئ تمهد لإيصال النيل لإسرائيل عبر سحارات سرابيوم في شبه جزيرة سيناء".

الخشية الدولية

من جهته؛ رأى الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أن السيسي يخشى من رد الفعل الدولي تجاه قيامه بأي عمل عسكري ضد أثيوبيا، قائلا: "المعطيات الدولية والإقليمية لا ترحب بتنفيذ عمل عسكري مصري ضد أثيوبيا".

وأضاف مولانا في تصريحات لـ"عربي21": "فضلا عن إن السيسي لا يرى في أثيوبيا خطرا على نظامه، ويسعى لعمل مشاريع بديلة لتعويض الفقد في المياه الناتج عن سد النهضة".

واختتم حديثه بالقول إن "السيسي أولوياته ترتبط بأمن نظامه، وأثيوبيا من منظوره دولة غير معادية له، والمياه سيسعى لتعويضها بمشاريع تحلية المياه، وتبطين الترع، وترشيد استهلاك المياه، ورفع أسعار تعريفة المياه على المواطنين .. إلخ".

وسوم: العدد 888