انفجار بيروت المخيف والمدمر

الحصيلة الأولية لانفجار بيروت

لا نريد استباق الأحداث ونخمن أو نتهم لأن الانفجار الضخم الذي هز مرفأ العاصمة اللبنانية، وخلف في حصيلة غير نهائية 137 قتيلا وقرابة 5 آلاف جريح و300 ألف شخص في عداد المشردين، لأن الأمر جلل والمصيبة كبيرة، فقط نطالب بشفافية التحقيق وصولاً للحقيقة المرة والأليمة التي زادت منطقتنا آلاماً وجراح مهولة.

السلطات اللبنانية تبحث عن أعداد غير معروفة من المفقودين عقب انفجار المرفأ، خصوصا أن العديد من اللبنانيين ينشرون نداءات عبر مواقع التواصل للبحث عن ذويهم المفقودين.

وقال وزير الصحة اللبناني حسن حمد إنه ما زال هناك عشرات المفقودين جراء الانفجار، مما يرجح ارتفاع عدد الوفيات، مضيفا أن الموجة التفجيرية قذفت ببعض الضحايا في البحر.

وذكرت وكالة رويترز أن أقارب المفقودين تجمعوا عند الطوق المحيط بميناء بيروت متطلعين للحصول على معلومات عن ذويهم، وكثير من القتلى موظفون في الميناء والجمارك، أو أشخاص يعملون في المنطقة أو كانوا يمرون بسياراتهم أثناء الانفجار الذي لم تشهد العاصمة اللبنانية له مثيلا.

رفع الركام

من ناحية أخرى، شرع أصحاب الشركات والمؤسسات المختلفة في حي الأشرفية القريب من مرفأ بيروت اليوم في إزالة كميات كبيرة من الركام ومخلفات الانفجار.

وتسبب الانفجار في أضرار جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة في المرفأ ومحيطه، وأعلنت وزارة الطاقة أن دمارا كليا لحق بالمبنى المركزي لمؤسسة كهرباء لبنان.

صوامع حفظ الحبوب تعرضت لتدمير كامل

من جهته، أكد وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة أن صومعة القمح بالمرفأ دمرت في الانفجار، مؤكدا أن احتياطي البلاد من الحبوب يكفي لأقل من شهر، وأن الحكومة تبحث عن مساحات تخزين إضافية.

من ناحية أخرى، بثت وكالة رويترز صورا التقطت بالأقمار الصناعية لمرفأ بيروت قبل وبعد الانفجار المدمر، وتظهر الصور الصادرة عن شركة "بلانيت لابز" (PLANET LABS) الأميركية حالة المرفأ قبل وبعد الانفجار، وكشفت عن حجم الدمار الذي لحق بمرافقه وبالمباني المحيطة به.

تقارير أولية عن الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في لبنان

ورغم أن مقاطع الفيديو التي تم تداولها عن الحادث تبدو أصلية وغير مزيفة وصورها مواطنون من منازلهم بالقرب من موقع الانفجار، إلا أن الشائعات حول سبب الانفجار انتشرت بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وواتسآب. فما هو التضليل الذي انتشر عبر الإنترنت؟

من الألعاب النارية إلى القنابل النووية

أظهرت مقاطع الفيديو المتداولة انفجارات أصغر وتصاعد النيران أولا، ثم أعقبها الانفجار الكبير، الذي تم نشر تغريدات تشير إلى أنه حدث في مصنع للألعاب النارية.

بدت مزاعم انفجار الألعاب النارية تفسيرا معقولا لما حدث في ذلك الوقت، لكن تغريدات أخرى انتشرت بشدة أشارت إلى أن الانفجار نجم عن قنبلة نووية وذلك بسبب ظهور سحابة بيضاء تشبه فطر عيش الغراب تشبه تلك الناتجة عن تفجير قنابل نووية.

"انفجار قنبلة أو ضربة صاروخية"

استمرت الادعاءات التي لا أساس لها في الانتشار، وألقت بمسؤولية الهجوم بـ"القنبلة النووية" على الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حزب اللات. وتم نشر هذه الادعاءات على المواقع الإخبارية التابعة لكل طرف. وكذلك نشرتها شخصيات عامة.

ركزت الرسائل بشكل رئيسي على الادعاءات غير الصحيحة بأن ما حدث كان هجوما إسرائيليا، إما بقنبلة أو ضربة صاروخية على مستودع أسلحة تابع لحزب اللات.

وقررت الحكومة فرض حالة الطوارئ في بيروت لمدة أسبوعين، وقالت وزيرة الإعلام اللبناني منال عبد الصمد "تتولى السلطة العسكرية العليا فورا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة" لمدة أسبوعين.

لجنة التحقيق

كما قررت الحكومة اللبنانية تشكيل لجنة تحقيق إدارية للكشف عن أسباب الانفجار على أن ترفع نتائج عملها في غضون 5 أيام على أقصى تقدير، وطلب من السلطة العسكرية فرض الإقامة الجبرية على كل المسؤولين عن تخزين نترات الأمونيوم منذ عام 2014 إلى تاريخ حدوث الانفجار.

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد قال في كلمة ألقاها عقب جلسة استثنائية لمجلس الوزراء عقدت أمس بالقصر الرئاسي إن الجميع مصمم على السير في التحقيقات، وكشف ملابسات ما حصل في أسرع وقت ممكن، ومحاسبة المسؤولين والمقصرين، وأكد أن نتائج التحقيقات ستعلن بشفافية.

وكلفت الحكومة الجيش بإجراء مسح فوري وشامل للأماكن المتضررة، واستحداث 4 مستشفيات ميدانية، كما أعلن المجلس الأعلى للدفاع فتح المدارس لإيواء مشردي الانفجار، وأوصى بالتواصل مع جميع الدول وسفاراتها لتأمين المساعدات والهبات اللازمة.

تحقيق قضائي

وأطلقت السلطات القضائية أمس الأربعاء تحقيقا في ملابسات الانفجار، وكلف النائب العام لدى محكمة التمييز غسان عويدات الأجهزة الأمنية كافة القيام بالاستقصاء والتحريات، وإجراء التحقيقات الفورية لمعرفة كافة المعلومات والملابسات المتعلقة بالانفجار.

وطلب عويدات من هذه الأجهزة تزويده بكل التقارير المتوفرة لديها وأي مراسلات متعلقة بتخزين المواد المتفجرة، وتحديد أسماء المسؤولين عن حفظها وحمايتها والقائمين بأعمال الصيانة في المستودع الذي حصل فيه الانفجار.

وقررت الحكومة اللبنانية دفع تعويضات لعائلات القتلى وفرضت الإقامة الجبرية على المسؤولين عن ملف تخزين نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت منذ 2014، وأمرت بتشكيل لجنة تحقيق إدارية للكشف عن أسباب الانفجار، ورفع النتائج خلال 5 أيام.

وكانت وسائل إعلام لبنانية قد تداولت رسالة يعود تاريخها إلى عام 2017 موجهة من المدير العام للجمارك إلى قاضي الأمور المستعجلة في لبنان.

وطلبت الرسالة تحديد مصير كميات من نترات الأمونيوم موجودة في المخزن رقم 12 داخل مرفأ بيروت بعد مصادرتها من باخرة تحمل اسم "روسوس" عام 2014، وتظهر الرسالة أرقاما وتواريخ لمراسلات سابقة قدمت منذ عام 2014 في الشأن ذاته.

وفي سياق متصل، دعت منظمة العفو الدولية إلى إنشاء آلية دولية على الفور للتحقيق في كيفية حدوث انفجار مرفأ بيروت، أيا كان سبب وقوعه، إلا أن إيلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب اللبناني رفض دعوات لفتح تحقيق دولي في أسباب وقوع الانفجار، ورأى في ذلك إلغاء للقضاء اللبناني والدولة اللبنانية.

وعلى صعيد آخر، قالت منظمة الصحة العالمية إن 3 مستشفيات توقفت في بيروت بفعل انفجار مرفأ العاصمة، فيما يعمل مستشفيان جزئيا، وأكدت المنظمة أن المرافق الطبية لم تعد تستوعب أعداد جرحى الانفجار.

اهتمام فرنسي بما حدث في بيروت

من المتوقع أن يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إلى بيروت التي أعلنت مدينة منكوبة جراء الانفجار المدمر، ليكون ماكرون أول رئيس دولة يزور لبنان بعد كارثة الثلاثاء.

ومن المقرر أن يزور الرئيس الفرنسي موقع الكارثة ويلتقي المسؤولين اللبنانيين، وعلى رأسهم الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب، قبل أن يعقد مؤتمرا صحفيا في الساعة الثالثة والنصف بتوقيت غرينتش ثم يعود إلى بلاده.

وقد أرسلت باريس 3 طائرات محملة بمساعدات إنسانية إلى لبنان.

وعلى صعيد المساعدات للبنان أيضا، أرسلت دولة قطر 4 طائرات تحمل مساعدات ومستشفيين ميدانيين مجهزين بالكامل، سعة كل منهما 500 سرير، وذلك ضمن جسر جوي.

مساعدات عربية وعالمية تتقاطر على بيروت المنكوبة

وأفادت الرئاسة الجزائرية بأن الرئيس عبد المجيد تبون وجه بتقديم مساعدات فورية للبنان إثر انفجار مرفأ بيروت، وذلك عقب مكالمة هاتفية مع نظيره اللبناني.

وقال بيان للرئاسة الجزائرية إن 4 طائرات تستعد للإقلاع باتجاه بيروت وعلى متنها أطقم طبية ومواد طبية وأدوية وأفراد من الحماية المدنية مختصون في البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى مواد اعادة بناء وتعمير ما دمره الانفجار.

كما قام الأحمر التركي وبالتنسيق مع هيئة الطوارئ والكوارث التركية بإرسال خبراء في مجال إسعافات الطوارئ والبحث والإنقاذ، إضافة إلى مساعدات طبية وإنسانية وغذائية إلى لبنان.

وطلب ملك الأردن عبد الله الثاني من حكومته تجهيز مستشفى عسكري ميداني لإرساله إلى لبنان يضم جميع الاختصاصات والطواقم الطبية، للمشاركة في تقديم الخدمة العلاجية لجرحى انفجار بيروت.

وأعلن الديوان الملكي الحداد 3 أيام على أرواح ضحايا انفجار بيروت وتنكيس الأعلام، ونظم مواطنون أردنيون وقفة أمام السفارة اللبنانية في عمّان تعبيرا عن تضامنهم مع لبنان ومواساة في ضحايا انفجار مرفأ بيروت.

وفي فلسطين، نظمت بلدية خان يونس في قطاع غزة بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وقفة تضامنية وحملة للتبرع بالدم لصالح جرحى انفجار مرفأ بيروت.

نظريات تحاول ربط الانفجار بإسرائيل أو دول أخرى.

ورفضت السلطات في لبنان وإسرائيل تلميحات تتهم إسرائيل بالوقوف وراء الحادث، بعد أن تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صورا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثناء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2018، وزعموا أنه كان يشير إلى موقع انفجار بيروت، الذي وقع يوم الثلاثاء.

وبستغل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هذه الصور "كدليل" على أن لإسرائيل يدا في التفجير، والصور بالفعل حقيقية ولم يتم التلاعب بها، ولكن تم استخدامها في غير سياقها، فقد رفع نتنياهو بالفعل خريطة لبنان لكنه كان يشير إلى منطقة مختلفة تماما في مدينة بيروت، عن المرفأ الذي شهد الانفجار، وزعم نتنياهو أنه موقع أخفى فيه حزب اللات أسلحة.

يقع موقع الانفجار على بعد عدة كيلومترات شمال "الموقع 1" الذي حدده نتنياهو على الخريطة التي استخدمها.

تعليقات ترامب

انتشرت الشائعات حول وقوع هجوم محتمل بعد أن وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحادث بأنه "هجوم رهيب"، وذلك في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بعد الانفجار.

وهو ما منح قوة دافعة طوال 24 ساعة الماضية للجماعات التي تروج لنظرية المؤامرة والمعلومات المضللة، ما يدل على وجود مخاطر لعدم الدقة في استخدام اللغة والتواصل مع الآخرين خلال أوقات الأزمة.

كما تناولت منشورات أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم غير صحيحة عن تعليقات الرئيس ترامب وأنها تشير إلى أن الولايات المتحدة حذرت مسبقا من الانفجار.

إنه تذكير مهم بأن الأحداث الإخبارية العاجلة هي فترة خصبة لتداول المعلومات المضللة والفرضيات عبر الإنترنت. لذلك يجب أن نفكر قبل أن نتداول أو نشارك المنشورات.

المصدر

 

*عربي نيوز-5/8/2020  

*الجزيرة نت-6/8/2020

*قناة الجزيرة-5/8/2020

وسوم: العدد 889