مسؤولية الدعاة في مواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني

من المعلوم أن مسؤولية مواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني هي مسؤولية الأمة الإسلامية برمتها . وكل تهاون في تحمل هذه المسؤولية يعتبر تفريطا في القضية الفلسطينية وهي قضية إسلامية  بل خيانة لها ، وعلى الجميع القيام بما هو في الوسع لتبرئة الذمة أمام الله عز وجل وأمام التاريخ .

وتتفاوت هذه المسؤولية  بين أفراد الأمة حسب المكانة التي يحتلها كل واحد منهم في المجتمع . وعلى رأس من تقع عليهم مسؤولية مواجهة آفة التطبيع مع العدو الصهيوني فئة الدعاة علماء، وخطباء، ووعاظ لأنهم هم من يضطلعون بقرع أجراس الخطر حين تحدق الأخطار بالأمة ، وهم حماة الدين وحراس العقيدة ، ولديهم العلم والخبرة بتوعية الأمة وتحذيرها مما يتهددها في دينها ومقدساتها .

ومن المؤسف جدا أن بعض دعاة  الأمة الذين طبقت شهرتهم الآفاق، ولا يوجد موقع على الشبكة العنكبوتية ولا قناة فضائية إلا وكانت أحاديثهم هي المهيمنة فيها  ، والناس يقبلون على ما يقولون، و على ما يفتون به إلا أنهم بين عشية وضحاها انقلبوا من دعاة ووعاظ إلى خدم يخدمون أصحاب السياسة ، ومنهم من عرضت لهم تسجيلات قبل حدث التطبيع الأخير بين دولة الإمارات والكيان الصهيوني، كانوا يحرمون فيها التطبيع مستشهدين على ذلك بآي الذكر الحكيم وأحاديث سيد المرسلين، لكنهم بعد ذلك الحدث المشئوم انقلبوا على أعقابهم ،فصاروا يباركون ما كانوا من قبل يذمونه .

ومنهم من لزم السكوت عن التطبيع في وقت لا يحسن فيه السكوت ،لأن سكوتهم يدعم الذين يزكون التطبيع . ومنهم من جعل خشية الله عز وجل فوق كل خشية وتحمل مسؤوليته أمام الله عز وجل، وأمام الأمة الإسلامية، وأمام التاريخ في ذم التطبيع والتحذير من عواقبه الوخيمة على أهلنا في فلسطين، وعلى عموم الأمة الإسلامية سواء في المحيط العربي أو خارجه .

ولا عذر للدعاة من علماء أو خطباء أو وعاظ  كل على قدر وسعه في القيام بواجب النصح للأمة فيما يخص التحذير من خطر التطبيع على المقدسات الإسلامية في أرض الإسراء والمعراج . وأضعف الإيمان أن من خشي بطش السلطان إن هو اضطلع بمسؤوليته في التحذير من خطر التطبيع أن يقدم استقالته إن كان يشغل منصبا رسميا يجبره على  تزكية التطبيع أو على السكوت عليه ، وفي ذلك تبرئة لذمته أمام الله عز وجل وأمام أمته وأمام التاريخ .

ومن غير المقبول ألا يخجل دعاة التطبيع من القيام بالدعاية له سواء منهم من كانوا محسوبين على الدعوة أو من المحسوبين على الفكرالحداثي خصوصا منهم من لا يعنيهم الإسلام في شيء أو هم ممن يعارضونه ، وفي المقابل نجد الدعاة من علماء وخطباء ووعاظ  يتهيّبون الخوض في موضوع ذم التطبيع خشية المتابعة والمحاسبة بصمت كصمت العذارى حين تطلب أيديهن، فيكون صمتهن من علامة الرضا . ومن سكت في هذا الظرف من الدعاة علماء وخطباء ووعاظ عد سكوته علامة على الرضا بالتطبيع  .

ولقد أراد الله عز وجل بي خيرا كخطيب سابق  أعفتني وزارة الأوقاف من الخطابة حين تطرقت في خطبة إلى صفقة القرن محذرا من عواقبها الوخيمة على قضية الأمة الأولى ، وذكرت بمسؤولية ولاة أمور المسلمين تجاه المقدسات المهددة بالتهويد، فعدت الوزارة ذلك عتابا لهم ، واعتبرته تهمة أوجبت إعفائي من الخطابة .

 وأنا اليوم أسائل وزير هذه الوزارة ،وقد بدأت أول حلقة من حلقات التطبيع مع الكيان الصهيوني لتليها حلقات أخرى  كما صرح العدو الصهيوني  عن رأيه فيما وقع ، وهل كان ما اتهمني به مما سماه عتاب ولوم الحكام العرب صوابا أم كان خلاف ذلك ؟ إنه لم يمض طويل وقت حتى كشف الله عز وجل الحقيقة واضحة لا غبار عليها . وهل يملك هذا الوزير من الشجاعة ما يجعله يقدم اعتذارا على ما قرره في حقي من عزل هو ومن كان وراء هذا القرار من أصغر مسؤول إلى أكبرهم ؟  وهل سيملك أعضاء المجلس العلمي الأعلى وهم من لهم سلطة تقويم الخطب والخطباء الشجاعة للشهادة بأنني كنت ضحية تعسف الوزير و ضحية شطط استعمال سلطته ؟ وهل سيخرجون عن صمتهم بكلمة حق في التطبيع يلقون بها الله عز وجل وفيهم من ليس بينه وبين الآخرة إلا بقية من عمر فان ؟

أما أنا فقد أنهيت  يومئذ رسالتي المفتوحة إلى الوزير بعبارة مفادها أنني سأقاضيه في محكمة الله عز وجل يوم لا عذر ولا شفاعة لظالم .

ولئن أحزنني كثيرا إعفائي من الخطابة لأنني كنت أبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بضع آيات ، فإنه قد سرني أنني في سبيل الله عز وجل وفي سبيل بيت المقدس قد أعفيت ، وأنا أحتسب الأجر عن ذلك عنده سبحانه وتعالى .

ولقد شاءت إرادة الله عز وجل مباشرة بعد إعفائي من منبر الجمعة أن تحل بالعالم أجمع جائحة كورونا، فتتوقف خطب الجمعة في كل المساجد بسبب ذلك ، وكان في ذلك تنبيه للوزير صاحب رواية "  جارات أبي موسى " التي يحكي فيها قصة متصوف وثمان نسوة مذنبات . ولو كان صادقا في الاعتقاد الذي عكسته روايته لما نالني بظلم إذ أعفاني من منبر الجمعة ، وهو يعلم أنه ليس بين الله عز وجل ودعوة المظلوم حجاب، ولست  بهذا أزعم أنني أكثر من عبد مذنب قد ظلم فلجأ إلى ناصر المظلوم جل في علاه .

 وأسأل الله عز وجل أن يرفع عنا بلاء هذا الوباء لتعود منابر الجمعة إلى سابق عهدها يأمر خطباؤها بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخشون في الله لوم لائم، ولا يدارون ولا يحابون أحدا في قول الحق حتى يلقون الله عز وجل وهم على ذلك ، وعليه يبعثون .