الرجوع إلى الكتاب والسنة والصلح معهما كفيلان بإفشال سعي التيار الداعي إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني

يتذرع التيار الداعي إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني  بقوة هذا الأخير العسكرية التي لا قبل للعرب مجتمعين بها ، لهذا  يرفع هذا التيار شعار " لا مفر من التطبيع مع هذا الكيان الذي لا يقهر .

وبالعودة إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم عودة صلح نجد ما يفند شعار هذا التيار ساسة ومفكرين وإعلاميين  وغيرهم .

والفرق بين من يعتقد بأن هذين المصدرين منزهان عن الباطل والهوى وبين من لا يعتقد هذا الاعتقاد هو الأخذ في الاعتبار الحضور الإلهي في تدبير شأن الكون كله بعوالمه بما فيها عالم البشر ، وهو سبحانه وتعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة  في ملكوته ، ولا يكون شيء إلا بمشيئته وبقوله كن فيكون .

انطلاقا من هذا الاعتقاد الراسخ الذي لا يتزعزع، ولا ينال منه شك ، نقول لدعاة التطبيع على اختلاف أنواعهم، وعلى اختلاف أساليبهم فيما يقدمونه من ذرائع واهية ،عودوا إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتتجاوزوا عقدة هزيمتكم أمام الصهاينة ومن ثم قناعتكم  بالتطبيع ، ذلك أن فيهما ما ينقض مزاعمكم وذرائعكم الواهية .

أولا الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون أبدا  كيانا قويا  بالقوة التي تزعمونها، لأن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل : (( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا  وكانوا يعتدون)) . فهذا الكيان وصفه الله عز وجل بالكفر ، وبقتل الأنبياء بغير حق ، وبالعصيان ، وبالعدوان ،فكان ذلك سبب  ضرب الذلة والمسكنة عليه وبسبب ذلك باء ويبوء بغضب من الله إلى قيام الساعة ، وهو لذلك لا قوة  له إلا  بحبل من الخالق سبحانه وتعالى أو بحبل من الخلق، وهذا الحبل ما هو إلا ذمة أو معاهدة. ومن كان هذا حاله، فلا قوة له تخشى أو تحذر ، ولا داعي أن يخطب وده ،ويسعى إلى التطبيع معه، وهو معتد أثيم  قد احتل أرضا ليست أرضه ،وطرد منها أهلها وشردهم تشريدا.

وبالعودة إلى كتاب الله عز وجل أيضا، تنهار مقولة القوة العسكرية التي تزعم لهذا الكيان الغاصب والتي لا تقهر ، ومن ثم يجب أن تحذر، ويسعى إلى التطبيع معه ،و نجده ذلك في سياق حديثه سبحانه وتعالى عن المواجهة المسلحة  بين طالوت  وجالوت إذ يقول على لسان  بعض جيش طالوت وكانوا قلة وذلة : (( قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده  قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة  غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين  ولمّا برزوا لجالوت وجنوده  قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت ))

فيا معشر دعاة التطبيع ،إنكم كمن قالوا لا طاقة لنا بجالوت وجنوده ، وإن من يدحض دعوتكم كمن قالوا كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ، ولقد هزم جالوت وجنوده بإذن الله عز وجل .

 إنكم يا معشر دعاة التطبيع تسقطون الحضور الإلهي من حسابكم حين تحسبون القوة العسكرية للكيان الصهيوني ،كما أنكم تسقطون من حسابكم القلة الصابرة التي تستمد النصر عليه  من صاحب الإذن جل وعلا  ،وهوالذي يجعل القلة القليلة تغلب الكثرة الكاثرة .

إنه الوحي يا معشر دعاة التطبيع الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، وما أنزله الله تعالى للتسلية ، ولا لتزجية الوقت بل للعبرة ، واستخلاص الدروس، لأن هذا الوحي إنما هو توجيه للبشرية إلى قيام الساعة ينطلق من أحداث ماضوية لتقرير أحكام تنسحب على كل ما يشبهها مما يقع في حياة هذه البشرية  إلى نهاية العالم .

إن جالوت هو نموذج كل طاغية  ظالم ومعتد يعول على قوته العسكرية، ويسقط من حسابه خالق الكون ومدبره، وصاحب القوة ، بينما طالوت هو نموذج كل ذي قضية عادلة وذي حق صابر وثابت بالرغم من قلته وذلته .

وفي القرآن الكريم ما يدل على أن من سنن الخالق سبحانه وتعالى نصر الضعيف على القوي ، ومن  ذلك قوله تعالى : ((  ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )) . لقد كانت قوة أهل بدر العسكرية  ثلث قوة المشركين وهي بذلك أضعف، ولكن كتب لهم الله النصر بينما كتب الهزيمة لأعدائهم .

وقد تتسألون يا معشر دعاة التطبيع عن السر في انتصار الضعف على القوة خلافا لمنطقكم البشري ، وهذا السر إنما هو عدم إسقاط  الخالق سبحانه وتعالى من الحساب حين يواجه الضعفاء من أهل الحق الأقوياء من أهل الباطل ، ويكونون على هدى من الله ينتصرون للحق والعدل .

فيا معشر دعاة التطبيع كان الأجدر بكم أن تتحدثوا عما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غثاء حين أخبر وهو الصادق الذي لا ينطق على الهوى عن حال أمته في زمن يأتي عليها وهي كثرة كاثرة ،ولكنها كغثاء السيل ، في حديثه المشهور : "  يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل :  يا رسول الله  وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت "

ألستم يا معشر دعاة التطبيع تحبون الدنيا وتكرهون الموت ؟ وهو ما جعلكم تلهثون للتطبيع مع عدوكم حبا في الدنيا، وهذا هو سر انهزامكم أمامه وليس  لأنه أقوى منكم عسكريا  بل أنتم مجتمعين أقوى منه وأكثر عددا ،ولكن الوهن جعلكم غثاء .

ولقد ابتلي المسلمون الأول وهم كثرة ، وهم من هم تقوى وإيمانا كما جاء  في قوله تعالى : (( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين  ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها  وعذّب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ))

إن كثرة المؤمنين  يوم حنين وهم أصحاب قضية عادلة  لم تجدهم نفعا، وما كان نصرهم إلا من عند الله عز وجل ، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القوة العسكرية لا تغني عن أصحابها شيئا، وأنهم بالغم منها قد يولون الأدباء .

يا معشر دعاة التطبيع  قد يقول قائلكم أليس الله عز وجل قد أمر بإعداد القوة في قوله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) ؟ ،ونقول لكم أجل إن إعداد القوة من الأخذ بالأسباب، ولكن لا يكون النصرإلا من عند الله مصداقا لقوله تعالى : (( وما النصر إلا من عند الله )).   ولا يمكن يا معشر دعاة التطبيع أن تعطلوا الأخذ بالأسباب كما أمر الله عز وجل بذلك ثم تزعمون أنه لا طاقة لكم بمواجهة عدوكم، وأنه لا مفر لكم من التطبيع معه .

ونختم بالقول إن الرجوع إلى الوحي كتابا وسنة والصلح صلحا صادقا معهما كفيلان بتخطي عقدة الشعور بالهزيمة أمام الكيان الصهيوني وكفيلان بإفشال سعي التيار الداعي إلى التطبيع معه، فهل من رجوع إليهما وصلح معهما ؟