مكاسب إسرائيل و " مكاسب " السودان من التطبيع المتوقع بينهما

المؤكد أن عجلة التطبيع بين إسرائيل والسودان أسرعت في الدوران ، وأن آمال مقاومي التطبيع العرب في وقفها أو إبطائها ذهبت في الريح . وما أشاعه الإسرائيليون سالفا عن قرب تطبيع علاقاتهم مع بعض دول الخليج تحقق في 13 من الشهر الحالي ب " اتفاق إبراهيم " بين إسرائيل والإمارات برعاية إدارة ترامب . وهم الآن يتحدثون بثقة عن قرب التطبيع مع السودان ، وأكد هذا القرب مسئول أميركي كبير لصحيفة " إسرائيل اليوم " مبينا  أنه سيتم بعد أسابيع قليلة ، وزادت حتميته وقربه زيارة بومبيو وزير الخارجية الأميركي للسودان في رحلة جوية مباشرة لأول مرة بين البلدين . ويقر محللون وإعلاميون سودانيون  بهذا القرب مرجحين تغلب العناصر العسكرية المؤيدة للتطبيع على العناصر المدنية المعارضة له في مجلس السيادة الانتقالي ، ويعترفون بأن  القول إن الإدارة الانتقالية الحالية في السودان لا يحق لها دستوريا عقد اتفاقات خارجية قد يتهاوى ويفتح الباب للتطبيع ، ولا تنسوا أننا نتحدث عن دولة عربية لا تحكم قادتها ، حالها حال كل الدول العربية ، أي قيود دستورية . وعليه ينهض السؤال : ما مكاسب إسرائيل وما " مكاسب " السودان من التطبيع المقترب بقوة وحتمية ؟!  

يحدد الكاتب الإسرائيلي أمنون لورد في مقال له في " إسرائيل اليوم " مكاسب إسرائيل بثلاثة : قطع إمدادات السلاح عن حماس ، ومواجهة التهديد التركي ، ووقف التمدد الصيني في أفريقيا ، وتلتقي أميركا وإسرائيل في الهدف الثالث ، وهو أميركي أكثر منه إسرائيليا . ونضيف إلى ما حدده أمنون : تشجيع دول عربية وإسلامية أخرى على التطبيع مع إسرائيل ، وإعطاء إسرائيل قدرة أوسع على التحرك في أفريقيا بالتأثير في مشكلة مياه النيل بين السودان ومصر وأثيوبيا ، وبالاتجاه نحو ليبيا والجزائر وتونس في نشاطات تخريبية متنوعة . و " مكاسب " السودان ستوجز في رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي دونته فيها ظلما وافتراء في 1993 لعل هذا الرفع ، مثلما يرجو السودان ، يخفف ديونه الخارجية ، ويفتح له باب القروض الدولية . و "مكسب " ثانٍ قد يكون في الضغط على مصر للتخلي له عن مثلث حلايب  المتنازع عليه بين الدولتين . والدخان الذي أرسله عبد الفتاح برهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عن قرب رفع العلم السوداني على المثلث ليس بلا نار . علام استند في كلامه المفاجىء الواثق إن لم يكن على وعد أميركي إسرائيلي ؟! ربما يكون مصير حلايب وشلاتين والرمادي ، مكونات المثلث ، ذات مصير تيران وصنافير . وإذا كان هو المكسب السوداني الثاني من التطبيع فهو مكسب يوجع كل عربي محب لأمته غيور لكرامتها وقيمها وحقوقها ، وباعث الوجع أن أعداءنا " يثيبو ننا " على تنازلاتنا لهم عن أرضنا وحقوقنا مستغلين خلافاتنا الحمقاء أحسن استغلال لهم وأسوأ استغلال ضدنا دون أن يقدموا أي شيء مما يخصهم . هم لا يعترفون لنا بأي حقوق عليهم . ومرة تساءل بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسق مستنكرا : "لماذا إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي يطلب منها التنازل عن أرضها في سبيل السلام مع جيرانها ؟! " ، المدهش أن الذي أجاب عن تساؤله صحيفة يونانية بما مدلوله : " لأن إسرائيل موجودة في أرض ليست لها" . وتساؤل بيجن هو أساس  آلية إسرائيل في التطبيع مع العرب بالسلام مقابل السلام ، وعلى الفلسطينيين والعرب نسيان أرضهم وحقوقهم . إنها في بساطة تقول لهم : " لم آخذ شيئا منكم ، ولنبدأ السلام من صفر حقوق لكم " . وأقدرها الانهيار العربي على هذه الآلية الجائرة الناكرة ، فانطلقت على صهوة الجواد الأميركي تطبع مع الدول العربية بهذه المجانية وهذه السرعة وهذه السهولة الغريبة وفق الحد الأقل من المنطق . وسيكون السودان التالي للإمارات في اتطبيع ، وستليه دول عربية في سرعة تلائم حملة ترامب الانتخابية لإبلاغه إدارة ثانية برصيد أكثره عربي ، وإذا لم يفز ، وهو أمر ليس مستبعدا ، فلن تأسى عليه إسرائيل بعد أن سهل لها التطبيع المجاني مع العرب ، واعترف من قبل بالقدس عاصمة لها ، واعترف بسيادتها الباطلة على الجولان السوري . وستبدأ مع بايدن إن فاز ليندفع  بها صوب آفاق جديدة من الهيمنة في العالم العربي والإسلامي بأسلوب ناعم يختلف عن أسلوب ترامب الخشن العنيف ، وما أخذه ترامب من بعض العرب بخشونة وعنف سيأخذ بايدن مثله بنعومة ولطف  . بايدن هو القائل : " لو كنت يهوديا لكنت صهيونيا " .  

وسوم: العدد 892