سر الزيارة الروسية المفاجئة إلى دمشق

الأفعوان الروسي بعد الوجبة الدسمة على البر .. يتطلع إلى ثروات البحر

تمر بعد أيام الذكرى السنوية الخامسة "للاحتلال الروسي" لوطننا سورية . وهكذا يجب أن نسميه " الاحتلال الروسي " لقد ألححتُ دائما أن يكون لنا نحن السوريين الأحرار ، آلية ثورية لتحديد المصطلحات وتجديد التسميات، فتحديد المصطلحات ، والأسماء للمسميات ؛ أمر شديد الأهمية والحساسية بالغ الدلالة ..لقد كنا منذ البداية وما زلنا ، بحاجة إلى آلية لتحديد المصطلحات وتجديد الأسماء للمسميات ، على المستويين الديني والمدني على السواء . وشخصيا أعتقد أن لكل عصر لغة كما أعتقد أن لكل عصر ومجتمع ثياب . وهذه قضية مهمة ربما أعود إليها فيما بعد ..

إذن الوجود الروسي والوجود الإيراني في سورية هو احتلال وشكل من أشكال الاستعمار الحديث ، ولا يعفيه من هذا الوصف أنه تم بطلب من خائن عميل قد قفز على السلطة فاغتصبها ، واستعبد من سورية كل شيء فيها .. بعد ثمانية سنوات يعود لافروف إلى دمشق بمهمة صعبة ، وربما لأهمية المهمة يرسل معه رئيسه بوتين نائب رئيس الوزراء " يوري بوريسوف" لاستكمال وتأكيد البلاغ الذي جاؤوا من أجله ..

سنكون اليوم أكثر تحديدا في حديثنا عن الزيارة موضع التعليق ، وسنضع الواقع السوري الداخلي في إطاره الإقليمي يربط بدقة بين ما قيل وبين ما يجري ..

يوري بوريسوف وسيرغي لافروف أعلنا في مؤتمر صحفي مشترك بعد لقائين محدودين زمنيا مع الأسد والمعلم أن خمس سنوات في سورية ، قد طويت بنصر تحقق بمساعدة الروس . وأن المرحلة القادمة مرحلة سياسية يجب أن تساس بأخلاق المنتصرين ، وتسمح بإعادة اللاجئين ، لم يسأل أحد من الصحفيين عن المائة دولار عائق العودة ، وأن من أهم أوليات المرحلة إعادة الإعمار ، والتصدي للعقوبات الأمريكية ؛ وهذه كلها عروض وعود ومغريات روسية . ويستأنف الرجلان : المرحلة الانتقالية- التي كانت نصا في 2254 ، أصبحت من الماضي ، وكل المطلوب تعديلات دستورية فقط ، ويا دار ما دخلك شر ، ويعود كل شيء إلى ما كان عليه ، ويؤكد الدبلوماسيان الروسيان ،ولعل هاهنا بيت القصيد، أن الأمور في مناطق خفض التصعيد تسير بشكل إيجابي ، وإن الجانب التركي ينفذ ما تعهد به ، وإن ببطء ، وأن الهدوء يجب أن يستمر ..ويحشر نفسه وليد المعلم ليقول كل دستور يجب أن يمر على استفتاء شعبي ، والانتخابات الرئاسية القادمة في موعدها ، وعلى أي دستور لايهم ، ويمررها له الدبلوماسيان لأنهما فعلا لا يهتمان ...

وترفع رأسك وسط هذا الضجيج الكلامي، فتجد الصراع على المتوسط النفط والغاز ، محتدما ليبية ومصر والكيان الصهيوني واليونان وقبرص وتركية والرئيس الفرنسي الذي زج نفسه طرفا في الصراع يؤزه ... ليستثمر فيه بغباء إيديولوجي يشبه غباء رسامي شارلي ايبدو ، بينما تجد الرئيس الروسي قاتل السوريين ومدمر ديارهم ، يلعبها بخبث - ففي مثل هذا الموطن لا نقول بذكاء ، ويقدم نفسه وسيطا بين المتنازعين ، ولكي يكون وسيطا يجب أن يكسب ثقة الأطراف ، ولكي يكسب ثقة الأتراك المسلمين فيقبلوا به وسيطا بينهم وبين اليونان الأرثوذكس ، يجب أن يلينوا للأتراك الكلام ، وأن يثنوا على دورهم في امتصاص المنظمات الإرهابية ، وأن يفركوا أذن بشار الأسد لكي لا يلعب بذيله في إدلب .. ومن هنا جاءت الزيارة ، وجاء الإعلان أن صفحة الخمس سنوات الماضية قد طويت ... وأن على الجميع أن يستعدوا للخمس القادمات .. خمس الغاز والنفط واستيلاء الروس على المتوسط . يحكون عن الأفاعي الضخمة أنها بعد أن تبتلع الفريسة الضخمة تمكث زمنا حتى تهضمها ..

للوساطة الروسية بين تركية واليونان وجاهتها ، ومكانتها وفرصها أيضا . وبالفعل فإن الدولة التركية في أمس الحاجة إليها ، بعد التحريض الفرنسي وخذلان دول الناتو المستدام ..

وروسية ستلعب الدور في المنطقة مربعا أو ربما مكعبا فهي وسيط ، وهي وصية على الحصة السورية في المياه الإقليمية السورية ، حاضرة في ليبية ، صاحبة موانة على مصر ، وكثير من رجال مافياتها مسيطرون في الكيان الصهيوني ..!! وتعجبون !!

ربما لأول مرة في التاريخ الدبلوماسي يصبح البحر المتوسط بحيرة روسية وكل ذلك بفضل غباء قادة الناتو أجمعين ..

وأعود إلى ما ستسألوني عنه : وماذا عنا ؟ ماذا عن ثورتنا ؟ ماذا عن غدنا ؟ ماذا عن وطننا الإنسان والسلطة والثروة ..

أسئلة كلها مشروعة ، ويجب أن تطرح ، ومن حقنا أن نأمل وأن نرجو ومن حقنا أيضا أن نتخوف ونقلق .... ليس على النفط والغاز فقط وإنما على أشياء كثيرة أخرى منها آمال الشهداء وتضحيات المضحين ..

ورحم الله من قال :

ما حكّ جلدك مثلُ ظفرك .. فتول أنت جميع أمرك.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 894