التطبيع خيانة

تعريف التطبيع

التطبيع لغوياً هو العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها، وفي الصراع العربي الصهيوني يقصد به الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات سيادة وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية وآليات الصراع إلى آليات تطبيع، وبالتالي التخلي عن مشروع الأمة والانصياع لخدمة المشروع الصهيوني.

يقول الصهيوني -شيمون شامير-في محاضرة ألقيت في جامعة “تل أبيب” “إن مصطلح التطبيع هو مفهوم غير عادي، ففي معاهدات السلام التي تنظم العلاقات بين الدول، لا يتكلم عادة عن التطبيع، والمفهوم الشامل عن التطبيع إنما هو من مبتكرات الصراع العربي الإسرائيلي. وقد نشأ من عدم التناسق في النزاع، ومن ان مضمون اتفاق السلام مع بلد عربي يأتي -كما نتوقع نحن الإسرائيليين-بمنافع محدودة للغاية في مقابل شيء من العرب -اعتراف، قبول استعداد للحياة في سلام معنا-والصعوبات في عدم التناسق هذا تمت ترجمتها في مفهوم التطبيع”.

أما كلمة التطبيع فقد شرعت مع اتفاقيات -كامب ديفيد-المشؤومة. التي وقعت في 17 أيلول/سبتمبر عام 1978 حيث وردت عبارة علاقات عادية أو طبيعية، والمقصود إنهاء حال المقاطعة، التي انتهت بقرار رسمي في شباط عام 1980.

وهكذا حل مفهوم مقاومة التطبيع في مصر بدل مفهوم المقاطعة. لأن المقاطعة فقدت الأساس القانوني الذي كانت تستند إليه، وبالتالي باتت مقاومة التطبيع محصورة في التحرك الشعبي في مواجهة حركة التطبيع الرسمي الذي فرضته معاهدات الحكام التي تتالت، والتي لم تكن إلا خيطاً في نسيج متكامل يهدف إلى إخضاع المنطقة كلياً واستثمارها سياسياً واقتصادياً…

التطبيع في ميزان استراتيجية العدو الصهيوني تجاه المنطقة

جوهر التطبيع -كما مرّ-هو إحداث تغيير على الجانب العربي والإسلامي، على أن يبدأ هذا التغيير بالتسليم بوجود “إسرائيل” كدولة يهودية في المنطقة، ويمتد إلى تقييد قدرات العالم العربي العسكرية وتغيير معتقداته السياسية، وإعادة صياغة شبكة علاقاته، إضافة إلى تحقيق مطالب أمنية وإقليمية، وصولاً إلى تغيير المواقف تجاه هذا الكيان، بصورة جذرية.

وبقدر ما يبدو التطبيع في ذاته هدفاً من أهداف الاستراتيجية الصهيونية لتحقيق أهداف العدو في المنطقة فإنه أيضا يعد أداة من أدواتها في العمل، ويتكامل مع أدوات العمل الأخرى من عسكرية ودبلوماسية، فالعمل العسكري مهما كانت طاقاته وقدراته يبقى عاجزاً عن تحقيق جزء هام من الأهداف الحيوية للحركة الصهيونية.

فهو مثلاً عاجز عن تحقيق إدماج “إسرائيل” في المنطقة، وعاجز عن تلبية احتياجاتها المنظورة لمصادر المياه، كما أنه عاجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي، وهذا ما تتكفل به الاستراتيجية الإسرائيلية للتطبيع.

عقبات أمام التطبيع

يقول الكاتب الصهيوني ألوف هارايفن إن هناك أربع عقبات صعبة أمام التطبيع وأهمها الموقف الثقافي والعقائدي للعرب وللإسلام تجاه “إسرائيل” واليهود، والحل يستدعي الاعتماد والارتكاز على ضرورة وجود برامج مركبة في المجال التعليمي الثقافي، بهدف تفتيت الملامح السلبية للجانب الآخر، وأن تقام برامج ذات موقف متزن ايجابي، وأحد الأسس الحيوية لبرنامج كهذا هو الفحص الشامل والتغيير الكامل للبرامج التعليمية ولكل ما في المدارس.

التطبيع الذي يريده الكيان الصهيوني مع العرب

التطبيع الذي يريده الكيان الصهيوني مع العرب يقوم على بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية، والتطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين وحقه في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق، والتطبيع في هذه الحالة يصل إلى الخيانة العظمى.

من خلال استعراض مراحل الصراع العربي الصهيوني نجد أن الكيان الصهيوني هو الذي أصر على تطبيع العلاقات مع العرب، وأن سياسته نحو الحرب أو نحو السلام تركزت أساساً على التطبيع باعتبار أنه الضمان الرئيسي والأساسي لبقاء الكيان الصهيوني في المنطقة. لقد أراد الكيان الصهيوني إقامة علاقات اعتيادية مع العرب بحيث يقبلها العربي على أنها جزء من المنطقة ولا يضع وجودها أو حقها فيه موضع تساؤل. فالعلاقات الاعتيادية لها درجات صعود وهبوط لكنها تبقى تدور ضمن منطق الحياة السياسية وليس ضمن منطق عدائي يستهدف فيه طرف وجود الطرف الآخر. التسليم بوجود الكيان الصهيوني يكفيها هاجس الزوال ويصب ضمن منطق دفاع الغير عن وجودها واستمرارها ويضمن لها الاطمئنان بان العرب لن يحشدوا التاريخ القديم لصياغة سلوكهم الحالي، حيث يتحول الماضي إلى مجرد ذكريات لا سبيل لها للتدخل في الحاضر أو المستقبل.

تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني لا ينطوي على مجرد إقامة علاقات اعتيادية معها كما هي العلاقات الاعتيادية بين دول عالم غير المتنازعة، وإنما يدخل في عمق الذات العربية والإسلامية وله انعكاسات ذاتية وجماعية ذات صبغة حضارية وتاريخية. أنه ليس تطبيعا بمعنى إقامة علاقات لم تكن موجودة أصلا كإقامة علاقة بين مصر ونيبال أو بين دول الجزيرة العربية وبيرو، وإنما بمعنى مراجعة تاريخ طويل وإعادة النظر في أبعاد تاريخية وحضارية ودينية. وهو لا ينطوي على مجرد مصالح متبادلة أو مشتركة تعود بمنافع مادية على طرفين، وإنما يشمل الوعي بالذات والقراءة العربية للتاريخ والهوية والأصول.

التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس له أي بعد حضاري

التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس له أي بعد حاضري، فهو مجرد شعار مرحلي يهدف إلى تخطي مرحلة العجز العربي حتى تنفرج الأمور وتتغير الأحوال، وإنما يتغلغل في وعي الإنسان بعجزه لتجذيره كحقيقة لا يمكن تجاوزها أو التغلب عليها. وكأنه يخاطب العقل العربي والنفسية العربية قائلا:" إن العجز قد أحاط بالعرب وهو واقع بل قدر لا مفر منه وأنه لا مجال أمامهم سوى الاستسلام له وتوريثه لأبنائهم ليصبح مكونا تربوياً لا تتمرد عليه الأجيال. إنه الترجمة العملية لترسيخ الهزيمة في النفس العربية بما يتضمنه ذلك من شروط القبول غير المتردد بالهزيمة"، وهذا المفهوم تحقق عند الأنظمة والحكام ولم يكن له أي بعد لدى الإنسان العربي الذي بقي ولا يزال صامداً أمام توغل واستبداد حكامه وأمام العدو الصهيوني.

الكيان الصهيوني تجاوز مفهوم التطبيع مع الإنسان العربي

المفروض أن يشمل التطبيع مراجعة لمفاهيم الصراع ولفهم التاريخ والأسس الدينية، الخ. أي يجب أن يكون عملية قلب جذرية للنظرة العربية والإسلامية تجاه الكيان الصهيوني بحيث ينشأ عربي مسلم جديد بمفاهيم جديدة تنسف كل ما سبق بخلفياته وحيثياته. وان لم يكن التطبيع كذلك فان جذور بروز الصراع من جديد تبقى كامنة حتى يحين وقت انبثاقها. فإذا كان للصراع أن يدفن نهائيا فانه لا بد من نسف الأصول والمنابت وأسس تشكيل الشخصية العربية الإسلامية. وعليه فان التطبيع يجب ان يكون منهاجا حياتيا جديدا ومبرمجا بطريقة مؤثرة تخلق قيما تربوية وأخلاقية جديدة متناسبة مع المرحلة وتشكل أساس المستقبل، وهذا ما لم تتمكن الأنظمة العربية المنبطحة والكيان الصهيوني من فعله، مما دفع الكيان إلى الاكتفاء بالتطبيع مع الأنظمة والحكومات.

آليات التطبيع التي يريدها الكيان الصهيوني

ضمن هذا الإطار العام رأى الكيان الصهيوني أن الضمان الأهم لاستمرار وجوده هو أن يكون مقبولاً من قبل العرب والمسلمين كجزء لا يتجزأ من المنطقة وأن يتم التعامل معه كدولة لها الحق في الوجود والعيش بسلام وفي علاقات اعتيادية مع الآخرين كأي دولة أخرى في المنطقة. ولهذا عمل الكيان الصهيوني منذ قيامه نحو البحث عن وسائل انفراج مع العرب وإقامة علاقات غير عدائية بل واعتيادية معهم. وقد تركز جهدها على الشارع العربي، على الإنسان العربي العادي لأنه هو الباقي وليس الحاكم. ورأى الكيان الصهيوني أن قبوله كدولة في المنطقة من قبل القادة والحكام والزعماء العرب لا يكفي كضمان لاستمرارها بسبب عدم استقرار الحكم في الوطن العربي وعدم قدرة القيادات على تحقيق استمرارية بدون قوة المخابرات والبنادق والسجون. فالقبول من قبل هؤلاء يتهاوى مع تهاوي زعاماتهم وحكوماتهم، ومن السهل أن يقلب القبول إلى رفض إن لم يكن الشعب قد سار في ركب القبول.

الجامعة العربية وموقفها من التطبيع

التاريخ الدبلوماسي لـ"أبو الغيط" مملوء بالكوارث العربية وعلاقته الوطيدة بالكيان الصهيوني حيث يعتبر "أبو الغيط" من أهم الأدوات التي كان يستعملها "مبارك" - الكنز الاستراتيجي للكيان الصهيوني-، وعداوته الشديدة للفلسطينيين وخصوصاً حركات المقاومة حيث هدد الفلسطينيين بكسر أرجلهم إذا اقتحموا الحدود مرة أخرى، وأخيراً كان.

نحن إذن أمام عهد جديد للجامعة العربية لن يكون أحسن من قبل، بل سيكون أسوأ مما كانت عليه، بفضل أمينها العام الجديد وما يمتلكه من علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن أعضاؤها يرون فيها ما هي إلا منتزه لبعض مسئوليها، ومن ثم فإننا أمام جامعة تحتضر أمام قضايا الوطن العربي وهي تقف مشلولة الأيدي في مواجهة مخاطر الأمة العربية الحقيقة، وفى المقابل تُضخ فيها دماء جديدة من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني والعمل على تحويل ذلك العدو الأول للشعوب العربية إلى الصديق الحميم الذي ينبغي أن تكون العلاقات معه في أحسن حال، وهكذا فإننا سنكون أمام جامعة للتطبيع العربي وليس جامعة للدول العربية. 

حجة المطبعين في ضرورة التطبيع على العداء المشترك لإيران

تقوم هذه الحجة الداعية لضرورة التطبيع الصريح مع الكيان الصهيوني على تقدير وجود مخاوف استراتيجية مشتركة بين العرب والكيان الصهيوني، وغالبًا ما يستخدم الخطر الإيراني كمستند لهذه الحجة. فتدخل إيران في الشؤون الداخلية لعدة دول عربية ومشاركتها الأنظمة الطائفية في ذبح أهل السنة والجماعة في سورية والعراق واليمن، والعداء التاريخي بين حكام الخليج وإيران؛ الذي يوحي بانطباع على وجود وحدة في المصالح بين الحكومات العربية والكيان الصهيوني، والوقائع على الأرض نوحي أن العداء بين الكيان الصهيوني وإيران هو عداء وهمي ومصطنع.

الخطر الإيراني وخطر الكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة

ومع التسليم بالتدخل الإيراني الصارخ في الشؤون الداخلية لدول عربية وأن هذا يمثل الخطر الأكبر على هذه الدول، فهذا لا يدفعنا إلى التطبيع مع عدو لا يقل خطره عن الخطر الإيراني، فهذا قدرنا أن تكون إيران والكيان الصهيوني متساويان في الخطر المحدق بنا، وبالتالي فإن هذا الخطر لا يعني بالضرورة أن الخطر الإيراني هو الخطر الأكبر على الوطن العربي بعيداً عن الخطر الصهيوني. إن زعمًا كهذا (كون إيران هي الخطر الأكبر الذي ينبغي أن يقربنا من الكيان الصهيوني) يتناسى الإرث التاريخي لتدخل اسرائيل في المنطقة منذ نشوئها في عام 1948 على حساب الشعب الفلسطيني، ويتناسى صورة دويلة مصطنعة ككيان معتدٍ مولع بالصراع وشن اعتداءات على ثمان دول عربية في فترة زمنية قصيرة هي مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والسودان وسورية وتونس. كما أن هذه الحجة أيضا تهمل تأثير الكيان الصهيوني المباشر في عسكرة الدول المحيطة وأثر ذلك على تطورها السياسي والاجتماعي والحضاري والعلمي، فالاستراتيجية للكيان الصهيوني تقتضي الاستمرارية في التفوق العسكري على جيرانها وهذا يجعل الدول المجاورة تعاني في المحافظة على استقرارها الداخلي.

التطبيع مع الكيان الصهيوني يؤذن بنشوء صراعات بين الحكومات وشعوبها 

إن تبني الحكومات العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني في هذا الوقت مؤذنٌ بأخطار على مستوى الاستقرار الداخلي للدول العربية لمصادمة الحكومات بتطبيعها لموقف شعوبها من الكيان الغاصب، كما أنه يعطي شرعيةً للجماعات المتطرفة في المنطقة بادعائها أنها الراعي الوحيد والممثل للقضايا العربية والإسلامية، زد على ذلك أثر التطبيع على عزل الحكومات العربية عن شعوبها وإضعاف قوتها الناعمة وشرعيتها في المنطقة، وبهذا يكون التطبيع قد خدم النفوذ الإيراني وأتاح له مساحة أكبر في الواقع أكثر من تقديمه لأي أهداف استراتيجية أو مكاسب مع التحالف مع الحكومة الإسرائيلية.

التطبيع الناعم خطر خفي على القضية الفلسطينية 

في أحيان كثيرة يزعم الزوار للأراضي الفلسطينية بدعوة من الفلسطينيين أنهم قادمون لدعم مشروع الدولة الفلسطينية أو لزيارة المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، وتسجيل الحضور الإسلامي في تلك المناطق، وهذه حجج واهية. فهؤلاء الزوار الذين لا صلة لهم بالهوية الفلسطينية ولا الجواز الفلسطيني تتاح  لهم حرية التنقل داخل الأراضي الفلسطينية لا يتمتع بها الفلسطينيون أنفسهم. وتتيح لهم حكومة الكيان الصهيوني التنقل في الأراضي التي تسيطر عليها، وفتح هذا المجال للزوار العرب للأراضي المحتلة يمهد لسوابق خطيرة، كما أنه لا سبيل للتأكد من أهداف هؤلاء الزوّار الذين يزورون تحت مسمى التضامن والتعاطف مع القضية.

حجة تسجيل الحضور الإسلامي 

صحيح أن الحضور في الأقصی آخذ في التراجع، لكن ذلك لا يعود إلى ضعف الوجود الإسلامي داخل فلسطین، بل إلى سياسة منظمة للكيان الصهيوني لخنق المدينة القديمة في القدس وتهويدها. ولا تشكل زيارات المسلمين من العرب، أو من جنسيات أخرى، أي فارق يذكر، لأن تلك الزيارات فردية، ولا تتعدى كونها تضامنا رمزيا، لا يعالج أو حتى يواجه سياسات الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، بل ما يحصل أن تلك الزيارات تضفي شرعيةً لسيطرة الكيان الصهيوني على المساحات الإسلامية. وللتوضيح، لا شيء يحدث من دون موافقة الكيان الصهيوني في فلسطين، ما يعني أن سلطات الكيان الصهيوني لن تقبل زيارات عربية أو إسلامية إلى الأقصى، إذا لم تستفد منها بطريقة أو أخرى. ويجب أن يقود ذلك أي شخص عاقل إلى أن هذه الزيارات والخطوات تحصل بتساهل، وأحيانا تعاون، صهيوني يحجب أهدافا أخرى شائنة.

الوجود الإسلامي الحقيقي في الأقصى يقوم على دعم المقدسيين

إذا كان العرب، أو غيرهم من المسلمين، مهتمين بـ "الوجود الإسلامي" في المناطق ذات البعد والرمزية الدينيين في فلسطين، فيمكنهم المساعدة من خلال دعم حملات إبقاء المقدسيين في منازلهم، أو عن طريق تمويل عمليات تجديد هذه المواقع الدينية وإصلاحها، أو عدد من الاستراتيجيات الأخرى البديلة التي تغني عن الزيارات الرمزية غير المجدية للأماكن المقدسة.

على سبيل المثال، توجد منظمات عديدة غير حكومية، مثل جمعيتي التعاون ومركز برج اللقلق المجتمعي ومؤسسة داليا التي تعمل على تنمية أرصدة مختصة للقدس وبرامج تساعد مباشرة على إبقاء العائلات المقدسية في منازلها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والتهديدات الاستيطانية، بالإضافة إلى برامج أخرى مصممة لمساعدة الفلسطينيين في كفاحهم ضد المشروع الصهيوني. يشكل التبرّع لهذه المنظمات إذا بديلا مناسبا للزيارات الرمزية التي تفتح المجال أمام التطبيع مع العدو الإسرائيلي".

حكومات التطبيع عليها أن تدرك الخطر الذي سيحدق بها

على الحكومات العربية المختارة للتطبيع أن تدرك خطر قصور هذه السياسة واحتمالية أثرها العكسي من خصومها الإقليميين ومن شعوبها. ففي الوقت الذي أصبح فيه الكثير من الفلسطينيين متعبين من حالة العزلة ومحاولة التواصل مع أشقائهم من العرب؛ فإن سياسة التطبيع مؤذنة بتعزيز منزلق خطير لهذا الشعور، بإغفالها نتائج المدى البعيد لهذه السياسة بإتاحة الفرصة لأولئك الفلسطينيين الذين لديهم نيّات شائنة بالتعامل مع الصهاينة والمؤسسات الصهيونية. هذه المشاركة والتعامل سواء كانت بوعي أو بغير وعي هي اعتراف فعلي بسياسات الكيان الصهيوني وأسسه الأيديولوجية. 

إن خيار التطبيع ليس خيارًا بعيد المدى حتى لدور السلطة الفلسطينية، فسياسة التطبيع تكسر الحاجز النفسي لدى العرب في التعامل مع الأراضي المحتلة في ظل بقاء المحتل، وقد تؤدي لاحقًا إلى تجاوز الحاجز النفسي في التعامل مع المحتل ذاته وإهمال حقوق الشعب الفلسطيني.

أخيرًا، من المرجح أن يمنح التطبيع الولايات المتحدة ذريعة لتقديم مبادرات سلام أكثر جورًا للفلسطينيين. فالإدارة الأمريكية ترى التطبيع كقبول تام من الحكومات العربية للكيان الصهيوني (وهذا ما وجدناه لمبعوثي دولتي التطبيع مع نتنايهو) على حساب الفلسطينين، خاصة في ظل تفاقم الموقف العدائي للحكومة الأمريكية الحالية ضد الفلسطينيين. وستمهد سياسة التطبيع للحكومات العربية لصناع القرار الأمريكي تبني حلول مناسبة للإسرائيليين فحسب. 

ماذا تبقى للدول العربية لمفاوضة الكيان الصهيوني؟

لم يبق للحكومات العربية من أوراق المفاوضة مع العدو الصهيوني سوى رفض التطبيع، وبتطبيعهم يكونون قد أعلنوا عن تخليهم التام عن القضية الفلسطينية بشكل رسمي، في الوقت الذي يؤمن فيه ثلاثة أرباع الشعوب العربية بأن القضية الفلسطينية هي قضيتهم الأم، ويتركون الفلسطينيين في موقف أضعف على طاولة المفاوضات مما يقود إلى زيادة التعنت والعدوان الصهيوني، أو التوصل إلى حل غير مقبول وغير قابل للاستمرار للنزاع. وبالتالي، فإن التطبيع لا يؤدي إلا إلى تصعيد الصراع الصهيوني الفلسطيني، الذي يبشر بضعف جميع الأطراف المعنية.

موقف الجماهير العربية من التطبيع

من المؤسف أن تكون ردة فعل الجامعة العربية على معاهدتي التطبيع التي أبرمتها كل من الإمارات والبحرين رفض المشروع الذي تقدمت به الحكومة الفلسطينية بإدانة الاتفاقيتين ورفض المشروع من أساسه، ولكن هناك موقفاً مشرفاً للجماهير العربية التي أجمعت على رفض التطبيع مع العدو الصهيوني وإدانة صارخة للدول المطبعة ووصمها بالخيانة العظمى.

فقد قمت الجماهير التونسية بوقفة احتجاجية يوم الثلاثاء يوم التوقيع على اتفاقيات التطبيع أمام سفارة الإمارات في تونس، رافعة لافتات كتب عليها التطبيع خيانة عظمى.

المخيمات الفلسطينية شمالي لبنان تشهد يوم غضب شعبي احتجاجا على خيانة التطبيع الاماراتي البحريني مع كيان العدو الاسرائيلي.

يوم غضب شعبي يعم الأراضي الفلسطينية رفضا لاتفاقية التطبيع بين البحرين والإمارات وكيان العدو الصهيوني.

نددت جماعة الإخوان المسلمين المصرية بقرار دولة الإمارات إقامة علاقات متكاملة مع إسرائيل، مؤكدة أن "التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة".

كما أكدت أن "هذا القرار يُعد خيانة للقضية الفلسطينية وللقدس والمسجد الأقصى، وإهدارا لدماء الشهداء الذين ضحوا -وما زالوا يضحون– على امتداد العقود الماضية في سبيل تحرير بلادهم، كما أنه يُعد تفريطا صريحا في حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية".

وشدّدت جماعة الإخوان على موقفها المبدئي الرافض للتطبيع مع "الكيان الصهيوني المحتل من أي دولة عربية أو إسلامية، وبأي صورة من الصور وفي أي مجال من المجالات"، معتبرة أن أي توجه في هذا الصدد يمثل "خيانة للقضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى".

ولفتت جماعة الإخوان إلى أن "قضية فلسطين كانت -وما زالت-قضيتها الأولى"، مؤكدة على "الحقيقة الثابتة، وهي أن فلسطين، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى، أمانة في عنق كل مسلم، وأن تحريرها مسؤولية كل المسلمين وكل الأحرار حول العالم، وليس لأحد الحق في التفريط في ذرة من ترابها".

كما أعلنت "الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع" (مع إسرائيل)، رفضها افتتاح سفارة لتل أبيب في أبو ظبي.

وقالت الرابطة (شعبية مستقلة) في بيان نشر عبر موقعها الإلكتروني، إنها "تعرب عن أسفها الشديد إزاء إعلان السلطات الإماراتية بدء العمل على فتح سفارة إسرائيلية في قلب الإمارات خلال الأشهر القليلة المقبلة".

وأضافت أن "هذه الخطوة تمثل طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يعاني من انتهاكات لا تتوقف على يد الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة".

المصدر

*الوحدة الإسلامية-نيسان2016 

*الجزيرة نت-8/6/2017

*جماعة العدل والإحسان-16/4/2005

* الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع-6/9/2020

*عربي 21 -18/8/2020

*وكالة القدس للأنباء-16/9/2020

*الوفاق أونلاين-16/9/2020

وسوم: العدد 895