بعد أن ابتلعت الإمارات اقتصاد مصر.. لماذا يهدد التطبيع مع إسرائيل قناة السويس؟

يثير اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل مخاوف من أن تصبح قناة السويس المصرية أول ضحاياه، في ظل الحديث عن مشاريع جيوستراتيجية تجمع بينهما، تستثني وتهمش المجرى الملاحي المصري، لتبقى القاهرة أمام سيناريو مفزع عززه التلويح مؤخرا بورقة المصالحة مع أنقرة، الخصم الإقليمي لأبو ظبي وتل أبيب.

ووفق تقارير صحفية غربية وإسرائيلية، تناقش أبو ظبي وتل أبيب إحياء خط أنابيب يتجنب المرور بقناة السويس، ويمتد من أبو ظبي -مرورا بالأراضي السعودية- إلى ميناء إيلات في خليج العقبة بالبحر الأحمر (على الحدود المصرية)، ومنه إلى ميناء أشكلون بالبحر المتوسط.

وكان من الممكن لمصر أن تقف عائقا أمام هذه المشاريع، لولا تخليها عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، واللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة وميناءي العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل، وتقعان على امتدادٍ يتسم بأهمية إستراتيجية، ويمثل طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر.

وتتذرع إسرائيل في تسويق خط الأنابيب المزمع تدشينه مع الإمارات، بأن الطريق البحري المار من بحر العرب ومضيقي هرمز وباب المندب مرورا بقناة السويس في البحر الأحمر، بات أكثر كلفة ماديا وأمنيا في ظل المناوشات العسكرية في اليمن وانتشار عمليات القرصنة، حسبما أفادت مجلة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية منتصف الشهر الجاري.

مخاوف مصرية

ومما يعزز من مخاوف التطبيع أيضا، حديث رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع عن أن القناة أصبحت أمام تحديات وجود منافس بري أقل كلفة، وتأكيده أن الخط "من الممكن أن ينقل النفط إلى أوروبا.." وأن هناك ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي المصري.

ورغم تأكيده وجود "تداعيات محدودة"، فإن ربيع أبدى تخوفه من تركيز البضائع الخليجية في يد إسرائيل، قائلا: "نراهن ونعتمد على العروبة في أن تكون التجارة البينية مع إسرائيل قائمة على عدم التأثير على قناة السويس بشكل كبير".

وكانت مصر قد أنفقت 8.5 مليارات دولار عام 2015 لإنشاء تفريعة جديدة للقناة، غير أنها لم تحقق الوعود التي أطلقها السيسي، بخلاف شرعنة التغلغل الإماراتي في مفاصل الاقتصاد المصري وخصوصا المشاريع الإستراتيجية في محور القناة.

وفي الآونة الأخيرة، عادت ورقة المصالحة المصرية التركية إلى الواجهة، في ظل خفوت حدة الخطاب بين البلدين والحديث عن تنسيقات مخابراتية رفيعة قد تتطور إلى آفاق سياسية مفتوحة، عززها تغيير حسابات القوى على الأرض في ليبيا وشرق المتوسط، إضافة إلى الخطى المتسارعة في ملف التطبيع مع أكثر من بلد خليجي، وفق مراقبين.

أهداف وأبعاد التطبيع

المحلل السياسي الأردني جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (مقره عمان)، أشار إلى أن إسرائيل تستهدف قناة السويس عبر تواصلها المباشر بريا وجويا مع دول الخليج وموانئها، ضمن أهداف جيوستراتيجية واقتصادية وأمنية وسياسية بضغط أميركي، لا تستبعد محاصرة الفلسطينيين الأردنيين للقبول بصفقة القرن وخطط الضم الإسرائيلية.

وفي حديث للجزيرة نت، حذَّر الحمد من أن تفعيل المشروع الإسرائيلي الإماراتي قد يتسبب في خفض حركة التجارة العالمية التي تمرّ عبر قناة السويس، وإمكانية أن تصدّر دول الخليج النفط عبر الأنابيب عن طريق موانئ إسرائيلية (منها عسقلان) على البحر المتوسط إلى أوروبا وأميركا، فضلا عن أن البلدين قد يتفقان على اعتبار دبي محطة وسيطة لنقل البضائع الصينية والآسيوية إلى أوروبا وأميركا ثم عبر الموانئ الإسرائيلية أيضا.

 أوراق مصرية

ولتجنب السيناريوهات الكارثية على مصر، دعا الحمد القاهرةَ إلى أن ترفض مسار التطبيع وتتخوف منه كثيرا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، مشيرا إلى أن لديها عدة أوراق لرفض هذا المسار، أولها "تطوير وتفعيل علاقات أفضل مع غزة وحماس من جهة، ومع السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وتشجيعهما على الاتفاق والوحدة، ودعم موقف الفلسطينيين ضد صفقة القرن ومخطط الضم".

وأضاف أن "مصر تملك توثيق التنسيق المصري والأردني والعراقي -باعتبارها دولا متضررة- لمواجهة هذا التحول، كما حصل بشكل محدود في عمّان الشهر الماضي (في إشارة إلى القمة المصرية الأردنية العراقية في عمّان)".

ودعا الحمد مصرَ إلى "القيام باستدارة شجاعة ومهمة في تطوير علاقاتها مع تركيا، لحل الأزمة الليبية وتطوير استثمارات أنقرة في القاهرة، خصوصا أن هناك توجها تركيا إستراتيجيا لذلك، وأن تسهم في سرعة إنهاء الأزمة السورية بالتعاون مع تركيا وإيران وروسيا والعراق والأردن في وقت واحد".

كما تملك مصر -وفق الحمد- أن "تنشئ هيئة تنسيقية للطاقة والغاز مع كل من الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا، بموازاة منظمة شرق المتوسط، حتى تملك حرية أكثر في اختياراتها، وحتى لا تظن إسرائيل أنها قادرة على تحجيم وإضعاف ومحاصرة دورها القيادي في المنطقة".

تقارب استخباراتي

بدوره، حذَّر الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي من السياسات الإماراتية "الخالية من البعد القيمي، بعد انهيار المنظومة العربية ومجلس التعاون الخليجي".

وقال في حديثه للجزيرة نت إن "اتفاق التطبيع مع إسرائيل لم يكن إلا قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته تقاربا استخباراتيا كبيرا بين الإمارات والكيان الصهيوني، يمتد إلى التنسيق في ملاحقة الناشطين والحركات الاجتماعية في العالم العربي، بخلاف تخريب مشاريع الموانئ الإقليمية التي استحوذت عليها، سواء في جيبوتي وإريتريا والصومال والتدخل في اليمن، وغيرها، من أجل الحفاظ على شركة موانئ دبي من المنافسة".

وأضاف أن "دعم الانقلاب العسكري في مصر من جانب الإمارات جاء بعد أن عبّرت حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي عن مشاريع تنمية سيناء، ومنها مشاريع لوجستية لخدمة السفن في منطقة قناة السويس".

خط التابلاين

وحذر الزواوي من تداعيات التطبيع الخليجي الإسرائيلي على مصالح مصر، وأوضح أنه "يمكن للسعودية كذلك أن تدخل على الخط ذاته بإعادة تشغيل خط تابلاين (الأطول عالميا لنقل النفط) بتقليل تكلفة النقل ولو على حساب مصر".

وخط التابلاين يمتد من ساحل الخليج العربي بالسعودية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتوقف تصدير النفط من خلاله بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان (عام 1990)".

وزاد الزواوي بالقول إن "إسرائيل ذاتها تخطت مصر في اتفاقها مع اليونان وقبرص وإيطاليا (مطلع 2020)، من أجل عمل مشروع خط أنابيب شرق المتوسط بتجاهل مصر التي كانت تهدف إلى أن تكون معبرا لغاز شرق المتوسط بتسييله وتصديره إلى أوروبا".

وعزا المحلل السياسي المصري وجود حوار استخباراتي مصري تركي، إلى أن "هدف مصر الآن هو كسر العزلة التي فرضت عليها عن طريق تصدير الغاز إلى ميناء جيهان التركي، ومن ثم إلى أوروبا، وهو الطريق الأقل تكلفة على القاهرة، حيث إن بنيته التحتية موجودة من مدينة العريش المصرية وحتى ميناء بانياس في السوري".