التوظيف السياسي لجائحة كورونا الرئيس الأمريكي نموذجا

تابع العالم يوم أمس على القنوات الفضائية العالمية مسرحية حقيقية بطلها الرئيس الأمريكي المصاب بفيروس كوفيد 19 ، وركحها ما بين المستشفى الذي كان يرقد فيه وبين البيت الأبيض ، والممثلون عبارة عن أطباء، وممرضون أوممرضات، وحرس شخصي عتيد ، وسيارات  فخمة سوداء اللون من أحدث طراز مضادة للرصاص ، ومع ذلك أفلت منها الفيروس اللعين  ، والمروحية الرئاسية الشهيرة ، ووفد رسمي مصاحب ، وجمهور محيي رفع عقيرته متمنيا لبطل المسرحية فترة رئاسية جديدة وصحة وعافية  .

 وبعد ركوب السيارة مغادرا المستشفى  ترجل الرئيس بالقرب من المروحية ،ومشى نحوها الهوينى  بزهو وكبرياءرافعا إبهاميه للتعبير عن حالته الصحية الجيدة ،  ولعله نسي إشارة النصر بالسبابة والوسطى تجنبا لدلالتها على نصر المقهورين والمظلومين وهو صاحب سطو وسلطان لا يليق  ذلك بمقامه ، ولعله استغنى عن تلك الإشارة  ب آخر تغريدة  له على التوتير قبيل تحركه  مفادها أنه انتصر على الوباء ، وأنه تعلم من فيروس كورونا ما لم  يكن يعلم . وطارت المروحية به بتؤدة صوب بيته الأبيض مصحوبة بمروحيات أخرى  منها الحارسة ، ومنها المصورة بغرض الإشهار أو لنقل في إطار الحملة الانتخابية في الجو ، وهو ما لم يخطر لمنافسه الديمقراطي على بال .

واختلفت وسائل الإعلام في وصف هذه المسرحية ما بين  ممتدحة مشيدة ببطولة بطلها ، وبين منتقدة له وقد  تحدى الطب والأطباء، وغادر المستشفى قبل موعد الحجر المحدد للمصابين بكوفيد 19  ما بين أسبوع وأسبوعين حيث اكتفى بأربعة أيام سواء للسائلين مع أنه كان خلالها يباشر مهامه كالمعتاد حسب وسائل الإعلام دائما.

وعلى اختلاف وسائل الإعلام في الحكم على المسرحية ، فإنهم أجمعوا على  أن القضية قضية توظيف سياسي لجائحة كورونا ، علما بأن التوظيف السياسي لها أخذ أشكالا مختلفة لدى ساسة العالم أوله وثالثه . ولم يتوقع أحد أن يحصل توظيف  لها مثل توظيف الرئيس الأمريكي الذي أعجله موعد الانتخابات الرئاسية القادمة شهر نوفمبر ، وهو أحرص ما يكون على الفوز فيها بفترة رئاسية ثانية لإفحام خصمه الديمقراطي ، والفترة فترة حملة انتخابية شرسة لا يصلح فيها  الظهور بالضعف والخور أمام خصم  عنيد متربص به  .

ولعل الرئيس الأمريكي قد فكر جيدا في توظيف إصابته بفيروس كورونا، فذهب أبعد ما يكون في توظيفها حيث اكتسب أولا تعاطف المتعاطفين معه حين إعلان إصابته ، واكتسب  تعاطفهم مرة أخرى حين تحداها ،و تحدى الطب والأطباء . ولا ندري أولا هل  إصابته حقيقية أم أنها مجرد مسرحية  ، ثم لا ندري هل ستكون له  في حملته الانتخابية أم أنها ستكون عليه ؟  ومن غير المستبعد أن يعلن الرئيس الأمريكي أنه أول من جرب عليه دواء كورونا المنتظر في المعمور بلهف ، وبذلك ستنطلق صفقة تسويق التلقيح التي ستدر دون شك أرباحا طائلة  بمليارات الدولارات ، ولا ندري ما حجم مشاركته في الصفقة وهو مقاول حذق  قبل أن يكون زعيما سياسيا  فوق المعتاد.  وما اجتمعت  الخبرة المقاولاتية والابتداع السياسي غير المسبوق في شخص إلا وكان حديث الألسنة ومثار اهتمام العالم .

ولا ندري هل سيحاكي زعماء سياسيون آخرون الرئيس الأمريكي في مسرحيته الكورونية لتوظيفها كل حسب ما يروم  من مصالح داخليا وخارجيا ؟

وفي الأخير نقول إن كورونا الكاشفة للمخبوء في كل المعمور ستزيد لا محالة الكشف عما بقي منه  مخبوء حد لا يبقى بيت وبر ولا مدر إلا علم ما لم يكن منه معلوما.

وسوم: العدد 897