هل بدأ بشار الأسد حملته الانتخابية 2021م

أكثر من التواصل مع القنوات الروسية - زار بعض القرى المحترقة .. كثّف بشار الأسد في الأيام الأخيرة تواصله مع قنوات روسية عدة منها زفيزدا- ونوفوستي - وسبتونيك ..

والمؤدى في الحضور واحد . والكلام مكرور . وربط البعض في البداية تكثيف هذه اللقاءات بوجود وفد اقتصادي أسدي في روسية ، يجري مشاورات للحصول على تسهيلات تتجاوز العقوبات الأمريكية أو تزيد . ولاسيما حين قال الأسد في إحدى المقابلات : ويسألوننا : لماذا لا تطلبون القروض من روسية ، وأجيب : لا نطلب القروض لأننا غير واثقين من قدرتنا على الوفاء بالالتزامات. أمانة وشرف ووفاء . وعلق بعض المتابعين يومها : إذا كان بشار الأسد لا يطلب القروض فماذا تبقى لديه من حاضر سورية ومستقبله ليبيعه؟؟

إلا أن التمعن أكثر في سياق المقابلات ، والرسائل التي تحف بها ، واستعداد زمرة الأسد لاستقبال وفد أمريكي لاستعادة رهينة لهم هناك ؛ كل ذلك جعل المستشرفين يرون في نشاط بشار الأسد اللفظي الجديد جزء من حملة انتخابية مبكرة بين يدي انتخابات 2021 .. ولا سيما أن بشار الأسد مرر في هذه المقابلات العديد من الرسائل التي تخص هذه الانتخابات وتخص غيرها..

وازدادت أبعاد هذه الحملة وضوحا ، بعد أن قام بشار الأسد بالأمس بزيارة للمناطق المنكوبة بالحريق فأثبت الحضور . وأطلق الوعود . وتعهد بالحماية والرعاية والتعويض . سلوك جديد لم يعهد منه على صعيد تاريخي من قبل، منذ انهيار سد زيزون .

بشار الأسد في حديثه مع وسائل إعلام روسية متعددة يزعم أن نقطة التحول في ميزان الواقع السوري تمت في 2013 وليس في 2015 كما يقول الروس . ففي أي اتجاه كانت هذه الرسالة ، هل كانت باتجاه الحليف الإيراني ، الذي غمطه الروسي والأمريكي حقه ، أو باتجاه الحاضنة التي باتت تشكك بقدرة بشار الأسد حتى على إطفاء حريق في غابة !!!

وينفي بشار الأسد في مقابلاته وجود قوات إيرانية على الأرض السورية . ويتحدث فقط عن مستشارين ، وهي رسالة تحاول في الوقت نفسه إثبات الذات والدور ، وإسكات مطالب الأصدقاء المأمولين . يعلن بشار الأسد " لا قوات إيرانية في سورية " في الوقت الذي يتم فيه تغيير أسماء العديد من الشوارع في مدينة الميادين السورية لتحمل عناوين : الخميني - قاسم سليماني - أبو الفضل العباس . وتقدم مسرحية " الشمس تشرق من حلب" على مشارف السيدة زينب ، بممثلين سوريين في تمجيد أهل الرفض ، وذم الأمويين .. !!

ثم بشار الأسد في مقابلاته لا يرى فائدة في اللجنة الدستورية ، ولا في مسارات جنيف . ويقول إن الإصلاحات استحقاق سوري وسوف يلبيه هو ، وهو بذلك يحاول أن يعلن عن فجوة كاذبة بين موقفه وموقف الروس ، ويفعل الشيء نفسه بالنسبة لمصير مناطق الشمال والشرق . محاولة إثبات دور وإثبات وجود في مواجهة مستقبل انتخابي ما يزال غامضا عند الكثير من الناس في الخارج والداخل ، وحتى عند الحاضنة التي تسجد عند كل الأبواب..

وعن مدة بقاء الروس في سورية

يقول بشار الأسد إن بقاء الروس في سورية استراتيجي وطويل ، ويلبي مصالح كل الأطراف . وبكل تأكيد تنص الاتفاقات المبرمة على خمسين عاما ، قابلة للتمديد لمدة 25 عاما أخرى . فالحديث على ما يبدو إلى نهاية القرن الحادي والعشرين ..

وبينما أعلن الروس تكرارا أن الحرب في سورية قد انتهت ، يعلن بشار الأسد أن الحرب ما تزال مستمرة ، وأن أمدها سيكون طويلا . وأن نهايتها ستتأكد بخروج الأمريكيين ، والأتراك من سورية . ويهدد الوجود الأمريكي بالمقاومة الشعبية . كالتي حرر بها هو وأبوه الجولان من قبل ..

يرسل بشار الأسد رسائل الغزل إلى الكيان الصهيوني في أكثر من سياق : مستعدون للعودة إلى طاولة المفاوضات ..

وبينما تعلن القوى الانفصالية العميلة لأمريكا شمال سورية الشرقي أنها على تواصل تام مع بشار الأسد ، ما يزال الآخر يتظاهر بغلاء المهر . وأنه لن يقبل إلا بشروط للتسوية يراها الآخرون مذلة ومهينة ..

في حصيلة ما نرى في المشهد فإن العالم أجمع قد تجاوز مرحلة التعامل مع الثورة السورية والمعارضة السورية والاعتراف اللائق بها ..

والاستراتيجية الجديدة للعالم : لينزف هذا الجرح ما شاء ، وعلى الذين تعبوا من التشرد واللجوء أن يجدوا طريقة للعودة إلى ديارهم . ومن واجبهم أن يدفعوا ثمن تمردهم الجماعي بطريقة فردية . ومن لم يتعب منهم هذا العام فسيتعب في العام القادم ، ومن لم يتعب هذا العقد فسيتعب في العقد القادم أو الذي يليه . قوى المعارضة بكامل هيئاتها أصبحت كغطاء مائدة يمكن أن يبسط عند الحاجة ، ,ون يزوى سائر الوقت عندما تنتفي الحاجة إليه . وبكاء الطفل لا يؤرق سوى أمه ، إن كان للمعارضة السورية أم أو أب . صحيح أن الخارجية الأمريكية نصحت الدول ، والعربية منها بشكل خاص ، بعدم التسرع بالتطبيع مع بشار الأسد ، إلا أن عُمان قد فعلت . وثمة دول عربية عديدة لم تقطع علاقتها أصلا ، وبالأمس كان شيخ الأزهر يوجه نداء للدول العربية ، لمد يد العون إلى سورية - ربما يقصد إلى زمرة الأسد - واللجوء إلى شيخ الأزهر لتمرير هذه الرسالة عجيب . وإن كان مضمون الرسالة يشبه كثيرا مضمون رسائل البابا التي لا تميز حقا فيها من باطل .

كانت العرب قد صاغت تشبيها تمثيليا لحياة الذلة والضياع ربما تنطبق على السوريين هذه الأيام فقالت وبقولها نقول : وأصبح السوريون أضيع من الأيتام على مآدب اللئام ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 898