واجب حفظ الدين على كل المسلمين من كل ما يستهدفه

واجب حفظ الدين على كل المسلمين من كل ما يستهدفه سواء  كان من غيرهم أو كان من المحسوبين عليهم وهواهم مع الغير

من المعلوم أن دين الإسلام هو دين نهي النفس عن الهوى ، وهذا الأخير هو المسؤول عن إفساد الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها  لتبديل خلقه.

ودين بهذا الشكل لا يستغرب أن يكون مستهدفا من طرف أهل الأهواء على اختلاف مللهم ونحلهم . ومع أن الله تعالى تعهد في كتابه الكريم بحفظ هذا الكتاب ، وفي حفظه حفظ للدين ، فإنه أوكل إلى المسلمين الأخذ بأسباب هذا الحفظ وحملهم مسؤوليته ، وجعل ذلك دعوة إليه مصداقا لقوله تعالى :

(( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وقال إنني من المسلمين )) ، ففي هذه الآية الكريمة تلازم بين التصريح بالانتماء إلى الإسلام وبين الدعوة إلى الله عز وجل وهي دعوة إلى دينه  ، ولا يتحقق الانتماء إلى الإسلام إلا بالدعوة إليه ، وهي دعوة لها شقان : شق مقول  وشق مفعول ، ولا بد من انسجام بين الشقين ، ذلك أن الذي يدعو قولا ، وينقض دعوة قوله بفعل ينقضها لا يمكن أن  يكون داعية على الوجه  الصحيح .

وإذا كان أغلب المسلمين يمارسون الدعوة بالمقال، فالقلة القليلة منهم هي التي تمارسها بالحال ، وهو أشد تأثيرا في النفوس من المقال لأن الفعل يصدق القول وهو دليل وحجة عليه ، بينما العكس لا يصح .

ولمّا كثر في هذا العصر استهداف الإسلام من طرف أهل الأهواء وهم أخلاط  ، فإنه يتعين على المسلمين واجب حفظه بالأحوال لا بالأقوال خصوصا وأن من يستهدفونه يشككون في الأقوال ، ولكنهم لا يستطيعون التشكيك في الأفعال مهما حاولوا ذلك .

 ومشكلة أغلب المسلمين اليوم أنهم يعيشون انفصاما بين ما يقولون وما يفعلون ، وهم بذلك يساهمون من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون في الاخلال بواجب حفظ الدين ، ويعطون من يستهدفونه فرصا سانحة للتمادي في ذلك بشكل غير مسبوق .

إن العلمانية الغربية وأذنابها المبثوثين في المجتمعات الإسلامية يشنون حملة شعواء على الإسلام لا هوادة فيها ، ولا تسنح لهم فرصة إلا نالوا من الإسلام نيلا. وإذا كان العلمانيون في بلاد الغرب يصرحون بلادينيتهم  ، فإن طوابيرهم الخامسة في بلاد الإسلام ينافقون حيث يصرحون بأقوالهم أنهم ينتسبون إلى الإسلام ولكن أفعالهم تنقض أقوالهم بل حتى هذه الأخيرة  صارت تشهد على نفاقهم المكشوف .

ومع أن العلمانيين سواء الخلّص منهم في بلاد الغرب أو الأذناب في بلاد الإسلام على جهل فاضح بحقيقة الإسلام ، فإنهم يتطاولون عليه ، ويحشرون أنوفهم في قضاياه ، زاعمين أنهم على  دراية ومعرفة دقيقة به ، والحقيقة أنهم كما يقال كمجموعة عميان يحاولون تعريف فيل كل واحد منهم على قدر ما تتحسسه يده ، ويبقى الفيل مجهولا عندهم جميعا .

وما يفعله هؤلاء هو استغلال كل ظرف للنيل من الإسلام مع التمويه على ذلك بأنه لا خلاف عندهم معه بل خلافهم مع من يمارسونه . ولا يوجد عندهم ممارس للإسلام ممارسة حقيقية بل يحشرون جميع من يمارسونه في خانة سوء الممارسة أو انحرافها ليخلصوا في النهاية إلى أن المشكل يكمن في  استحالة الممارسة لعدم واقعيتها .

ومن أساليب النيل من الإسلام عند العلمانيين خلّصا وأذنابا  على حد سواء أنهم يتهمون كل فئة منتسبة إلى الإسلام بأنها تسيء فهم الإسلام مع أنهم يجهلونه  ، ولا يمكن أن يقارن ما يعرفونه عنه مع ما تعرفه عنه تلك الفئات المنتسبة إليه . ومن جهلهم المركب بالإسلام  أنهم يجعلون تلك الفئات واحدة ، ويسمونها بما لا تتسمّى به ، فعلى سبيل المثال يجعلون السلفيين في خانة واحدة مع  الإخوان المسلمين  ، وقد يصفون  كل مسلم  بالسلفي أو الإخواني لمجرد لباس يلبسه أو  لحية يرخيها .

 وما يوقع العلمانيين خلّصا وأذنابا في حيص بيص وهم يصنفون المسلمين كما يشتهون هو أن المسلمين ينهلون من نفس المنهل واحد قرآنا وسنة ، ذلك أن وحدة المنهل يترتب عنها بالضرورة لا جدوى تصنيفهم ، وليس هذا ما  يقصده العلمانيون حين يخلطون بين  السلفيين  والإخوان المسلمين بل قصدهم  هو أن المشكل في المنهل نفسه وليس في الناهلين .

ومما يشجع العلمانيين على تصنيف المسلمين أن هؤلاء يطلقون على أنفسهم أسماء ونعوت توهم بأنهم ليسوا على فهم واحد للإسلام ، وليسوا على تدين واحد وهو خلاف الواقع . وما يجهله العلمانيون من أمر المسلمين أن تلك الأسماء والنعوت إنما أريد بها التعريف لا التصنيف ، ويتعلق الأمر بتعريف أسلوب حفظ الدين ، ذلك أن الذين أطلقوا على أنفسهم نعت السلفيين  حصلت لديهم قناعة بأن حفظ الدين يكون من خلال مجموع أمور أو أحوال مما كان عليه السلف الصالح من قبيل إرخاء اللحى ، وتقصير الثوب منعا لإسباله ... دون تجاوز ذلك إلى ما هو أهم من أمور الدين التي يجب أن تحفظ لحفظه   .

 ومشكلة العلمانيين مع هؤلاء أنهم يريدونهم أن يكون على هيئتهم العلمانية وبهندامهم ،وكأن ما هم عليه من هيئة وهندام هو الأصح والمفروض والواجب ، وذريعتهم في ذلك أن هيئة وهندام السلفيين قد عفا عنهما الزمن وصارا في خبر كان . وعلى غرار موقف العلمانيين من الهيئة والهندام تأتي باقي مواقفهم من أحوال وأقوال السلفيين وهي مواقف تنتهي  في النهاية عند هدف  واحد هو النيل من الإسلام  بشكل مكشوف ،واعتباره دينا ماضويا تجاوزه الزمن واتهامه بالظلامية والقروسطية ... إلى غير ذلك من النعوت القدحية .

أما الفئات الأخرى من المسلمين ، فكل واحدة ترى رؤيتها الخاصة في أسلوب حفظ الدين إما عن طريق الدعوة والتبليغ وفق منهج معين أو عن طريق التربية والتزكية أو عن طريق العمل الجمعوي أو السياسي ... إلى غير ذلك مما تصرح به كل فئة ، دون أن يعني ذلك الاختلاف بينها في النهل من نفس المنهل قرآنا وسنة .

ومهما يكن من أمر فإن اعتقاد كل فئة من تلك الفئات أنها تحفظ الدين على طريقتها  وبأسلوبها لا يعني أنها لا تضطلع بمهمة حفظه بل بالعكس هي تفعل ذلك بالعودة إلى الكتاب والسنة واعتمادهما كدليلين على ما تقوم به ولكنها لا يمكن أن يعتبر ذلك منتهى حفظ الدين بل حفظه يكون بشتى أمور لأنه عبارة عن منهاج حياة بما في الحياة من مظاهر ومن أمور ومن أحوال .

 ومن أخطاء هذه الفئات التي تغري العلمانيين بالنيل من الإسلام أنهم يدعون أن حفظ الدين هو ما هم عليه فقط دون ما هو عليه غيرهم ، الشيء الذي يحمل العلمانيين على الادعاء  بأنه لا يوجد فهم  صحيح للإسلام  ولا ممارسة  صحيحة له  وهو بذلك عندهم أبعد ما يكون عن الممارسة والتطبيق  على أرض الواقع . ومما يزيد العلمانيين إصرارا على ذلك هو تعطيل المجتمعات الإسلامية  أحكاما وحدودا  تحت ضغط المجتمعات غير المسلمة الغالبة  ، فيعطي ذلك  العلمانيين حجة وذريعة يتذرعون بها للجزم بأن الإسلام قد أدى واجبه في عصره ، وأن هذا العصر قد تجاوزه ، وفي ذلك تكذيب واضح لعالميته المنصوص عليها في الكتاب والسنة .

ومن حيل أذناب العلمانية في بلاد الإسلام خلافا للعلمانيين الخلّص في بلاد الغرب أنه بالإمكان تطوير أو تجديد الإسلام أو تطويعه ليكون مناسبا لمطالب العصر  ، ويغريهم بذلك ما يسمعونه من بعض علماء المسلمين الذين لهم فهم خاص للتجديد يخالف جملة وتفصيلا فهم الأذناب العلمانيين ، ذلك أن القصد من التجديد عند هؤلاء هو نقض مبادىء وأسس الإسلام لتحل محلها مبادىء وأسس العلمانية ، بينما التجديد عن أولئك العلماء هو إدخال ما جد في حياة الناس إلى  دائرة مبادىء وأسس الإسلام ، وشتان  ما بين الفهمين .

ومسؤولية المسلمين البوم على اختلاف أساليبهم أن يحفظوا دينهم بأحوالهم لا بأقوالهم ، ذلك أن كل من عطّل حالا من الأحوال التي يقتضيها الانتماء إليه لا يكون حافظا له على الوجه المطلوب بل يكون مقصرا ومسؤولا عما يلحقه من نيل يناله منه أعداؤه وعلى رأسهم منافقو العلمانية في البلاد الإسلامية .

ولا يجب على المسلمين التراخي في تدينهم على الشكل المطلوب منهم أو الالتفات إلى ما ينكره عليهم منافقو العلمانية من ذلك بادعاء أن ممارستهم له خاطئة ،وأن ذلك يقتضي إعادة النظر في الإسلام ليكون قابلا للتطبيق وفق معطيات العصر على حد زعمهم . ولا يحسن بالمسلمين أن يعمدوا إلى أساليب الدفاع في محاورتهم  بل عليهم أن يواجهوهم بالثبات على دينهم دون تهاون أو تساهل في أمر من أموره ، وألا يدخروا جهدا في ذلك ، وفي فضح كل من يريد النيل منه تصريحا أو تلميحا . وعليهم أن يستحضروا عزة دينهم ، ولا يقبلون دنية فيه ، وألا يخشوا في ذلك لومة لائم .  

وسوم: العدد 900