أوقفوا هؤلاء الحمقى المتهورين

د. أحمد بن عثمان التويجري

بعد أيام من تصريحاته المشينة وغير المسؤولة التي قال فيها: “إن الإسلام يعيش أزمة في مكان من العالم”، “ولن نتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية (المسيئة لنبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام)”، وخلال زيارته لكنيسة نوتردام في مدينة نيس التي تعرضت يوم أمس لهجوم إرهابي بشع، كرر الرئيس الفرنسي تهوره وحماقته فقال متجرداً من الحد الأدنى من الحكمة والشعور بالمسؤولية: “بلادنا تعرضت لهجوم نفذه إرهابي إسلاموي”، ولم تمض دقائق على تصريحه حتى خرج وزير داخليته ليقول بكل صفاقة: “نحن في حرب لمواجهة عدو خارجي وداخلي وفي مواجهة الآيديولوجية الإسلاموية”، ليتبعه عمدة مدينة نيس وبصفاقة وحماقة أكبر بالقول: “فرنسا ونيس تدفعان ثمناً باهضاً لكونهما ضحية الفاشية الإسلاموية”.

في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي خرج زعيم المتهورين والمتطرفين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلق على الأحداث بقوله: “إن الهجمات الإسلامية المتطرفة يجب أن تتوقف” ، و قوله: “بايدن سيفتح الباب أمام الإرهاب الإسلامي”.

منفذا الهجومين في باريس ونيس كلاهما لم يتجاوزا الواحد والعشرين عاماً من أعمارهما ولم يعرف عنهما ارتباطهما بأي مسجد أو مركز أوهيئة إسلامية، ولم تكن لهما سوابق إجرامية، فقد قال المدعي العام الفرنسي على سبيل المثال: “إن منفذ هجوم نيس غير معروف لدى الأجهزة الأمنية”. فما هو مبرر حشر صفة الإسلامي على جريمتيهما؟

هذا الإصرار من قبل هؤلاء القادة السياسيين على إلصاق صفة الإسلام بالإرهاب رغم تنديد المسلمين شعوباً وحكومات به وبمرتكبيه على مدى عقود ، ورغم كون الإسلام أعظم دين يندد بالإرهاب ويجرمه غاية التجريم ويعُدُّ إزهاق الأنفس البريئة مساوياً لقتل الناس جميعا، بل وفي ظل كون المسلمين أكثر وأكبر ضحايا الإرهاب من بين جميع الأمم، هذا الإصرار أمر عجيب وغريب ومرفوض بكل المقاييس وعلى جميع الأصعدة.

من لطائف الأقدار وقبل أن يجف خبر ما كتبت به تصريحات هؤلاء السياسيين المتهورين هاجم فرنسي بسكين كبيرة عددا من المسلمين الأبرياء في مدينة أفينيون الواقعة جنوب فرنسا مما اضطر الشرطة إلى قتله.

صحيفة لوموند الفرنسية الشهيرة قالت إن الرجل الذي قتلته الشرطة وكان يهدد المارة “ينتمي لليمين المتطرف، وكان يخطط لمهاجمة المسلمين”، وأشارت إلى أنه: “ينتمي لمجموعة “Génération identitaire” (الحفاظ على الهوية) اليمينية المتطرفة”. وقبل أيام من هذه الحادثة تعرضت مسلمتان محجبتان بالقرب من برج ايفل في باريس إلى الطعن من قبل امرأتين فرنسيتين وكانت إصاباتهما خطيرة، وقد كيَّف قاضي التحقيق في هذه الجريمة دافع الهجوم، الذي اعتبره متعمدا بـ”العنصرية أو معاداة الدين”.

لم يخرج أحد من هؤلاء السياسيين ليقول: إن مجرم أفينيون ومجرمتي باريس وإن من قاموا بأكثر من مية اعتداء على مساجد ومدارس إسلامية ومحلات تجارية لمسلمين خلال الأسبوعين الماضيين إرهابيون كاثوليكيون، أو إن فرنسا في حرب ضد الفاشية الكاثوليكية. وقبل ذلك وبعده لم يقل منهم أو من غيرهم: إن الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل ويمارسه المستوطنون الصهاينة في فلسطين كل يوم: إنه إرهاب يهودي، ولا إن ما مارسه البوذيون والهندوس والسيخ ضد المسلمين إرهاب بوذي وهندوسي وسيخي.

في ظل هذه التصريحات الجاهلة والمأزومة نجد شيئاً من العزاء في أصوات العقل والحكمة في الغرب ، فقد قالت المستشارة الألمانية (رئيسة الحكومة) السيدة أنجيلا ميركل أمام البرلمان الألماني: “حرية التعبير المطلقة لا تأتي بدون تكلفة، حرية التعبير لها حدود، هذه الحدود تبدأ مع انتشار الكراهية، ابدأ عندما تنتهك كرامة الآخرين، هذا المجلس سيعارض دائماً خطاب الكراهية والتطرف”، وفي كندا علق رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على حادث مدينة نيس بقوله: “منفذ هجوم نيس لا يمثل الإسلام ولا المسلمين”، ونقل موقع ميديا بارت الفرنسي عن النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي مانون أوبري قوله: “إن العلمانية ليست ذريعة ولا مبررًا لإثارة الكراهية ضد المسلمين في الصباح والظهيرة والمساء ، كما نقل قوله: “إن فرنسا تشهد حاليًا وبشكل غير مسبوق شرعنة للخطابات العنصرية، يعززها السياسيون اليمينيون، وغيرهم من وسائل الإعلام المتحيزة”.

لقد آن الأوان لأن تقوم الدول الإسلامية بواجبها في هذا الشأن، وأن تتصدى لهذه المواقف العنصرية الجاهلة بحزم وإصرار، وأقل ما يجب في هذا المجال هو أن تدعو منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد قمة إسلامية طارئة وعاجلة لإصدار قرار ملزم بمقاطعة أي دولة يتهجم قادتها وسياسيوها الكبار على الإسلام ورموزه ومقدساته، كما يجب أن تسعى الدول الإسلامية مجتمعة لإصدار قرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن يجرم التهجم على الأديان ، وإزدراءها ، وإزدراء رموزها ومقدساتها.

وسوم: العدد 901