الإخوان… الإخوان… الإخوان: العزف الموسيقي الممل!

بادر القوم عبر قناتهم الإخبارية «إكسترا نيوز» إلى إعلان أن من أشعل النار في نفسه في ميدان التحرير، هو شخص «مهتز نفسياً» وينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية، التي استغلته ودفعت به إلى فعل هذا في إطار حملتها لإثارة الجماهير ضد النظام الحاكم!

لا يمكنك التعرف على القنوات المصرية، إلا بالنظر لشجرة العائلة، وبالنظر اليها تبين لنا أن القناة المذكورة هي من الامتدادات العشوائية لقناة «سي بي سي» وهي المحطة التي أنشأها مواطن مصري نزل على المشهد الإعلامي بـ «الباراشوت» بعد الثورة، ويدعى محمد الأمين، وقد أطلق معها صحيفة «الوطن» اليومية، وفي الإجابة على السؤال من هذا؟ ومن أين جاء بكل هذه الأموال، ليطلق قناة تلفزيونية وصحيفة يومية؟ قيل إنه كان يعمل في إحدى دول الخليج لمدة عشرين عاماً. ولم يكن الرد مقنعاً فلو كان يعمل هناك أميراً فلن يمكنه أن يدخر ما يكفي لذلك، لكن ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب!

بعد الانقلاب العسكري انتقلت ملكية شبكة «سي بي سي» ومعها جريدة «الوطن» إلى الشركة التي أسستها الأجهزة الأمنية للاستحواذ على وسائل الإعلام، ولأن السلطة أدارت ظهرها لماسبيرو، وتتعامل معه على مضض وفق قاعدة تسيير الأعمال لعل صاعقة تنزل على المبنى من السماء، فلم تعد قناة «النيل» هي قناة مصر الإخبارية رسمياً، ولأنه تم العدول عن فكرة إطلاق قناة إخبارية (تنافس الجزيرة) من شبكة «دي أم سي» والتي كان السيسي قد بشر بها، فقد انتقلت الصفة إلى «إكسترا نيوز» لتصبح قناة مصر الإخبارية، ولهذا كانت أول قناة تبادر بإعلان أن المواطن محمد حسني غريب، الذي أشعل النار في نفسه في ميدان التحرير، مهتز نفسيا، وينتمي للجماعة الإرهابية التي دفعت به لذلك. وكان واضحاً أن هذا الإعلان تم بتوجيه من الضابط الذي يدير الإعلام المصري، فبع دقائق كان هذا البيان هو المعتمد رسمياً، في كل وسائل الإعلام المصرية، مع تهافته، وقد أضحكوا عليهم الثكالى بهذا الإعلان الفكاهي!

كانوا قديماً يقولون: «إذا أتتك مصيبة لها الفؤاد تفتت فأعلم أنها من النساء تأتت» فصار البديل هنا هم الإخوان، حتى يبدو أن كل المصريين هم في الأصل من الإخوان، أو يعملون من أجل نشر فكرهم، ويوجد يساريون في السجن بهذه التهمة؛ زميلنا هشام فؤاد نموذجاً، كما أن الصحافي سامح حنين، وهو مسيحي الديانة، تم القاء القبض عليه بالتهمة الثانية «يتعاون مع الجماعة الإرهابية من أجل نشر أفكارها» وبثوا له اعترافاً مسجلاً بأنه يتلقى تعليمات من الإخوان في تركيا وقطر!

تنظيم البالوعات

وفي الأسبوع الماضي، ضربت «نوة أمطار» محافظة الإسكندرية، وظهرت الفيديوهات وقد تحولت شوارع المحافظة إلى بحيرة من المياه، لم تنقلها قنوات الإخوان في تركيا وقطر، فقد شاهدت ذلك على قناة «صدى البلد» في برنامج أحمد موسى، وكان معه على الهاتف محافظ الإقليم، الذي قال إن الأمطار غير مسبوقة، وإنها أكبر من استيعابها عبر «البالوعات» وأنه طلب النجدة من المحافظات القريبة، وقال إن المحافظة لم تشهد مثل هذه الأمطار بهذه الغزارة منذ عام 2015، فنشط ذاكرتنا لكي ننتبه إلى أنه ومع غرق المحافظة كان الإعلان عن أن الإخوان قاموا بسد «البلاعات» وهي النغمة التي عزفتها القنوات التلفزيونية والصحف وكان من الواضح أنها تعليمات الضابط المسؤول، وبالفعل تم القبض على سبعة عشر شخصاً، اعترفوا بأنهم شكلوا تنظيماً مهمته سد البالوعات المخصصة لتسريب مياه الأمطار في المحافظة، وأنهم تلقوا تعليمات بذلك من الإخوان في تركيا وقطر. ويتردد أن التنظيم لا يزال يحاكم إلى الآن!

من الأقوال المنسوبة للشيخ متولي الشعراوي: «إذا كنت كذوباً فكن ذكورا» فمن اعتاد الكذب ينبغي أن يملك ذاكرة من حديد، حتى لا يقدم دليل إدانته بلسانه، ففي هذا العام نسي القوم أنهم قالوا إن تنظيما إخوانياً قام بسد «البلاعات» لكن ماذا يفيدهم تذكر هذا، والتنظيم رهن الإعتقال، ولم يكونوا جاهزين برواية على العزف الموسيقي نفسه، عن القبض على تنظيم إخواني جديد، مهمته أيضاً «سد البلاعات»!

وفي الإسكندرية أيضاً نشر في نهاية الشهر الماضي، أن نيابة الإسكندرية تحقق في سرقة «طرابيزة نابليون» الأثرية التي اختفت من محكمة الإسكندرية، لكنهم في اليوم التالي تداركوا الأمر، وكانت الرسالة التي تم تعميمها هي أن «طرابيزة بونابرت» سرقها الإخوان، وقبل هذا بعدة أسابيع، تبين سرقة عدد من «النجف الأثري» من مسجد الإمام الحسين في القاهرة، والإعلان جاء مصاحباً لترديد النغمة نفسها، فقد سرقها الإخوان في السنة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي!

ولم يبق إلا اتهام الإخوان بأنهم المتسببون في سقوط أنف تمثال أبو الهول ليعيش مشوهاً بدون أنف وليتنفس من فمه، ولم لا وقد قال قائلهم في برنامج تلفزيوني إن الإخوان وراء سقوط الأندلس… إي وربي!

بوعزيزي والإخوان

لقد كان بوعزيزي مصر، حريصاً على أن ينفي صلته بالإخوان في بثه المباشر، وهو يعرف ما سيقولونه عنه، فيحذر مشاهديه من تصديق هذا، وذكر أنه كان قد تظاهر في عهد الرئيس محمد مرسي أيضاً وله موقف واضح من الإخوان، وأن جريدة «الوطن» نشرت له صورة بذلك، فذهبت مسرعاً إلى «غوغل» لأجد الخبر بالصورة!

كان في الصورة يقف أعلى سيارته القديمة أمام بنك تنمية الصادرات، مقر عمله الذي فصل منه، ويرفع لافتة وقد كتب فيها إن الإخوان كالفلول، وإن طلعت إبراهيم مثل عبد المجيد محمود، والأخير هو النائب العام الذي عينه مبارك وعزله مرسي، والثاني هو النائب العام الذي عينه مرسي وعزله الانقلاب العسكري. وكانت الواقعة في عهد الرئيس محمد مرسي، فكيف يكون إخوانيا؟! فالإخوان، الإخوان، الإخوان، فمتى يتوقف هذا العزف الموسيقي الممل!

كما بينا فإن «اكسترا نيوز» التي أذاعت خبر أن هذا المواطن مهتز نفسيا وأن الإخوان هم من دفعوا به لإشعال النار في نفسه، هي من ذات عائلة جريدة «الوطن» وإذا كان القوم في القناة مسيرين لا مخيرين، في زمن إدارة الإعلام عبر الرسائل التي تنقلها هواتف «سامسونج» فهل استمع «الضابط المدير» إلى كامل الفيديو؟ ومحمد حسني غريب يشير إلى الخبر الذي نشرته «الوطن» ومن المؤكد أن هناك من سيذهبون بالبحث عنه ونشره في زمن الـ»سوشيال ميديا» حيث لا يمكن للأنظمة السيطرة على إعلام المواطن؟!

لا شك أنها عقلية لا تزال تعيش في زمن التشويش الإذاعي، وباعتباره أداة يمكن بها منع وصول الحقيقة إلى المواطن المصري!

محنة محمد حسني، كما رواها بنفسه، في البث المطول، بدأت بنجاح الثورة في إجبار مبارك على التنحي، حيث تقدم بوقائع فساد للنائب العام في البنك الذي يعمل فيه قام بها الكبار، كما تقدم بها للمجلس العسكري الحاكم، ولكنه فوجئ في اليوم التالي لتقديمه هذه البلاغات بفصله من عمله، ليعيش بالديون، التي لم يستطع أن يسددها، وقد هربت أسرته، ولم يعد يعرف لها مكاناً!

بيد أن المفاجأة في أنهم كانوا يعرفون هم مكان تواجدها، فعقب انتشار فيديو الرجل، كانت أسرته في بث مباشر، يرددون نفس الرواية عنه وهي أنه مهتز نفسياً.

لا بأس، فجبل من لم يهتز نفسياً إذا تعرض لما تعرض له هذا المواطن من تنكيل، وكل جريمته أنه كشف الفساد، في أحد البنوك في ظل حكم المجلس العسكري، فلم يُحقق في الوقائع وإنما تترك يد الإدارة حرة فتفصله من عمله.. ومتى؟ بعد الثورة، ومما يؤسف له أن يستمر ذلك بعد عزل نائب عام مبارك وتعيين الرئيس محمد مرسي لنائب عام جديد!

وزد على هذا أنه تم القبض على هذا المواطن وبقي في الأمن الوطني (29) يوماً في ظل حكم الإنقلاب العسكري، دون أن يقولوا ما هي جريمته؟!

رسالة للجميع

ومع هذا فإن مشاهدة الفيديو منذ البداية، تؤكد أن الرجل لا يعاني ما ادعوه عليه، فقد كان ثابتاً وواضحاً ومقدماً على الوقوف في ميدان التحرير بخطى واثقة، ولولا محاولة القبض عليه ما أقدم على إشعال النار في نفسه، وربما أراد بذلك أن تصل رسالته للجميع، رسالة مظلوم، وشريف، ووطني، ومناضل ضد الفساد المحمي بإرادة السلطة، ولا يوجد له مورد رزق. وكان الهدف واضحاً وهو يطلب من مشاهديه أن يقوموا ببث رسالته.

إن حرصه على الحياة ثابت، والدليل إنه قدم إلى ميدان التحرير وهو يضع كمامة، في بلد لا تلزم المواطنين بها.

وبدلا من الطلعات الجوية لمن يديرون الإعلام من المحروسة، من ضباط وأدوات، كان ينبغي أن يكون الرد على ما جاء في بلاغاته من اتهامات، إلا إذا كانت تطال من تريد السلطة أن تستره ولو بطرف ثيابها، وهذا واضح ومعلوم.

قديما وصفت السلطة سعد إدريس حلاوة بأنه مجنون كما جاء في التقرير الطبي، بعد أن قتلوه لأنه احتجز موظفين في الوحدة المحلية في قريته أجهور، دون أن يمسهم بأذى وسيطر على ميكروفون الوحدة وخطب ضد السادات، في اليوم الذي كان يستقبل فيه أول سفير إسرائيلي تطأ قدماه أرض مصر، وقد رثاه نزار قباني بقصيدة كاملة عنوانها «صديقي المجنون».

ألا تتغير روايات السلطة مع تغير الحكام؟!

وسوم: العدد 903