في العلاقة الروسية - التركية

العلاقات السياسية ليست صداقات شخصية، ولا علاقة زواج لا ديني ولا مدني ..

ويتشوش على بعض الناس تصور طبيعة العلاقات السياسية بين الدول ، والأجسام السياسية والاجتماعية .

يستحضرون حقيقة الصداقة الأخوية في أرقى صورها ، ويسقطونها على ما يتوقعونه من علاقة سياسية بين دولتين . يتذكرون من كلام أصحاب عقود الزواج في الصحة والمرض ، والغنى والفقر ، والقوة والضعف ؛ فيُجْرونها على اتفاقيات الساسة وأرباب المصالح ، يتذكرون قول أديب العربية مصطفى صادق الرافعي : لا يصح حبٌ بين حبيبين حتى يقول أحدهما للآخر : يا أنا ..، ويطرق عليها الباب ، فتقول مَن ؟ فيجيبها : أنتِ ..ويريدونها في خضم علاقة سياسية تبنى على صراع ، ووسط الأنواء ..!!

كثيرا ما يعلن الساسة عن اتفاق ، على أمر أو أمرين أو سبعة أمور أو صفقات ، مصالح ظرفية زمانية أو مكانية مشتركة تجمعهم ولو حتى حين ، وربما يكون وراء المسائل السبع التي اتفقوا عليها ، سبعون أخرى عليها يختلفون ..!!

هذه الإسقاطات المباشرة الساذجة للعلاقات الشخصية الفردية والاجتماعية على عالم السياسة ، تثير الكثير من الخلل في تصورات الذين يحاولون قراءة السياسة أو متابعتها من بني قومنا الأدنين.

العلاقات بين الدول ، وبين القوى ؛ لا تبنى بالطريقة الشمولية التي تبنى بها العلاقة بين صديقين أو بين زوجين . بل هي أقرب إلى توافق على وجبة غداء أو عشاء ..

ثم هناك أمرا آخر يجب أن نشير إليه في فهم طبيعة العلاقات السياسية ، هي أن من يدخل بازار السياسة ، وفي ذهنه تحقيق معادلة صفرية ، فالأولى به أن لا يدخله أصلا .. إنه أشبه بمن يدخل بازار الملابس ليشتري بدون دفع أثمان ..

إن أوضح مثال لأنموذج العلاقات السياسية النامية والمتطورة - وهذا لا يتضمن مدحا ولا ذما - هو أنموذج السياسة التركية منذ 2015 مع روسية ، في سورية ثم في القرم ثم في أذربيجان . سياسة الاتفاق على " الخصلة " وإن كنا مختلفين على " الشلة " مرة أخرى لا أقول صواب أو خطأ ولكنني أقول مع تصوري لحجم الاختلاف الكبير بين التركي والروسي في سورية مثلا أو في القرم مثلا أو أذربيجان مثلا ، فقد استطاع العقل السياسي للفريقين أن يبني على جسم اختلافهما الصلب اتفاقات ، صمدت مع حجم الهزات ، ومراهنة المراهنين على انهيار هذه الاتفاقات ..

اللهب الخارج من أفواه التنين المتربص بالمشهد الديموقراطي التركي يراهنون في كل لحظة على تفجير هذه الاتفاقات . عشنا عقودا والعالم يقول عن الكيان الصهيوني أنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، وربما غاظ بعضهم أن تنكسر هذه الوحدة .

كثيرا ما أسمع من سوريين ملهوفين انتقادات وأحيانا اتهامات ، فالتفكير في الفراغ ، وفيما يجب أن يكون ، وفي الأمير القادر المقتدر ، قد شغلت حيزا كبيرا من العقول والقلوب .. يجب أن نذكر ونذكّر أن العلاقات السياسية هي مجموعة مقاربات ، فقط مقاربة ، وبالعامي الفصيح خد وعين .

ما يزال الكثيرون منا يغنون بغناء جرير : هذا ابن عمي في دمشق خليفة ..

ويبلغ بنا الأمر أحيانا أن نغضي عن كثير من قول الذين لا يعلمون ..

حين يحدثنا بعض الناس بلغة المثال نحب أن نذكرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة بعد رحلة الطائف بجوار المشرك المطعم بن عدي ، وأنه عندما هاجر آوى إلى الغار ، وأنه صلى الله عليه وسلم ، وهو يبني دولة الإسلام جاع حتى شد على بطنه حجرين من الجوع ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 907