ما نعد به الناس ... هل نعامل به أنفسنا !!!؟

وعنوان المقال " ما نعد به الناس " مقتبس من المفكر العالمي روجية غارودي ، المفكر العالمي الذي أشهر إسلامه ، بعد تطواف موسع على الملل والنحل والعقائد والمذاهب والأفكار، في ستينات القرن العشرين كان روجية غارودي زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي ، وقد لفت النظر بإعلان استقلال حزبه عن سكرتارية الحزب المركزية في موسكو ، ومن يومها بدأت شخصية غارودي تنحى أكثر كشخصية متحررة متطورة قابلة وجاذبة وليست رافضة ونابذة . وفي هذين الملمحين القبول والجذب وليس الرفض والانغلاق والنبذ ، تتجلى حقائق النفوس الكبيرة القادرة على الاشتراك في صنع الحضارة والتاريخ .

كتابان مهمان صدرا عن المفكر العالمي روجية غارودي اعتبرا بحق عتبة عبوره إلى الإسلام ..

الأول " نداء إلى الأحياء " لخص فيه من موقف إيجابي - غير لاهوتي - رسالات الأديان الكبرى . واعتبر أن جميع الأديان هي صدى إيجابي لنداء السماء للبشر الأحياء -أنقل هذا وليس بالضرورة أنني أتبناه - الملحوظة الجميلة التي لاحظتها في كتاب غارودي هذا أنه اعتبر أن ديانات أهل الشرق الأقصى البوذية والهندوسية عبرت عن تطلعات أهل الأرض نحو السماء ، بينما كانت الديانات في أرض النبوات : عبرت عن نداء السماء لأهل الأرض في صورة الوحي المنزل ، الذي يخاطب البشر جميعا بصيغة : يا أيها الناس ..

والكتاب الثاني الذي هو موضع اقتباسي في هذا المقال هو كتاب روجية غارودي المخصص لدعوة الإسلام ، والمعنون " ما يعد به الإسلام " والذي نشر بالفرنسية في سبعينيات القرن الماضي ، والذي ترجم إلى العربية وطبع في دمشق في أوائل الثمانينات.

وما يعد به الإسلام في حقيقته كتابُ مفكر عالمي ، إلى قومه الغربيين يحاول أن يعيد تعريفهم بالإسلام ، ويصحح نظرتهم إلى الإسلام الدين والثقافة والحضارة والتاريخ . وحين يقرأ الكتاب مسلمٌ يعيش في القرن العشرين أو الحادي والعشرين يستطيع أن يعتبره رسالة مزدوجة تقول للمسلم وتقول للأخر ، في حرص واضح على ضرورة التجسير والتفاهم والتعاون على قيم الحق والخير وهي في عالم البشر كثير .

الرسائل التي تعلمتها من الكتاب يوم طالعته لأول مرة منذ أربعين سنة، كانت أكثر من أن أحيط بها في مقام أو أن ألخصها في مقال ، وإنما الذي راقني اليوم هو أن أستعير من المفكر الكبير عنوانه مع شيء من التحوير فأكتب مكان " ما يعد به الإسلام ، مع علمي أن الإسلام يعد الناس بكل خير وجميل ، أن أكتب تحت عنوان " ما نعد به الناس .." باعتبارنا نحن العرب والمسلمين الشهود على الناس .

أكتب حول " ما نعد به الناس .." لأضع على المحك العملي كثيرا مما نعد الناس البعيدين والقريبين من قيم العدالة والحرية واحترام المخالف والمنهجية العلمية والقبول بالآخر والدفاع عن حرية الرأي والتعبير على المستويات كافة ، واحترام العقائد والأفكار ووجهات النظر ، وأنماط السلوك ؛ نكتب هذا ونحن نقرأ كل هذا في برامج وشعارات قوى وأحزاب وتجمعات بعضها من أهل الدين وبعضها من أهل الدنيا ، ثم ونحن ما نزال في الرقراق بلا سلطة ولا سطوة ونجدنا ندوس " الوعد " ربما تأخذنا العزة بالرأي فنغضب من كلمة ، ونثور لتغريدة ، ونسجل اعتراضنا على فكرة . فأين كل هذا من حسن الوعد يا أهل الوعد ..

وهل من الوعد أن أحدا يشترط على الآخر أن يتنفس من منخره ، وأن ينطق بلسانه ، وأن يشعر بالحرق الذي أصاب يده ، ومتى كان الناس يتكلم أحدهم بعقل الآخر ، أو يقول بقوله ، إلا أن يكون عضوا في مجلس الدمى أو كما قال الأول :

خليفة في قفص ..بين وصيف وبغا

يقول ما يقال له ..كما تقول الببغا

ولو رجعنا إلى قرون الإسلام الأولى لوجدنا سلالا من المذاهب والعقائد والأفكار ، في الفلسفة والفكر والدين والسياسة والاجتماع .. ولو رجعنا إلى قرون الإسلام الأولى لوجدنا كثيرا من أصحاب الملل والنحل الخارجة حتى عن دائرة أهل الكتاب قد ألحقت بطريقة ما بأهل الكتاب لكي دائرة البقاء بنوع اجتهاد ..

يقول الشهرستناني في الملل والنحل عن المجوس أنهم كانوا أهل كتاب اندثر ، والصابئة قوم من عبدة النجوم التحفوا الاسم ليكتسبوا الشرعية ، ولم يسألهم المأمون التحقيق فيما قالوا ..

أما أن تشترط على الناس أن يكونوا ظلك في قضايا الرأي من دين ومن سياسة ومن اجتماع ومن اقتصاد فأنت والمستبد الذي ثار عليه الناس سواء..

وأما أن تعد الناس أن لهم الحق ولهم الحرية ولهم الاحترام مثل الذي لك ثم تغضب لأن أحدهم تعداك أو تخطاك ..!!

نطلق الوعد للناس أجمعين

لكم في هذا الأمر مثل الذي لنا فيه ... ثم تقول وتغضب وتثور حين أقول!! وترى دائما أن من حقك العطاس ومن واجبي التشميت ..!!

رب قول يقوله أحدنا اليوم لو روجع فيه غدا لفاء ..

وما أجمل ما قال العماد الأصفهاني :

"إني رأيتُ أنه ما كُتب أحدهم يومَه كتابا إلا قال في غده : لو غُيّر هذا لكان أحسن ، ولو زيد ذاك لكان يُستحسن، ولو قُدّم هذا لكان أفضل ، ولو تُرك هذا لكان أجمل ؛ وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر "

اللهم كبّر عقولنا ، ووسع صدورنا ، وأبعد مرمى أبصارنا ..

وقالت العرب : إن الأمور إذا أقبلت اشتبهت وإذا تدبرت تبينت ...

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت .. إلى حمام سراع وارد الثمد

قالت :

ألا ليتمـا هذا الحمـام لنا ..  إلى حمامتنـا مـع نصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما حسبت .. تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد

اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل ..

والواو إنما تجمع المتغايرين .. لعلنا نفقه ..!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 909