الإدانات الدولية لوحدها لن توقف عمليات هدم منازل الفلسطينيين دون إجراءات رادعة

المحامي علي ابوهلال

تستمر حكومة الاحتلال الإسرائيلي بهدم منازل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بوتيرة عالية ومتصاعدة، بما يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، غير مكترثة بما ترتبه هذه الجريمة من إدانات شديدة وعقوبات قد تتعرض اليها، سواء من قبل الدول الرافضة لهذه الجريمة، أو من قبل القضاء الجنائي الدولي، وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية التي قد تشرع قريبا بالتحقيق بهذه الجريمة، وغيرها من الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في اطار سياستها التي تنتهجها حكومة الاحتلال باعتبارها سلطة فوق القانون، تمعن في تبني سياسية الإفلات من العقاب بصورة دائمة ومستمرة.

ذكر المكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “ أوتشا" في تقرير له  أواخر العام الماضي  أن سلطات الاحتلال قامت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ، بهدم أو مصادرة 178 مبنى مملوكًا لفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهذا هو أعلى رقم من هذا القبيل في شهر واحد منذ أن بدأ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في توثيق هذه الممارسة بشكل منهجي في عام 2009. وأدى ذلك إلى تهجير 158 شخصًا. وذكر التقرير أن جميع المباني، باستثناء مبنى واحد تم هدمه لأسباب عقابية، واقعة في المنطقة (ج) أو القدس الشرقية واستُهدفت بسبب عدم وجود تصاريح البناء، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليه. وبذلك يصل العدد الإجمالي لهذه المباني وفقا للتقرير نفسه التي تم هدمها أو الاستيلاء عليها منذ بداية عام 2020 إلى 114.

وفي تجمع حمصة البقيعة، شمال غور الأردن، لوحده هدمت السلطات الإسرائيلية 83 مبنى، أو حوالي ثلاثة أرباع التجمع، ونتيجة لذلك، نزح ما مجموعه 73 شخصًا، من بينهم 41 طفلاً، لكنهم تمكنوا من البقاء في المنطقة بعد تسليم الملاجئ الطارئة وغيرها من المساعدات.

كما تم استهداف 13 مبنى إضافي في منطقة مسافر يطا في الخليل، تم إعلان معظمها أيضًا "منطقة إطلاق نار". وشمل ذلك شبكة مياه ممولة من المانحين، تم تفكيك جزء منها بالفعل في تشرين الأول/أكتوبر، والتي كانت تخدم حوالي 700 شخص من أربعة تجمعات. وقع هذا الحادث في 25 تشرين الثاني /نوفمبر على أساس إجراء عاجل (الأمر العسكري 1797)، بينما كان الشركاء القانونيون يقدمون القضية في المحكمة، لمحاولة وقف إزالة الشبكة.

وذكر التقرير نفسه أن المحكمة العليا الإسرائيلية مددت حتى 15 تموز/ يوليو 2021 الموعد النهائي الممنوح للسلطات الإسرائيلية للرد على التماس قدمته منظمة استيطانية إسرائيلية تطالب بهدم تجمع الخان الأحمر البدوي. على الرغم من أنه ممكن تقنيًا، إلاّ أن الشركاء القانونيين يقدرون أنه من غير المحتمل حدوث هدم جماعي قبل ذلك التاريخ. الخان الأحمر هو واحد من 18 بلدة تقع شرقي القدس، ويقع داخل أو بجوار منطقة مخطط لها لمشروع استيطاني كبير(E1) ، والتي تواجه خطر الترحيل القسري.

في عام 2020، قام أصحاب المنازل بهدم 47 بالمائة من 166 مبنى في القدس المحتلة لتقليل الغرامات والنفقات التي تفرضها البلدية على عمليات الهدم، التي شكلت ارتفاعًا من 23 بالمائة في المتوسط بين عامي 2016 و2019.

كما هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، عقابياً، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، منزلاً فلسطينياً في المنطقة (ب) في قرية روجيب (نابلس)، يملكه فلسطيني يُحاكم بتهمة قتل إسرائيلي في آب / أغسطس 2020. ونتيجة لذلك نزحت أسرة مكونة من ثمانية أفراد، بينهم أربعة أطفال.

وفي القدس المحتلة تم هدم منزلا لعائلة عليان في قرية العيسوية في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي، مكون من بناية سكنية من طابقين تضم أربع شقق سكنية، مساحتها حوالي 370 مترا مربعا، ويقطن فيها 17 فردا منهم 12 طفلا، ومشيدة منذ 10 أعوام، رغم أن البناية تقع ضمن الخارطة الهيكلية المسموح بالبناء فيها بالعيسوية، وكانت محكمة الاحتلال الإسرائيلي قد رفضت في الثامن من آب/ أغسطس من العام الماضي، تجميد قرار هدم منزل عائلة عليان ببلدة العيسوية، بعد أن صادقت على وقف أي إمكانية لمواصلة إجراءات الترخيص من قبل العائلة.

ويوم أمس الاثنين الأول من شهر آذار/ مارس الجاري هدمت سلطات الاحتلال منزلا مؤلف من طابقين يعود لعائلة المقعد حاتم حسين ابو ريالة في قرية العيسوية أيضا، ويذكر أن هذه هي المرة الرابعة التي يهدم الاحتلال المنزل، بحجة عدم الترخيص.

وبحسب معطيات أصدرتها منظمة بيتسيليم الحقوقية الإسرائيلية، فإن الاحتلال هدم منذ مطلع العام 2004 حتى نهاية العام الماضي 1097 منزلا في القدس الشرقية، فيما هدم المقدسيون ذاتيا قرابة 235 منزلا في نفس الفترة لتجنب غرامات باهظة جدا يفرضها الاحتلال عليهم بعد تنفيذ عمليات الهدم بجرافاته، فيما هدم الاحتلال 458 مبنى ومنشأة غير سكنية في نفس الفترة. وتشير ذات المعطيات إلى أنه منذ مطلع عام 2004 حتى نهاية العام الماضي شرد قرابة 3579 مقدسيا بعد هدم منازلهم.

أثارت عمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، رفضا وإدانة دولية واسعة خلال الأيام الماضية، فقد دعت الأمم المتحدة والأعضاء الأوروبيون في مجلس الأمن، يوم الجمعة 27/02/2021، إسرائيل الى وقف هدم منشآت البدو في غور الأردن، مطالبين بوصول المساعدات الإنسانية إلى تجمّعهم في منطقة حمصة البقيع.  وأعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة، النروجي تور وينسلاند، عن قلقه أمام مجلس الأمن من عمليات الهدم والمصادرة. وطالب إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" وقف هدم ومصادرة الممتلكات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، والسماح للفلسطينيين بتطوير مجتمعاتهم.

لكن هذه الموقف الدولية على أهميتها لا تكفي لردع حكومة الاحتلال لوقف عمليات هدم المنازل، بل لا بد أن ترتبط بفرض عقوبات سياسية واقتصادية ملموسة ومؤثرة، من قبل الأمم المتحدة ومن سائر الدول الأعضاء فيها، كما تشكل عمليات هدم المنازل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وهي من الجرائم التي تندرج ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، وعلى دولة فلسطين التي أصبحت عضوا في المحكمة منذ الأول من شهر نيسان/ابريل عام 2015 متابعة جهودها، من أجل قيام المحكمة بالتحقيق في هذه الجرائم، ومعاقبة من يرتكبها من أفراد وقيادات ومسؤولي الاحتلال، حتى لا يفلت هؤلاء من العقاب، وحتى يتم وقف عمليات هدم منازل الفلسطينيين، وطرد وتهجير أصحابها منها، فهذا هو الرد المناسب لوقف هذه الجرائم المخافة للقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، ودون ذلك تبقى المواقف المنددة بعمليات هدم المنازل، والمطالبة بوقفها مجرد مواقف نظرية لن تؤثر على سياسية حكومة الاحتلال، ولن توقف هذه الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.

وسوم: العدد 918