الفيديوهات الخالدة للثورة السورية

الفيديوهات الخالدة للثورة السورية… بشار يقول للجائعين توقفوا عن السكّر! والأب زحلاوي لا يسمع صوت الجوع

إذا كانت ثورات الربيع العربي هِبة الكاميرا، الصورة والفيديو، فلا شك أن الحقيقة هي أيضاً هِبة الكاميرا، هذه التي وعى السوريون منذ اللحظة الأولى لثورتهم أنها سلاحهم، مثلما أيقن النظام أنها عدوّه اللدود.

افتح يوتيوب، واختر أياً من فيديوهات التظاهرات السورية، في أي مدينة شئت، لترى أي جمال كانت عليه البلاد، لترى أكثر كيف بإمكان مؤيدي النظام وأشباههم أن ينكروها، كيف بإمكانهم أن يكذبوا على أنفسهم كل تلك السنين، وأكثر: كيف حرموا أنفسهم من تذوّق كل هذا السحر، من الشعور بالانتماء إليه!

ذاكرة الناجين تحفظ أيضاً الحقائق المروّعة المقابلة؛ والتي بدأت بعناوين قبل أن تتحوّل إلى براميل عشوائية متفجرة ومجازر: «الأسد أو نحرق البلد» «الجوع أو الركوع» «سنجعل من درعا حقل بطاطا» «نحلم بدمشق بلا ريف»..

ها قد مرّت عشر سنوات الآن على تلك اللحظة الخالدة، امتلأت خلالها ذاكرة السوريين بهتافات للتاريخ، صور، أغان، حكايات، لوحات تشكيلية، بشر، أساطير، كلمات، كانت في منتهى النبل والبسالة.

لكن ذاكرة الناجين تحفظ أيضاً الحقائق المروعة المقابلة؛ والتي بدأت بعناوين قبل أن تتحول إلى براميل عشوائية متفجرة ومجازر متنقلة: «الأسد أو نحرق البلد» «الجوع أو الركوع» «سنجعل من درعا حقل بطاطا» «نحلم بدمشق بلا ريف» وصولاً إلى «هاي مشان الحرية، مشان شو؟» الصرخة التي كانت تأتي مع بسطارِ عسكريِّ النظام، يضرب به بأقصى قوته خاصرة متظاهر.

قد نختلف بهذا القدر أو ذاك، حول ما آلت إليه الثورة، كيف، ولماذا، لكن لا يمكن، لصاحب ضمير، أن ينكر تلك الثورة، ألّا يمتلئ بسحر الناس.

الأب الياس زحلاوي

لا يُفَاجِئُ أن يتحدث الأب الياس زحلاوي، في كلمة أذيعت عبر موقع «سانا» وكالة أنباء النظام السوري، عن «قيادة سوريا الاستثنائية وجيشها الأسطوري» وعن سوريا «تبتكر أبجدية الكرامة والحرية، لا لسوريا وحدها، ولا للوطن العربي وحده، بل للعالم بأسره من خلال وقفتها الأسطورية» المفاجئ أن يوقِّتَ كلمته في ذكرى مرور عشر سنوات على الثورة السورية، والتي يشهد رئيسه قبل أي أحد آخر أنها لم تكن حرباً حينذاك، فبحسبه (أي بشار) مرّت شهور قبل أن يظهر السلاح، وبالتالي كان على الأب أن يؤجل احتفاله بالحرب شهوراً أخرى على الأقل، فهذه مناسبة لاندلاع ثورة صافية مئة بالمئة، لا يتخلّلها إلا إطلاق جيشه النار على متظاهرين عزّل، لم يكن في جعبهم سوى الأغاني وقناني الماء والورد يقدّمونها لجيشه الأسطوري.

الأب زحلاوي: سوريا «تبتكر أبجدية الكرامة والحرية، لا لسوريا وحدها، ولا للوطن العربي وحده، بل للعالم بأسره من خلال وقفتها الأسطورية»

يبدو أن الأب لم ينصت جيداً إلى ما يقوله إعلام نظامه هذه الأيام، ولو التفتَ إلى قناة «سما» (الدنيا سابقاً) لبَلَغَهُ صوتُ صحفي غاضب من طرطوس يتحدث عن التشليح على الحواجز. وعلى أي حال، لا يحتاج السوريون لصوت «سما» ليخبرهم عن مواصفات يتفرّد بها جيشه، التعفيش والتشليح بعد الذبح والتدمير والتهجير.

أي كرامة إذاً، وأي حرية يريد الأب أن يبتكرها للعالم! كأني به يعيد كلام ذلك البرلماني الأبله الذي قاله لسيّده مع بدايات الثورة «يليق بك أن تكون رئيس العالم» ولم يكفِهِ دمارُ عشر سنوات كي يتزحزح.

العيش بلا سكّر

قد يختلف المؤرخون على قول الملكة ماري أنطوانيت للفرنسيين المحتجين على فقدان الخبز «دعهم يأكلوا الكيك» والذي إن فُسّر بحسن نية سيسبغ على الملكة السذاجة، وإلا فإن الناس سيردّون بمزيد من الغضب، وهم على كلّ حال لن يترددوا في فرم رأسها تحت المقصلة.

بشار الأسد فعل أفظع ممّا يتصوره مجرم سريالي؛ الناس تصرخ من الجوع. يبيعون أولادهم. يبحثون عن أي لقمة تؤكل في حاويات القمامة فيما يقول لشعبه «توقفوا عن أكل السكّر»!

لقد حدث ذلك بالفعل حين قامت وزارة الصحة بحملة تحت اسم «أسبوع بلا سكّر» وكذلك فعلت وزارة الأوقاف التي وجّهت بدعم الحملة، ما يعني أن الأمر ليس تصرفاً من وزارة بل هو صادر من رأس النظام.

في الجوع ليس هناك مزاح، اسمعوا صراخ الناس الصريح والعالي، في سوريا كما في لبنان، صراخ يعد بأن الناس على موعد أن تفرم الأخضر واليابس.

قنوات تلقّفت الأمر وراحت تروّج بطريقتها، فهذه مذيعة تتحدث عن أن «السكّر أصعب بكثير من الإدمان على المواد المخدّرة»! قول وضعه الساخرون، في فيديو، إلى جانب الزعيم عادل إمام وهو يأمر بحملة توعية بأن السكّر والشي والفراخ وكل حاجة تسبّب الضعف الجنسي عند الرجال، وساعتها كل واحد يقول يغور الأكل».

كما علّق كثر بأن الحملة قد تفرّخ غداً «أسبوع بلا بنزين» «أسبوع بلا حليب» «أسبوع بلا خبز»… وهكذا. وإن صدَفَ أن مات الشعب ربما يقولون إنه مات بالمصادفة، لا بسبب حملات التجويع تلك.

لم يعد الشعب بسذاجة أولئك الذي افترضوا أن قول ماري أنطوانيت صادر عن سذاجة. في الجوع ليس هناك مزاح، اسمعوا صراخ الناس الصريح والعالي، في سوريا كما في لبنان، صراخ يعد بأن الناس على موعد أن تفرم الأخضر واليابس.

الإسلام كما أُنزل!

تزيّن عبارة «الإسلام كما أُنزل» لوغو وزارة الأوقاف السورية، أي أن الوزارة تقول: نحن النسخة الأصلية والوحيدة من الإسلام! عدا عن كونها تدّعي وحدها امتلاك الحقيقة، حقيقة الإسلام، فهي صادرة عن وزارة نظام بشار الأسد، تلك التي همّها تمجيد سيدها، والتبخير له، واختراع حكايات وأمثولات ونسبتها للأسد الأب أو الابن. هي لا شك، في سبيل «الرئيس» على أهبة تزوير كل شيء، بما فيها الإسلام كما أُنزل.

وسوم: العدد 920