لا للانتخابات تحت بساطير الاحتلال

sdhhj928.jpg

مجددا سأغرد خارج السرب، وأعلنها على رؤوس الأشهاد، أنني بالمطلق ضد أي انتخابات في الأراضي الفلسطينية، أو أراضي دولة فلسطين، كما يحلو للبعض تسميتها، بأي شكل من الأشكال. ومنذ البداية كان خطأٌ إجراءها بوجود الاحتلال، وأقصد بالانتخابات ليس الأخيرة التي أعلن عن تأجيلها، فحسب بل ضد انتخابات1996 و2006.

فالانتخابات بالمطلق لم تساعد، بأي شكل من الأشكال، في دفع العمل الوطني وتعزيز القضية الفلسطينية. وانتهت الأولى بمجلس مشلول، نحو 10% من أعضائه في سجون الاحتلال. والثانية بدأت بمقاطعة دولية، والثالثة كانت ستجلب على رؤوسنا كوارث ومصائب، وتزرع في ظاهرينا مسربي أراض وعقارات وعملاء وقتلة، وكانت ستعطي موطئ قدم لجماعة محمد بن زايد. ولكن وقبل الخوض في الأسباب لابد من توضيح بعض الحقائق..

أولا: النظام السياسي الفلسطيني، إن كان موجودا أصلا، بال ومهترئ ولا يختلف حول ذلك اثنان.

ثانيا: منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها حاضنة للعمل الوطني الفلسطيني، والمظلة التي ينضوي تحتها معظم الفصائل، يجب الحفاظ عليها، ولكنها بحاجة إلى إعادة هيكلة حقيقية لتتماشى مع العصر، الذي كما يبدو قد فاتها، وليس بتغيير الوجوه فقط، بل بتحديث المؤسسات البالية، وتغيير النهج والسياسات، وأساليب العمل، وتحتاج أيضا إلى توسيع لتحتضن بقية الفصائل، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ثالثا: نحن مع الديمقراطية بالمطلق، واختيار الشعب لقيادته وحكوماته وأنظمته بشكل حر ونزيه، بدون أي تدخلات من أي أطراف أخرى، لكن الانتخابات لا يمكن أن تكون ديمقراطية ونزيهة وحرة، كما يزعمون، في ظل احتلال كالاحتلال الصهيوني وتحت بساطير جنوده. ولا أرى في تباكي البعض على «إلغاء الانتخابات الأخيرة والحديث عن وأد للديمقراطية، وسلب حق المصير من الشعب الفلسطيني» سوى ذرف لدموع التماسيح. وسؤالي للمتباكين هو، ما الذي حققته وقدمته التجربتان الانتخابيتان السابقتان للشعب الفلسطيني، على مدى ثلاثة عقود، سوى الأوهام والكوارث والمصائب السياسية، ومزيد من الاستيطان، والتعايش مع الاحتلال، وتخدير الشعب الفلسطيني بأوهام الحكم والوزارات. إضافة إلى الجانب السياسي هناك الجانب الاقتصادي، إذ أثقل المجلس التشريعي، كاهل السلطة، التي لا تزال تعتمد على المساعدات والمعونات الخارجية، وزاد اتكالها عليها، برواتب 132 نائبا، تضاف إلى ذلك التكاليف الإدارية والسكرتارية والسيارات والحراسات والامتيازات الأخرى. ولم يقدم النواب، مع احترامي الشديد لكل واحد منهم ولا أحملهم المسؤولية، أي إنجاز على أي من الصعد، خاصة على درب التحرر والاستقلال، وكان المجلس شكليا، وجزءاً من الصورة الوهمية.

لذا أقول بأعلى صوتي، إنني ضد الانتخابات تحت الاحتلال، لأنها رسخت وجود هذا الاحتلال، وأقنعتنا بأننا قادرون على التعايش معه وإدارة شؤوننا اليومية في ظله، بل أوهمنا أنفسنا بأننا بدأنا مرحلة التحرر.

لا للانتخابات في ظل الاحتلال، فلا يمكن لأي انتخابات أن تكون ديمقراطية وحرة ونزيهة بوجود الاحتلال، الذي يتدخل بكل صغيرة وكبيرة ويعتقل وقتما يشاء، ممثلي الشعب المنتخبين، رغم الحصانة الدبلوماسية التي يفترض أن يتمتعوا بها.

لا للانتخابات، لأنها ملهاة للناس عن التفكير والبحث عن وسائل خلاقة لمواصلة النضال، لإنهاء الاحتلال، وتحقيق الاستقلال الحقيقي، الذي تكون فيه الانتخابات مطلبا شعبيا وجماهيريا.

لا لانتخابات استغل فيها الاحتلال ويستغل وسيستغل انشغالنا بها، والصراع عليها، لضم مزيد من أراضي الضفة الغربية، وقضم القدس قطعة قطعة من البلدة القديمة وسلوان للعيساوية لحي الشيخ جراح إلى جبل المبكر، وغيرها من الأحياء لمسح المعالم الإسلامية والعربية في هذه المدينة. لا لانتخابات لا يزال الاحتلال جاثما على صدور الناس ويتحكم بأدق تفاصيل حياتهم اليومية، ويغلق المدن والقرى، ويعتقل ويقتل ويجرح، ويعتدي على المواطنين ويساند المستوطنين. لا لانتخابات ليس الغرض منها بالنسبة للبعض، تحقيق «الديمقراطية» كما يتشدقون بها، ديمقراطية يدوسها أصغر جندي من جنود الاحتلال. لا لانتخابات الغرض منها مجرد تقاسم السلطات، من يأخذ أكثر مِن مَن، في حين يمكن تحقيق ذلك من خلال توزيع المقاعد في المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير واللجنة التنفيذية بشكل توافقي، وبدون حاجة للتنازل عن القدس. لا لانتخابات لن تحدث تغييرا حقيقيا في مؤسسات منظمة التحرير، التي يفترض أن تكون المظلة التي ينضوي تحتها كل مكونات الشعب الفلسطيني. لا لانتخابات لا يكون شرطها تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام. لا نريد انتخابات يذرف من أجلها منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط السابق نيكولاي ملادينوف، دموع التماسيح، وهو المعروف بعلاقاته بالإمارات ومحمد دحلان وإسرائيل، وهو الذي رفضت منظمة التحرير التعامل معه لانحيازه المفضوح لدولة الاحتلال، منسق سلام سابق لا يرى سببا مشروعا لتأجيل الانتخابات، حتى لو كانت على حساب القدس. منسق فشل، على مدى سنوات طويلة في منصبه، من إحراز أي تقدم نحو حل القضية الفلسطينية.

وللتذكير فقط فإن الانتخابات الاولى عام 1996 تمت في أجواء «سكرة» اتفاق أوسلو التي لا نزال نسدد أقساطه. وجاءت هذه الانتخابات لتسويق الاتفاق وبث أجواء الفرح والسلام، وإقناع الناس بأن هذا الاتفاق سيمنحهم الاستقلال والدولة قريبا، على الرغم من التنازل عن 78% من فلسطين التاريخية، وأما الـ 22% الباقية فكانت خاضعة للتفاوض كما حال القدس والحدود، وهو الحال الذي نعيشه الآن. وثبتت هذه الانتخابات أيضا الوجود اليهودي في وسط مدينة الخليل، وتقسيم المدينة لمنطقتين H1 و H2 وإغلاق شارع الشهداء، الذي كان يشكل روح الحياة الاقتصادية فيها. في أعقاب اتفاق الخليل، الذي تم التوقيع عليه في يناير عام 1997، وقسم المدينة إلى منطقتين، H1

وتشكل 80% من المساحة الكلية لمدينة الخليل، ويسكن فيها حوالي 115000 فلسطيني، تابعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة اسميا. ومنطقة H2، ويسكن فيها 35000 فلسطيني وحوالي 500 مستوطن، بقيت هذه المنطقة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بينما نقلت الصلاحيات المدنية اسميا للسلطة الفلسطينية. وخلال انتفاضة الأقصى عاد الجيش الإسرائيلي وسيطر مجددا على المنطقتين بالكامل.

أما انتخابات 2006 فجاءت كالجزء الثاني من مسلسل أوسلو، خاصة بعد انتخابات رئاسية جاءت برئيس جديد، أراد بداية جديدة ومختلفة لعهده، غير أن هذه الانتخابات جاءت بما لا يشتهيه الرئيس الجديد، جاءت بحركة حماس، التي رفضت القبول بالشروط الدولية للتعامل معها، وفي مقدمتها نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، وفي عهد المجلس التشريعي الجديد، وقع الانقسام الذي قاده محمد دحلان، ما زاد الطين بلة، ودفع بالقضية نحو الهاوية. والنتائج ظاهرة للعيان.

أما انتخابات 2021 فماذا كانت ستقدم للقضية الفلسطينية لو تمت؟ إلغاؤها، دفع برئيس قائمة «الحرية والكرامة» نزار بنات، إلى الوقوف إلى جانب دولة الاحتلال في مطالبة الاتحاد الاوروبي والدول المانحة بوقف مساعداتها للسلطة المخصصة أصلا للاحتياجات الإنسانية. وهذه الانتخابات لو تمت كانت ستفتح الأبواب على مصراعيها لتسلل قتلة ومسربي منازل وبائعي عقارات في القدس للمستوطنين، لساحة العمل الفلسطيني، وتحقيق الحلم بالفوز بموطئ قدم في السلطة التشريعية الفلسطينية، عبر قائمة (المستقبل) محمد دحلان مستشار محمد بن زايد، الوكيل الدولي لمنتجات المستوطنات. ونحن هنا نتحدث عن «البروفيسور» سري نسيبة ابن أنور نسيبه الغني عن التعريف وصاحب «التاريخ العريق» عن سري نسيبة عم مندوبة دولة الإمارات في الأمم المتحدة، لانا نسيبة منذ عام 2013. عن سري نسيبة صاحب المواقف المعارضة لمقاطعة الأكاديميين في بريطانيا وفي إسرائيل للمحاضرين في جامعات المستوطنات.

وبعدين تعالوا نتحاسب، عن أي انتخابات حرة ونزيهة تتحدثون؟ هل يمكن أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة بوجود الاحتلال؟ وعن أي انتخابات ديمقراطية تتحدثون، انتخابات تعتقل فيها سلطات الاحتلال وأدواتها القمعية منتخبي الشعب وقادته، وتلقي بهم في غياهب السجون، والأمثلة على ذلك عديدة، وحركة حماس أكثر من عانى، الانتخابات لو أجريت ما كانت لتأتي حتى بوجوه جديدة ناهيك من أفكار جديدة.

كنت قد عنونت مقالي السبت الماضي «إذا كانت القدس هي القربان فلتلغ الانتخابات» وفي هذه الأسبوع قررت رغم التهويش، الذي نسمعه من قبل الكثيرين، والمزايدات والحديث عن وأد الديمقراطية، ونزاهة الحكم، والتغيير للأفضل، قررت أن أعنون مقالي بـ«لا للانتخابات تحت بساطير الاحتلال».

وسوم: العدد 928