كي لا ننسى طبيعة العدو الذي نتعامل معه

ليست تصرفات فردية.. كل شيء تقوم به هذه السلطة مدروس بمنتهى الدقة و العناية.. كل عنصر.. كل ضابط.. كل مستخدم هو عزقة ضمن ماكينة عملاقة... ماكينة لسحق عظام السوريين.. و الدوس على كرامتهم..

كل شيء يحصل لسبب.. و لهدف معين..

سنة 2012 م كنت في دمشق.. أحضر لمناقشة رسالة الماستر في جامعة دمشق.. اعتقل أخي حذيفة من الحرم الجامعي..حذيفة كان في سنته الأخيرة في كلية الطب.. و بدأت رحلة البحث عن مكانه.. و محاولة إطلاق سراحه مقابل أتاوة.. أي أتاوة.. و بعد أسابيع من البحث و العمل قام بعد الأصدقاء بحجز موعد لي عند شخصية أمنية رفيعة المستوى.. كان هذا الضابط يقوم بإطلاق سراح المعتقلين مقابل أتاوات مالية.. عبر شبكة علاقات تمتد عميقا ضمن معظم الأجهزة الأمنية..

و في يوم الموعد ذهبت مع الصديق الذي توسط لي إلى مكتبه.. و عندما دخلنا استقبلنا بوجه سمح.. و بلهجة محلية سورية تدل على أنه من المنطقة التي تعتبر معقل السلطة.... و بعد بضع عبارات من المجاملات بينه و بين الصديق قال له صديقي : هذا صديقي ( و أشار إليّ) له أخ معتقل.. و يطمع في مساعدتكم.. و هو جاهز لكل ما يُطلب منه

التفت إلي الضابط و قال بلهجته الساحلية : مية أهلا و سهلا.. نحن بخدمة الناس الكيسي..

و أخرج ورقةً صغيرة و جهز قلماً و قال : شو اسمو لخيّك؟!

قلت : حذيفة أحمد الطراف

قال : اسم الأم؟ أجبته

قال مواليدو؟ أجبته

و هو يدون ما أمليه عليه

قال :من وين أخدوه؟.

قلت : من المدينة الجامعية..

فتوقف عن الكتابة و نظر إليّ و قال : ليش شو بيشتغل خيّك؟

قلت : طالب بكلية الطب البشري

فتغيرت ملامحه.. و تحولت لهجته لشكلٍ أكثر جديةً و قال : شوف يا ابني.. خيّك ما بيطلع... مهما دفعت و عملت ما بيطلع.. ما في حدا بهالبلد بيحسن يطالعو... انسى موضوعو..

حاولت أن أناقشه.. لكن كرر ما قال مشدداً..

و قال : بذمتي لو خيك مسلح.. و قائد مجموعة أنا بطالعو... بس طالب جامعة... و دكتور.؟!...هاد مستحييييل يطلع...

و عندما يئست و هممت بالخروج.. و وصلت لباب المكتب قال : شوف يا ابني.. خدها نصيحة من هالدقن ( و أمسك ذقنه) لا تخلي حدا يضحك عليك مشان خيك... خدها مني : أي واحد بيقلك أنا بطالع خيك هو كذاب...

و فعلا... لم يخرج أخي... و قتُل تحت التعذيب..

منذ ذلك الوقت أدركت أن كل شيء بجري في هذا البلد لسبب.. و لا وجود فيه ( للتصرفات الفردية)..

وسوم: العدد 933