أين من ينصح لله عز وجل ممن يتعقب نصحه بالتعقيب والملاحظة والانتقاد المجاني؟

قليل جدا هم الذين ينصحون لله عز وجل بينما الكثرة الكاثرة لا تفعل، ومع ذلك تنبري لنصح الناصحين بالملاحظة والتعقيب والانتقاد ، وشتان بين الموقفين ، ذلك أن الناصحين  يؤرقهم البحث عما يصلح نصحا ، وما به يقع النفع ، بينما ينتصب غيرهم للاستدراك عليهم ،لأن ذلك لا يكلفهم  لا بحثا ،ولا جهدا ،ولاسهرا  بل ينطلقون مما يقدم غيرهم  للخوض فيه  بعبث ،وغالبا ما يكون استدراك هؤلاء من سفساف الكلام الذي لا طائل من ورائه ،ويكون غرض أصحابه  حب الظهور وإثبات الذوات ، وذلك لعمري تنفيس عن عقدة الشعور بالنقص  أمام من ينتقدونهم مجانا .

 وشأن المعقبين على  الناصحين كشأن بناة  يبنون بنيانا حتى إذا ما استوى انتقده  من لا صلة لهم بفن البناء وهم لا يجيدون سوى الهدم ، وما أكثرهم .

ومعلوم أنه لا يفضل أي عمل أو قول مهما كان  سوى عمل أو قول مثله يفوقه  وإلا ظل ذلك العمل أو ذلك القول هو الأفضل ، ولا قيمة لانتقادهما طالما لم يوجد نظير لهما ترجح كفته كلى كفتيهما .  

وأذكر منذ سنوات خلت أنني حين كنت أزوال مهمة المراقبة التربوية أوكلت إليّ الوزارة الوصية  تقديم منهاج تربوي جديد للأساتذة ، فعقدت ندوة تربوية معهم لهذا الغرض ، وبعد استعراضه فتح نقاش حوله ، وكانت أغلب آراء الحاضرين معترضة عليه ، ولما جاء دوري للرد على اعتراضاتهم  ،أحضر رئيس المؤسسة طبقا  فيه طعام مغطى بمنديل إكراما لهم ، فكشف عن الطعام ، وقلت : من يزعم أنه يملك اللحظة أحسن من هذا الطبق فليقدمه لنا ، والموجود أفضل من المعدوم بالضرورة ، وكان ذلك جوابا على اعتراض المعترضين على المنهاج الجديد المقدم لهم قبل معرفته وإخضاعه لمحك التجربة .  

ولو أن كل من ينتقد ما يقدمه غيره من فعل أو قول يجرب أن يجاريه أو يحاكيه قبل التعقيب عليه وانتقاده لما أقدم على ذلك لأنه حينئذ سيعرف قيمة ما قدمه هذا الغير ، وما بذل من  أجله من جهد ،وما عاناه وكابده .

ومن المؤسف أن يكون النقد غير الهادف والعابث والتافه عادة سيئة شائعة بين كثير منا، ذلك أنه لا يكاد فاعل يفعل  فعلا أو قائل يقول  قولا حتى ينبري له عشرات المنتقدين الذين ينطلقون من عمله أو قوله لانتقاده  وهم عالة عليه  تماما كما يكون كثير من النقاد عالة على الشعراء  المبدعين  ، يكثرون الخوض في انتقاد أشعارهم، وهم لا يستطيعون قرض بيت  واحد من الشعر  يمكنه أن يتعلق بغبار بيت  واحد من أشعارهم ، ولهذا يكثر حجم  الانتقاد بينما يقل ويعزّ حجم الإبداع .

وفي الأخير نقول للذين ينتقدون ما لا يستطيعون الإتيان بمثله مثل الذي قال الله تعالى لمن وصفوا رسوله صلى الله عليه وسلم بافتراء ما أوحاه إليه : (( أم يقولون افتراه  قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات )) .

وسوم: العدد 936