قضايا ملتبسة – ٣

تاريخنا الطائفي - أو جمهورنا ..؟!!

وما زلنا نسمع التهمة في المجالس، ونتابعها في المدونات، والمحاضرات والمقالات والمقررات..

وبعض الناس تمادوا من اتهام الحاضر إلى اتهام التاريخ. ومن توصيف الظالم إلى اتهام الضحية...

أما الحديث عن التاريخ، فلن أتوقف عنده طويلا، ولا يهمني أبدا، أن أستجر، للدفاع عن التاريخ، ليس لأن أمر تاريخنا الحضاري والثقافي والاجتماعي والسياسي ملتبس، ولكن لأن تاريخنا عندما، يقارن في سياقاته العامة يبقى متفوقا أبدا وهذه ليست نرجسية تاريخية، كما يدعون. ينتقد التاريخ في سياق الاعتبار" أسامة ابن منقذ" في أرقى تجربة لرواية التاريخ العسكري والسياسي والاجتماعي والتاريخ المقارن لقوم يعلمون.

واعتبر " تاريخُ الأفكار" أحدَ فروع علم السياسة، عندما قررت الأمم المتحدة الاعتراف بالسياسة علما، وتكريسه مرموقا بين العلوم منذ ١٩٤٨

والمنهج البحثي العلمي الحضاري أو التاريخي، يقتضي عندما نجري الموازنات النظرية" الفكرية" أو التاريخية " العملية" أن نجريها في فترة تاريخية واحدة..

فنعتمد مثلا القرن السابع  أو السابع عشر، لندرس موقع "الإنسان - المواطن" في ظل منظومة سياسية أو ثقافية ، ندرس حقوق الانسان الفرد المؤتلف أو المختلف دينا أو عرقا أو مذهبا في سياق حضارات وأنظمةوسلطات حكم مختلفةً..

كيف كانت حقوق الفرد في ظل حكم الرشيد، وشارلمان وتقفور مثلا ، حقوق الرجل وحقوق المرأة، حقوق المسلم وحقوق غيره في ظل الرشيد،وحقوق المسيحي وحقوق غيره في عهدي نقفور وشارلمان أيضا. ولا ننسى حقوق المرأة ايضا ونصغي ونحن نقارن إلى صوت " المسلمة الزبطرية" تنادي " وامعتصماه"

من العسف أو السذاجة أو سوء النية أن نجري مقارنات بين واقع تاريخي كان منذ ألف سنة، وآخر يتمثل في آخر ما توصلت إليه حضارة الانسان في القرن الحادي والعشرين- على ما نعرف عنها وفيها- ثم نصدر الأحكام ..

سيخبرنا علم التاريخ المقارن في ظروفه وشروطه أنه بينما كانت محاكم التفتيش تقتل الناس على أفكارهم وعقائدهم وأديانهم، بمن فيه من اتهموا  بالهرطقة من المسيحيين، كان هؤلاء المستضعفون من البشر يجدون أمنهم وأمانهم  في ديار أخرى وفِي ظل حضارة أخرى. تعالوا نقارن وضع المرأة في أثينة أو في روما أو في باريس أو دمشق أو في بغداد أو في قرطبة في قرن واحد من التاريخ الاجتماعي ثم نصدر الأحكام.

تعالوا نتذكر أن التمييز العنصري سقط رسميا في عالمنا المسلم منذ القرن السابع الميلادي عندما ارتقى بلال ظهر الكعبة يؤذن عليه؛ بينما استمر في الأماكن الأخرى حتى سقطت آخر قلاعه - نظريا- في جنوب إفريقية وفِي الولايات المتحدة الأمريكية، في الشطر الثاني من القرن العشرين..

هكذا تجرى المقارنات والمناظرات التاريخية،  على المستويات الحضارية والمدنية والفكرية والاجتماعية والسياسية ، ومن كان عنده زيت يبيعه في سوقنا فنحن لزيته أول المسوقين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 945