المعارضون السوريون .. في كل واد يهيمون...!!

وصاحب المشروع أحرص على الجذب وصاحب الغرض أحرص على النبذ!!

ليس جميلا أن ننعى " المعارضة" السورية، ولا مشروعها هذا إن كان لها يوما مشروع .. ومن الضروري أن نميز بين "مشروع المعارضة" و"مشروع الثورة" الذي ظل غالبا جنينيا في العقول والقلوب. وأن نؤكد أن هلال التقاطع بين المشروعين بات في المحاق، وأن مشروع الثورة باق ما بقي في سورية التين والزيتون وما بقي أبناء الشهداء على ذكرى آبائهم يدّفئون، حتى يكون العدل ويعم السلام.

وأعود إلى الحديث عن معارضة تائهة هائمة مرة على القفا ومرة على الوجه، وأنا بهذا الكلام لا أخص فصيلا ولا حزبا ولا تشكيلا ولاهيئة ولا تيارا ..وإنما أخص كل من انطبق عليهم وصف" المعارضة" وكلهم، فيما أرى في وديان " تهلك " ، هائمون ..

وألوب على مواقف ومواقع وصفحات المعارضين ومؤسساتهم، على اختلاف هوياتهم وتوجهاتهم ،فلا أرى ولا أسمع من هو مهتم بسورية، لا بحاضرها ولا بمستقبلها، ولا بشعبها ولا بأرضها ..!!

عن نفسي كتبت بالأمس مقالين عن " كشمير " وعن " انتخابات العراق " وأول أمس " عن محنة المسلمين في الهند " وتسألني : هل هو الهرب إذن ، فأتلعثم ولا أعرف كيف أجيب ..!! وأتذكر قيسا يقول ليلى متشكيا.

وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ...فأفنيت علاتي، فماذا أقول ؟؟؟

نعم أيها الشعب الحر الأبي الكريم السيد : فماذا نقول ..

وفضاءات المعارضين السياسيين منذ حين ، ودائما أشدد على الممسكين بقرار المعارضة، منهم مزدحمة بطائرات ورقية من نوع :

الموقف الأمريكي في الشمال، الموقف الأمريكي من التطبيع مع النظام، الموقف الأمريكي وقانون قيصر ، الموقف الروسي بكل تفاصيله حتى مستوى رمشات عيون بوتين، وتغضنات وجه لا فروف، تحليل مواقف دول الخليج المطبعة أو التي تنحو إلى التطبيع، المبالغة في تحليل مدلول العطسة التركية سواء صدرت عن الحكم أو عن المعارضة، الانشغال في التشنيع اللفظي على الدور الإيراني، زيارة " عبد الله يان" وزير الخاجية الإيراني إلى دمشق، وماذا قال للأسد وماذا قال له؟! والجديد اليوم في أوراق المعارضة " عودة رفعت أسد " إلى سورية ، عودة الذئب إلى العرتوق، أو عودة الحية إل جحرها، والعلاقة الشعبية القديمة بين الكلب وذنبه...فإذا خرج السادة " الأنتلجنسيون" السوريون عن هذا فإلى نتف موضوعات ما يزالون يدورون في فراغاتها ، شكل الدولة ، مواد الدستور ، علمانية أو إسلامية، مفهوم الوطنية،!!

والأخطر اليوم في الساحة ، بروز مشتقات داعشية أكثر تمدنا، يلبس أصحابها البدلات، ويعقدون ربطات العنق، ويحدثونك بندوات ومحاضرات ومقالات عن "المفارقات" على كل صعيد. وإذا كان فقه الثورات العامة هو فقه المقاربات العامة التي تجذب وتجمع وتوحد، فإن فقه " المفارقات" هو فقه النبذ والدفع والدع والتطفيش. وليس منا من لم يقل بقولنا حتى في جنس الملائكة أو لذاذة طعم الباذنجان ..

 هو مشروعهم في هذا الظرف الذي تختلط فيه النار بلحوم البشر ، التأكيد على " المفارقات" التاريخية والدينية والفكرية والسياسية والمجتمعية، ورفع شعار " ليس منا " فوق كل جملة وسطر وفكرة ، وينحازون دائما في اختياراتهم إلى لأوليّ لأن " الأوليّ -في مفهومهم- وليّ " ويشققون ألوانا للخلاف ليس على مستوى النوع أو الجنس بل الاختلاف على مستوى الدرجة، فزرقة السماء أو البحار ، يمكن بقليل من التعتيم أن تصبح كحلية، تصلح للبس أيام الحزن، ويحرمون عصير العنب لأنه يمكن أن يكون خمرا !!وهكذا يسعى فرقاء متعددون من هؤلاء وعلى كل المحاور ومن كل مدارس الفقه الديني والمدني ، أن يشغلوا الناس عن جروحهم النازفة، بسؤال: كيف يصلي الجريح بدمه، والمفارقة في فقه نجاسة الدم أو طهارته ، ونقض سيلانه للوضوء من عدمه ، وكيف أكمل عمر - رضي الله عنه - صلاة الصبح وجرحه يثعب؟؟ أوكذا حول الخلافات الموسمية ومنها هذه الأيام هل الاحتفال بيوم المولد النبوي واجب أو بدعة، وما هو حكم منكره أو القائل أو القائم به ؟؟؟؟

كل هذا فضاؤنا أنا وأنتم !! وهل أنا إلا رجل من قومي ؟؟

بينما الفضاء السوري الحقيقي مزدحم بالمشروعات العملية تمثلها : قوى وميليشيات ومعسكرات وعتاد من طائرات وراجمات ودبابات ودبلوماسيات وأرصدة...

 مشروع أمريكي يختلف الكهنة السوريون حتىاليوم على قراءة أحرفه، أو فك رموزه وطلاسمه..ولو استعاروا غجرية، لقالت لهم جميعا " حطوا إيدكم على الودع وخليكم معي بالسمع " ولحدثتهم مع غفلتها بالحق الذي لا يحتاج إلى بصّارة ولا براّجة ..

ومشروع روسي؛ وهم وإن قرؤوه ،ما زالوا مختلفين فيه، وعليه، ومع عشرات الأوف من الطلعات والغارات والشهداء، ومع ستة عشر فيتو في مجلس الأمن ، ما زال المعارضون السوريون في أمر هذا العدو الضامن لحلهم السياسي مختلفين ...!!

والمشروع الإيراني ، وويلي إن تشاغلت في هجاء المشروع الإيراني ، وبعض السوريين الأجلاء كتبوا في هجاء بعضهم، وحاضروا في التنديد بالمعاصرة والأصالة، أكثر مما كتبوا في تحليل المشروع الإيراني ، وبيان أهدافه ومحطاته ومفاصله ووضع خطة عملية لمواجهته، وهم يعلمون أن المشروع لا يواجه إلا بالمشروع!! ..

- ومشروع أسدي- قام على سيوف مستعارة، وما زال يفري في لحومنا فريه ونحن كما نرى أنفسنا نردد قول ابن كلثوم :

أبا هند فلا تعجل علينا ...وفي مثلنا قالت العرب :

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ...قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ..

ومشروع أوجلاني- وبالأمس كان مئات السوريين!!! يرفعون صور أوجلان، وأعلام حزبه قرب عفرين السورية ، أستشهد بالأمس لكي لا يرد قولي أحد، ..

وفوق كل هذه المشروعات ، وتحت كل هذه المشروعات ، وفي حشوة كل هذه المشروعات؛ المشروع الصهيوني، الذي كان في واقعنا السوري أولا وآخرا ..

وكل هذه المشروعات ليست حبرا على ورق، ولا هتافات ترددها الحناجر ، ولا تسجيلات فيديو للشجب والنتديد ، ولا هي بيانات وتصريحات؛ ولكنها أشبه بمشروع بناء تحت الإنشاء، رسمت مخططاته ، وحفرت أساساته، و استحضر اسمنته وحديده ، وبعض الورشات أنجزت منه طابقا والأخرى أنجزت منه اثنين وما نزال انحن المعارضين في ريبنا نتردد !! ..

وأعود إلينا نحن المعارضين جميعا ، فأتساءل ما هو مشروعنا العملي ، وليس عنواننا الأدبي ؟؟ وعلى أي شيء نعمل، بالأمس وصلني عرض من جهة ما، عن تصور لدستور ؟؟؟ هل كان مليون شهيد من أجل تعديل دستور؟؟ أي ضياع هذا ؟ أي فوضى هذه؟ أي تخبط هذا ؟! وفي أي وديان التيه أو صحاريه ما زلنا نهيم..

وطرف آخر يحاضر عن مفهوم الوطنية..وهل الوطنية مفهوم وعلى مقاس يمكن أن يفصل، وهل يحق لي كسوري أن أخلع هذه الخلعة على قوم وأجرد منها آخرين ، وهل رأينا فيما تابعنا إنسانا سويا نفسيا ، وبالأمس كان يوم الصحة النفسيية ، لا يحن إلى وطنه، ولا يتمنى له كل الخير والبر ؟؟ عن الأسوياء أتكلم...

 ثم نجد في الساحة تموج أرضيتها بدماء الشهداء ، وبمشروعات الطامعين والمستحوزين ، شيخا مسلما يبين للناس أن الخلفية الإيديولوجية للديمقراطية كفرية محضة، وأنها تقوم على قاعدة انتزاع حق الحاكمية من يد الله ووضعها بيد البشر، وينسى الشيخ الوقور أن الله سبحانه وتعالى جعل شريعته وكتبه في عهدة البشر ،من لدن نوح - ونوح هو أول الأنبياء جاء بالشرائع- وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعي، وأن الربانيين والأحبار ومن تلاهم قد "استُحفظوا" على كلمات الله، فمنهم من حفظ ومنهم من ضيع.، وأن قول علمائنا الأثبات وراء كل فتوى أو تفسير "والله أعلم" يريدون أن يبرؤوا من الادعاء أنهم يتكلمون "باسم الله .. بل يعبرون عن فهمهم لمراد الله، وأن لا أحد يقول "الحقَّ الحقَّ أقول لكم ". إلا رسول مرسل ، أو نبي مكلف .. ولا أريد أن ندخل في سجال هو في التوقيت الذي نحن فيه من اللغو والتفريط والتضييع والإشغال عن العدو الذي نزل في أرضنا، فتشاغلنا عن منازلته إلى البحث: تحت أي راية ننازله ؟؟؟

"حِملنا في سورية واقع " وهذا نعبير عامي عن حالة الكارثة التي يعيشها الفرد أحيانا في مجتمعه.

وعندما "يقع الحملُ ، لا يبقى هناك فرصة لكل هذه التعلات والمشاغبات والحيصات والبيصات، والقيل والقال، المكروه أصلا في حالة العافية، فكيف وقد نزل الضر والبلاء ؟؟

نعم هذه الثورة تحتاج إلى مشروع، وهذا الحمل يحتاج إلى من ينهض به، وهذا الواقع يحتاج إلى من يقاربه مقاربة كلية واقعية حكيمة تضع نقطة البداية تحت عنوان "من هنا نبدأ " ، إلى نقطة النهاية، و"هنا ننتهي"، مرورا بخارطة طريق ، هكذا نعمل ..

أكثر من عشر سنوات وهذه الرؤية وهذا الطرح ديدن بعض الناس، ما شغلهم فوران القدر عندما فارت ولا أيأسهم انسكاب مائها عندما انسكبت فأطفأت من تحتها النار ...

المشروع الكلي، ومحور العمل الرئيسي...والبداية الصحيحة هي التي تجنبنا الخلل، والخلل في رأس الزاوية، مهما كان طفيفا مع الزمن يتسع..

وأصبح حالنا أيدي سبا، وكلامنا كلام الخليين في حكايات الوسائد الخالية!!!

اللهم ومن اشتغل فينا، لينقض علينا غزلنا، فأشغله بنفسه، واكفنا شره ..

وهيء لنا من أمرنا رشدا ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 950