طفولة فلسطينية معذبة في يوم الطفل العالمي

المحامي علي أبوهلال

احتفل العالم يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بيوم الطفل العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة بعد إعلانها حقوق الطفل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1959، ونشر غوغل على واجهة البحث الرئيسية صورة مبهجة تعبر عن براءة الأطفال باعتبارهم زهور اليوم ونجوم الغد وأمل المستقبل وشمسه المقبلة التي تنبض بالحياة والحب. ويعد اليوم العالمي للطفل هو يوم اليونيسف (منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة) السنوي المخصص للعمل من أجل الأطفال ومن قبلهم. ويوم الطفل هو يوم تذكاري يُحتفل به سنويًا على شرف الأطفال، ويختلف تاريخ الاحتفال به حسب الدولة.

في عام 1925، تم إعلان اليوم العالمي للطفل لأول مرة في جنيف خلال المؤتمر العالمي لرعاية الطفل. ومنذ عام 1950 يجري الاحتفال به في 1 يونيو/حزيران في معظم الدول الاشتراكية. وأقرت الأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني يومًا عالميًا للطفل تزامنًا مع إعلان حقوق الطفل في اليوم ذاته من عام 1950. وفي بعض البلدان، يكون هذا الأسبوع هو أسبوع الطفل وليس يوم الطفل.

وبينما يحيي أطفال العالم هذا اليوم بالبهجة والسرور من خلال إقامة الفعاليات الخاصة بالأطفال والتي تعبر عن ضرورة احترام حقوق الأطفال، وتوفير كل الحقوق الذي ينبغي توفيرها لهم على كل الأصعدة، يعيش الأطفال الفلسطينيون في حياة قاسية ومعذبة تنتهك فيها أبسط حقوقهم الإنسانية التي تكفلها لهم كافة الشرائع السماوية والمواثيق والاتفاقات الدولية.

ووفقا لتقارير المؤسسات الفلسطينية الحقوقية والتعليمية فقد استشهد 15 طفلا فلسطينيا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل 1194 منذ بداية العام الجاري، وحتّى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وتستهدف قوات الاحتلال الأطفال خلال عمليات اقتحام لمنازل ذويهم، ومدارسهم، حيث نفذت أكثر من 100 هجوم على المدارس؛ تنوعت ما بين إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، والمطاطي، واقتحام المدارس، من قبل جنود الاحتلال ومستوطنيه.

وتؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إنّ نحو 160 قاصرا يقبعون في سجون الاحتلال، وموزّعون على سجون "عوفر" و"الدامون" و"مجدو". وأشارت هذه التقارير إلى أنّ سلطات الاحتلال اعتقلت نحو (19 ألف) طفل (أقل من عمر 18 عاما) منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر عام 2000، من بينهم أطفال بعمر أدنى من 10 سنوات. واستنادا إلى الإحصاءات والشهادات الموثّقة للمعتقلين الأطفال؛ فإنّ ثلثي الأطفال المعتقلون تعرّضوا لشكل أو أكثر من أشكال التّعذيب الجسدي، فيما تعرّض جميع المعتقلين للتّعذيب النّفسي خلال مراحل الاعتقال المختلفة.

 وتمارس بحقّ الأطفال المعتقلين أنماطاً مختلفة من التّعذيب خلال وبعد اعتقالهم، وذلك بشكل ممنهج وواسع النّطاق، ما يعتبر من بين المخالفات الجسيمة للقانون الدولي، خاصّة اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطّفل، وذلك منذ لحظة اعتقالهم، ومروراً بالتّحقيق القاسي معهم، وحتّى اقتيادهم إلى السّجون. كاعتقالهم ليلاً، والاعتداء عليهم بالضّرب المبرح، متعمّدين القيام بذلك أمام ذويهم، وإطلاق النار عليهم قبل وخلال عملية اعتقالهم، واقتيادهم وهم مكبّلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين، وإبقاؤهم دون طعام أو شراب لساعات طويلة، والمماطلة بتبليغهم بأن لديهم الحقّ بالمساعدة القانونية، وتعرّضهم للتّحقيق دون وجود ذويهم بما يرافق ذلك من عمليات تعذيب نفسي وجسدي، إضافة إلى انتزاع الاعترافات منهم وإجبارهم على التوقيع على أوراق دون معرفة مضمونها، وتهديدهم وترهيبهم، وخضوع بعضهم لتحقيق المخابرات، واحتجازهم في مراكز التحقيق والتوقيف لمدد تصل إلى الشّهرين.

ويتعرض المعتقلين الأطفال لأساليب تعذيب شتّى ومعاملة لا إنسانية ومنافية للمعايير الدّولية لحقوق الإنسان، حيث يتم احتجاز غالبيتهم في سجون داخل دولة الاحتلال، بشكل يخالف اتفاقية جنيف الرابعة، ويتسبّب في حرمان الغالبية منهم من زيارات ذويهم. هذا بالإضافة إلى معاناة الأهل في الحصول على التصاريح الّلازمة للزيارة، التي تمنحهم حق التنقّل، حيث تماطل سلطات الاحتلال في منح التصاريح ما يطيل فترة الانتظار، فيما تحرم كثير من العائلات من الحصول عليها. كما تزجّ سلطات الاحتلال بالأطفال في مراكز توقيف ومعتقلات تفتقر للحد الأدنى من المقوّمات الإنسانية، وتحرم العديد منهم من حقهم في التّعليم، والعلاج الطّبي، ويحرمون من إدخال الملابس، والأغراض الشخصية، والكتب الثقافية، ولا تتوانى إدارة السّجون عن معاملتهم كمعاملة الأسرى البالغين، باقتحام غرفهم ورشّهم بالغاز وضربهم وتقييدهم وإلحاق العقوبات بهم، كالعزل وسحب الأغراض الشخصية والحرمان من "الكنتينا".

ويخضع المعتقلون الأطفال من محافظات الضّفة لمحاكم عسكرية تفتقر للضّمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، ودون أيّ مراعاة لخصوصية طفولتهم ولحقوقهم، ووضعت تلك المحاكم الإسرائيلية تعريفاً عنصرياً للطفل الفلسطيني لسنوات، بحيث اعتبرته الشّخص الذي لم يبلغ سنّ (16 عاماً)، وليس (18 عاماً)، كما تعرفه اتفاقية حقوق الطفل أو يعرفه القانون الإسرائيلي نفسه للطّفل الإسرائيلي، كما وأنّها تحسب عمر الطفل الفلسطيني وقت الحكم وليس في وقت تنفيذ العمل النّضالي.

فيما تُخضع الأطفال المقدسيين لأحكام قانون الأحداث الإسرائيلي، وبشكل تمييزي، إذ تميّز بين بين الطفل الفلسطيني والطفل الإسرائيلي عند تطبيق القانون، وتحرم شرطة الاحتلال الإسرائيلية الأطفال المقدسيين من حقوقهم أثناء الاعتقال والتحّقيق، بحيث أصبحت الاستثناءات هي القاعدة في التعامل مع الأطفال المقدسيين، وتعتبر نسبة اعتقال الاحتلال للقاصرين المقدسيين الأعلى مقارنة باعتقالات بقية القاصرين من الضّفة الغربية. كما يخضعون لسياسة الحبس المنزلي والإبعاد عن المدينة المقدسّة، وفرض الغرامات الباهظة على أهالي الأطفال، واحتجاز المقدسيين في سجون مختلفة عن السجون التي يحتجز فيها الأطفال المعتقلين من الضفة الغربية وذلك للحيلولة دون اندماجهم، وبالمقابل؛ فهي تسعى لدمجهم مع السّجناء الإسرائيليين الجنائيين في السجون المدنية ومراكز الإيواء. وقد استحدث "الكنيست" خلال السّنوات الأخيرة تشريعات بإيعاز من شرطة ونيابة ومحاكم الاحتلال بالحكم بأحكام عالية على أفعال احتجاجية يقوم بها القاصرون، بالإضافة إلى تتبّع منشورات منصّات التّواصل الاجتماعي وطرحها كتُهم "أمنية"، واعتقال الأطفال على إثرها وخضوعهم للمحاكمة والسّجن.

وكشفت منظمة (بتسليم) الحقوقية الإسرائيلية الأسبوع الماضي اقتحام ثمانية جنود من الجيش الإسرائيلي لمبنى تملكه وتسكنه عائلة فلسطينية في الخليل بالضفة الغربية مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بذريعة البحث عن أطفال قالوا إنهم “قذفوا حجارة”. وبحسب المنظمة فقد اقتحمت القوات بيت عائلة دعنا قرابة الساعة الثامنة مساء، يوم 3 سبتمبر، وأمروا جميع سكانه بأن يجلبوا أطفالهم إلى الساحة كي يصوروهم على نحو غير قانوني. وأوضحت المنظمة أن أهالي البيت شرعوا في جمع أطفالهم وكان بعضهم نائمًا، ثم اقتحم 3 جنود شقتين في المنزل وتجولوا في الغرف. ويتبين من الفيديو -الذي نشرته المنظمة على يوتيوب- مدى الفزع الذي أحس به هؤلاء الأطفال وجميعهم دون سن العاشرة تقريبًا. بينما صعد جنود آخرون إلى سطح المبنى واحتجزوا فتيانًا وشبانًا هناك تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا ومنعوا أفراد العائلة من توثيق ما يحدث. وبعدما صور الجنود جميع الأطفال، غادروا المبنى مخلّفين وراءهم أهالي يساورهم القلق وأطفالًا مرعوبين، وأضاف البيان “يجسد هذا التوثيق كيف تنتهك حياة الفلسطينيين اليومية بتعسّف تحت الاحتلال والسهولة التي ينتهك فيها الجنود حقوقهم”. بما فيهم الأطفال في سن المرحلة الابتدائية باعتبارهم مجرمين محتملين يُسمح بإيقاظهم في أي وقت من الليل واقتحام منازلهم وترهيبهم.

وفي ظل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال الفلسطينيين، من قبل قوات وحكومة الاحتلال يبدو كم هي حياتهم قاسية ومعذبة تنعدم فيها حقوقهم الإنسانية، بعكس حياة أطفال العالم الذين يعيشون في ظروف طبيعية وسعيدة ومريحة، وهكذا تمارس حكومة الاحتلال انتهاكاتها بحق الأطفال الفلسطينيين بدون رقابة ومحاسبة وتظل سلطة فوق القانون، على مرآى ومسمع من المجتمع الدولي الذي لا يزال يمارس معايير مزدوجة وانتقائية في تطبيق القانون الدولي.

وسوم: العدد 956