الجريمة مستمرة !؟ محاكم التفتيش وتطبيقاتها في سورية الأسيرة ؟!!

كتب أحد الأكاديميين السوريين مقالة في مجلة خليجية تحت عنوان (محاكم التفتيش هل يمكن أن تعود ؟

ومع كل فقرة أوردها الكاتب ،يحس من عاصر وتابع الأحداث في سورية في عهد أسدهم الراحل وأسدهم الذي سيرحل ، أن هذه المحاكم قد بعثت فوق تراب الشام وأن ضحاياها هم أهله وبنوه ..

  1. " أن المتهم مذنب حتى تثبت براءته ، ومن الأفضل أن يحكم على مائة بريء من أن ينجو من العقاب مذنب واحد "

التطبيق : في الاعتقالات الجماعية والعقوبات الجماعية التي كانت تجري في شوارع المدن الكبرى حلب إدلب –حماة –وحتى القرى الصغيرة وفي أخذ الرهائن من أهل و أبناء وفي سجن الأصدقاء لكونهم يعرفون المتهم ولأنهم وجدوا رقم هاتفه في دفتره ( الرياضي العراقي هلال نموذجا)

2.تكتفي المحكمة بشهادة واحد أو اثنين من المخبرين السريين لتوجيه تهمة (الهرطقة) يقابلها (معاداة النظام في سورية ويذكر أن حافظ الأسد ردد هذه الكلمة في سلسلة خطاباته في 1980 م وطلب استعمال القسوة والعنف ضد معارضيه )إلى أي إنسان حتى ولو كان الشاهد من أصحاب السوابق

التطبيق : في تجنيد الآلاف ممن ليس لهم ذمة ولا خلق ، ودفعهم إلى مراقبة أنفاس المواطنين ، واعتبار تقاريرهم شهادات لا تقبل الرد ، بدءا من مذبحة 18 تموز 1963 ضد الضباط الوحدويين وليس انتهاء باعتقال العائدين من الحج والعمرة لكونهم رفعوا أيديهم بالدعوة على الظالمين .

وإحساس المخبر المرافق أنهم يقصدون الجهة التي يعمل فيها ! وفي المحاكمات التي جرت لنخبة من شباب سورية ، وقد تزيد تطبيقات النظام المتهالك في سورية عليها كما في الحجز الاحتياطي لمن يمكن أن يظهر منه مستقبلا معارضة له ..

3."تظل أسماء المخبرين سرية ويتقاضون مكافآت مادته من أموال ضحاياهم وروحية حيث وعدتهم الكنيسة بدخول الجنة .

التطبيق: زرع العشرات من المخبرين في صفوف العلماء والضباط و حتى البعثيين ، وإرسال من يتباكى على الوطن والمواطن إلى خارج القطر ليندس في صفوف المعارضة ، ثم حصول هؤلاء على أموال طائلة ، ومراتب حكومية أو حزبية لا يستحقونها كما في مصطفى التاجر وجاهد دندش وغيرهما .

4." كان التعذيب مرحلة مهمة من مراحل التحقيق ،وتقشعر الأبدان مما ترويه المصادر عن أشكاله وأدواته ، بل كانت تزهق أرواح الكثيرين منهم تحت التعذيب نتيجة الألم والخوف والإرهاق ".

التطبيق : وهذه تفوق بها نظام العصابة في دمشق فعلى امتداد أربعين عاما وعلى امتداد التراب السوري الحزين شهدت المدن والقرى والسجون والشوارع ما تقشعر له الأبدان فبعد التعذيب والقتل يكون السحل كما حدث لنخبة من شباب سرمدا وعلى رأسهم الشيخ أمين خطيب جامع القرية وللمدرس محمد حجّار في جسر الشغور والنقيب إبراهيم اليوسف في حلب

5."كانت ذرية المحكوم تتحمل تبعات جريمة حيث يحرم أبناؤه وأحفاده من وظائف ومهن كثيرة ، كما تصادر أملاكهم ويعيشون حياة العوز بل كان بعضهم يمارس الدعارة للحصول أحيانا على لقمة العيش في حين يتمتع الملك ورجال المحكمة بممتلكاته الموروثة"

التطبيق : أبناء المعتقلين أو الشهداء أو الملاحقين يحرمون من التطوع في الجيش ومن التوظيف ومن دخول بعض الكليات الجامعية أحيانا لأنها محجوزة لأبناء الجلادين و أتباعهم .

وأما مصادرة الأملاك فتشهد له اللاذقية و إدلب وحلب وغيرها ، و اعتبار أموال المحكوم أو الملاحق نهبا مباحا ، والوقائع أكبر وأكثر من مساحة هذه المقالة

وزاد النظام العصابة في دمشق على المحاكم التفتيش أنه أفقر مجمل الشعب السوري ماديا وفكريا وأخلاقيا ، وأصبح للدعارة سماسرة ومواقع ثابتة ومتحركة ، وبعضها تحت حماية رجالات النظام وجلاديه العظام

  1. ومن غرائب قوانين هذه المحكمة أنها لم تكتف بمحاكمة المتهمين الأحياء ، وإنما كانت تعاقب الأموات أيضا فإذا اكتشفت أن أحد الأموات كان يمارس الهرطقة في حياته (يقابلها في سورية التوعية وتبصير المواطنين بما سيكون عليه مصير البلاد إذا استمر حكم مثل هؤلاء ) فإنها تقوم باستخراج ما تبقى من جثته في القبر وتحرقها في احتفال ديني وتصادر ممتلكاته و تحرم ورثته منها

وكان يمنح الوشاة الذين بلغوا عن الهراطقة الموتى نسبة عالية من هذه الممتلكات مكافأة لهم

التطبيق : يشترك في محاكمة المعارضين للنظام إعلامه و أبواقه ومؤسساته وأذنابه

فكل من دعا إلى محاربة الظلم وحث على الفضائل هو عدو له لأن النظام يقرأ التاريخ العربي و الإسلامي و السوري الوطني قراءة خاصة من خلال منظار شعوبي حاقد، فهو يشجع على طمس معالم التاريخ القريب بمسلسلاته (ويعف القلم هنا عن ذكرها ) ويقوم بعملية تجهيل الأجيال برموزها الوطنية والمحلية ، وهو هنا يخالف محاكم التفتيش في نبش عظام الأموات حين يعمد إلى إهالة أطنان من تراب النسيان عليها فكثيرون جدا يجهلون من هو فارس الخوري وهاشم الأتاسي وكثيرون لا يعرفون شيئا عن شاعر الإنسانية المؤمنة (عمر بهاء الأميري ) ولا عن صاحب سفر التربية الإسلامية المعاصرة (عبد الله علوان ) وقد رأيت مثل هذه النماذج من مدرسين ومثقفين .

بينما يعمد إلى تلميع شخصياته الباهتة ، وفتح الباب على مصراعيه أمام رموزه الجاهلة ليضيفوا إلى أسمائهم لقب دكتور وهم أجهل من أن يعرفوا مضمون الرسالة التي كتبها بعض المنتفعين لهم

7."كانت العقوبات التي تفرضها محكمة التفتيش الإسبانية على المتهمين تختلف حسب الإثم المرتكب ومن أبسطها السجن لمده محدودة مع الغرامة إذا كان الذنب خفيفا أو التجديف مدى الحياة بالسفن إلى القارة الأمريكية أو السجن المؤبد مع مصادرة الممتلكات وكانت أشد العقوبات الإعدام بحرق المتهم حيا في احتفال عام يتم في ساحة المدينة ، ويشهد الاحتفال كبار رجال الدين بأثوابهم الرسمية ، وكان بعض الملوك من هواة حضور هذا الاحتفال عادة بحيث يتزامن مع الاحتفال باعتلاء العرش أو زيارة الملك أو زواجه ،وكان يهرع إلى الشعب إلى ساحة المدينة لرؤية موكب المحكوم عليهم ، وهم في طريقهم إلى المحارق ،و أحيانا كانت تنفذ هذه العقوبة بشكل جماعي مهما بلغ عدد المدانين ..

التطبيق : وفي نظام تحديث التوريث في دمشق ليس هناك مدة محدودة لكثير من السجناء فهم لا يعرفون التهمة ولا يدرون متى يخرجون وقد يمتد بهم السجن إلى خمس وعشرين عاما والوقائع كثيرة

وكذلك يتم إبعاد المواطن عن وطنه ولا يجد إلى العودة سبيلا وهو نوع من أنواع سجن الغربة الذي برع فيه نظام أسد ، فعشرات بل مئات بل آلاف الشخصيات السورية ومن جميع الاتجاهات كان مثواهم الأخير خارج بلدهم مثل أكرم الحوراني /ناظم القدسي / عبد الفتاح أبو غدة / عبد الحق شحادة / شريف الراس /سعيد حوى / محمد سليمان الأحمد / معروف الدواليبي / و قائمة طويلة لا يتسع المجال لذكر أسمائهم! إنني ومن خلال هذه السطور أدعو المهتمين بحقوق الإنسان في سورية إلى إعادة قراءة جرائم محاكم التفتيش و إلى قراءة الواقع السوري خلال أربعين عاما ، ليروا أي جريمة ارتكبت بحق الوطن والمواطن في بلدنا الأسير ، وأقول لكاتب المقال في مجلة العربي عدد نوفمبر 2007 م حين تساءل (محاكم التفتيش هل يمكن أن تعود ؟ )

أقول نعم عادت وما جرى ويجري في سورية نموذج لها :

وسوم: العدد 956