تطبيع إسرائيل مع الإمارات والمغرب إنجازان استراتيجيان كبيران لها

في عام واحد حققت إسرائيل إنجازين استراتيجيين كبيرين بالتطبيع مع الإمارات والمغرب يختلفان كثيرا في هذه الأهمية عن تطبيعها مع البحرين والسودان . وينبع الإنجاز في التطبيع مع الإمارات من مصادر متعددة ، منها الوزن المالي والاقتصادي لهذه الدولة ، وسهولة تملك العقارات فيها للأجانب ، ونظام الاستيراد وإعادة التصدير في دبي الذي سيفتح الباب للمنتجات الإسرائيلية بكل أصنافها للوصول إلى الأسواق المجاورة ولو بإزالة ما يدل على إسرائيليتها . وزادت سرعة التطبيع وشموليته من مصادر الإنجاز الاستراتيجي الإسرائيلي ، فشمل شئونا أمنية وعسكرية واستخبارية ، فبادرت الإمارات لتوظيف عناصر من الشرطة الإسرائيلية بذريعة مواجهة المافيا الإسرائيلية التي دخلت البلاد ، ولابد أن للاستخبارات بأنواعها نصيبا في توظيف مماثل . وخطت الإمارات خطوة منحت الإنجاز الاستراتيجي الإسرائيلي أداة فعالة لتنميته وتعميقه ، وهي منح الجنسية الإماراتية  ل 5000 إسرائيلي  ، وهذا هو الرقم المعلن ، وقد يكون الرقم الحقيقي السري أكبر ، وهؤلاء سيتغلغلون في شرايين وأحشاء المجتمع الإمارتي الهش الضحل الذي لا يشكل فيه المواطنون الإماراتيون سوى 8 % من الملايين العشرة الذين يسكنون البلاد ، منهم 4 ملايين هندي . وباختصار : توشك الإمارات أن تكون أول مستوطنة يهودية في جزيرة العرب ستتفرع إلى مستوطنات أخرى تالية ، وهذا هو المعروف المشهور عن اليهود ، ما أن يستقروا في مكان حتى يتجذروا فيه ، ومثلما يقال : " إذا أمسك اليهودي بعظمة فلن يفلتها . " .وعين إسرائيل النهمة الذئبية على بلاد الحرمين واليمن . وأما إنجازها في المغرب فهو هائل حقا ، وبه تكون وضعت العالم العربي من محيطه إلى خليجه بين فكي كماشة يهودية صهيونية مع سيطرتها على القلب في فلسطين فاصلة بين جزأي هذا القلب ، وهما مصر والشام . وحماس الإسرائيليين ، أو قل اليهود ، العاطفي للتطبيع مع المغرب يفوق حماسهم للتطبيع مع الإمارات وسائر دول المشرق العربي ناظرين إلى علاقتهم التاريخية الحسنة مع المغرب  منذ أن أُقصوا مع المسلمين من الأندلس .  وبقيت هذه العلاقة العاطفية حتى بعد قيام إسرائيل ، وتظاهرِ النظام المغربي بعدائها انسجاما مع جو العداء العربي لها ، وفي السر حافظ على أقوى العلاقات معها ، وزودها بزخم بشري يناهز الآن مليون مستوطن ، واعتبرهم دائما مواطنين مغاربة ، وللملك الحسن الثاني قولة ذات دلالة عنهم  : " حين يهاجر يهودي نخسر مواطنا ، لكننا نكسب سفيرا " . واحتل بعض  " سفرائه " في إسرائيل مناصب عليا ، فصار ديفيد ليفي وزير خارجية ، وعمير بيرتس وزير دفاع ، وجادي آيزنكوت رئيس أركان ، وكونوا حزب شاس الديني المتطرف . وتسارع التطبيع في الحين الأخير بين البلدين بآلية ليست بعيدة عن تسارع التطبيع مع الإمارات ، وقفز إلى المقدمة في الجانب العسكري بتوقيع معاهدة دفاع مشترك ، وتعاون استخباري ، والتعاون الاستخباري على كل حال قديم بين البلدين ، ولكنه سيقوى ويتنوع ، وأعلن عن شراء المغرب من إسرائيل طائرة هاروب الانتحارية المسيرة . وعلى مثال الأنظمة العربية لا يبدي النظام المغربي أي استجابة لمعارضة الشعب المغربي لهذه العلاقة القوية مع إسرائيل . خرجت مظاهرات معارضة غاضبة في 36 مدينة مغربية ، وهذا ليس مما يمكن تجاهله إلا أن الأنظمة العربية لا تخاف شعوبها ؛ لأنها تملك وسائل ردعها ، وتعلم ممن  تكتسب شرعية بقائها في الحكم ، ومن يضمن لها هذا البقاء إن هدده شعب من الشعوب العربية بالإزالة . وهذه الأنظمة بطبيعة نوعيتها ووظيفتها في حفظ المصالح الأجنبية التي استقدمتها إلى الحكم وأدامتها فيه ؛ لا تأبه مصالح شعوبها ، ولا تقلق من الأخطار التي تعرض هذه الشعوب لها . وأخطار التغلغل الإسرائيلي جمة ستهدد المغرب الدولة والمغرب الكبير أو المغرب العربي ، ومن هذه الرؤية تنبثق دعوة عبد القادر العلمي رئيس " مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين " الموجهة إلى " الشعب المغربي وكل قواه المدنية والحزبية والنقابية والحقوقية والطلابية والنسائية ومنابر الإعلام ؛ إلى التعبئة العامة لمواجهة الاختراق التطبيعي التخريبي " . في " التخريبي " تشخيص جامع مانع للفعل الإسرائيلي المستقبلي في المغرب الدولة وفي المغرب الكبير أو المغرب العربي . كل دولة من هذا المغرب سينالها نصيبها القاتل من هذا الفعل . موريتانيا الضعيفة ، وتونس المضطربة المشبوهة المصير ، وليبيا الممزقة ، وسيكون التركيز على الجزائر كبيرا وثقيلا لصدقها وجديتها في معاداة إسرائيل ووقوفها الحازم الأمين مع الشعب الفلسطيني . ولشعور الجزائر بخطورة التواجد الإسرائيلي القوي المكثف في جوارها سارع الفريق السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري بزيارة مصر لتدارس تلك الخطورة مع وزير الدفاع والإنتاج الحربي محمد أحمد زكي محمد ، وله مغزاه أن السعيد سلم وزير الدفاع المصري وثيقة تبين دور اللواء الجزائري الثامن المدرع في حرب أكتوبر 1973 . إنه تلميح إلى طلب مساعدة مصر للجزائر  في مواجهة ما قد يقع من تطورات عقب التطبيع المغربي الإسرائيلي الذي حوى تركيزا كبيرا على الجانب العسكري ، ونشك في رغبة  مصر في  مساعدة الجزائر في هذا الجانب لقوة علاقتها بإسرائيل . وسيحاول الفعل الإسرائيلي الخبيث إضعاف هوية كل بلاد المغرب الكبير الإسلامية ، وسيجتهد في تفعيل الخلاف بين مكونها العربي ومكونها الأمازيغي ، وسيحض الأمازيغ على " تحرير"  بلادهم  من العنصر العربي بصفته محتلا ، وإسرائيل ترى العرب خارج الجزيرة العربية محتلين ، وأن الاحتلال العربي أطول احتلال في التاريخ . وإذا لم تنفجر في العالم العربي صحوة قومية  شاملة ضد الخطر الإسرائيلي المتسارع في توغله في أعماق هذا العالم ، وإدراك أنه خطر مصيري شامل لا يستثني أحدا في هذا العالم إلا استثناء وظيفيا مرحليا مؤمِنا للحكام ؛ فقد يكتب في غرائب التاريخ أن العرب بملايينهم الخمسمائة وقرآنهم العظيم الذي أعزهم الله به استسلموا وخضعوا لشراذم مستوطنين من أكثر من مائة جنسية ، وصداً لحدوث هذا البؤس القومي المهلك يجب أن تحشد الأمة العربية كل قواها الهائلة لوأد هذين الإنجازين الإسرائيليين الاستراتيجيين الكبيرين في الإمارات والمغرب ، والتوجه الصادق لهجوم مضاد متعدد الوسائل على هذا الكيان المغتصب المخرب تهيئة لإزالته ، وأول  هذه الوسائل التوقف عن التطبيع معه الذي منحه شرعية وجوده في أرض عربية لا حق له فيها ، وفتح له أبواب عدة دول عربية ، وأطمعه في فتح بقية الأبواب دون أن يقدم أي تنازل ، بل يمتن على الدول المطبعة بأنها إنما طبعت معه لقوته المتنوعة ولحاجتها إليه .  

وسوم: العدد 958