استراتيجية «تفتيت» الإخوان المسلمين

يتم استخدام استراتيجية «التفتيت» وإحداث الانقسام الداخلي في عملية استهداف ناعمة لجماعة الإخوان المسلمين، في العديد من الدول العربية، ويبدو أن هذه الاستراتيجية نجحت بالفعل في أكثر من مكان، فيما لا يبدو أنَّ لدى الحركة الإسلامية استراتيجية مضادة للمواجهة تستطيع إفشال عمليات التقسيم والإضعاف الجارية.

كانت إسرائيل أول من ابتكر واستخدم هذه الاستراتيجية، ونجح فيها على ما يبدو، إذ منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي حدث انشقاق كبير في الحركة الإسلامية التي أسسها الشيخ عبد الله نمر درويش، وذلك بعد أن نجح الإسرائيليون في استدراج قسم من هذه الحركة نحو المشاركة السياسية وهؤلاء هم الذين تحالفوا مع الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نفتالي بينيت، فيما أدرجت الحكومة الإسرائيلية القسم الآخر الذي يرأسه الشيخ رائد صلاح (الجناح الشمالي) على قائمة المنظمات المحظورة في عام 2015.

لم تتوقف سياسة «التفتيت» الإسرائيلية، وإحداث الانقسام عند هذا المستوى لمواجهة الشعبية المتنامية، التي كانت تتمتع بها الحركة الإسلامية في أوساط فلسطينيي 48، وإنما استخدمها الاحتلال مع الفلسطينيين عموماً، عندما قام باغتيال كل من الرئيس ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين في عام 2004 من أجل تغييب الشخصيات التي تحظى بإجماع وطني، تمهيداً لإحداث انقسام فلسطيني داخلي، وهو ما حدث بالفعل بعدها بعامين فقط. السياسة ذاتها التي تقوم على «التفتيت» والإضعاف الداخلي، من دون شن حملات أمنية أو عسكرية، أي أنها سياسة ناعمة وذكية، هي ذاتها يواجهها «الإخوان المسلمون» في أكثر من مكان حالياً، كان آخرها وأبرزها في مصر، إذ تشهد الجماعة عملية «تفتيت» وإشعال للخلافات بشكل ممنهج، لا يمكن قراءته إلا في إطار كونه ناتجاً عن حملة مدروسة تقوم بها أجهزة مخابرات عربية تريد تفتيت الجماعة وإضعافها على نار هادئة. خلال الأسابيع والشهور الماضية شهدت جماعة الإخوان المسلمين المصرية ما يُمكن تسميته بأنه «حركة تمرد» نفذها عدد من القيادات والعناصر الموجودة في تركيا، التي حاولت وما تزال تحاول استدراج أكبر عدد ممكن من شباب الإخوان، واللافت في حركة التمرد أنها تنام على ثروات مالية ضخمة ليس معلوماً مصدرها، وتعمل باستخدام المال والكلام والجدال على شق الصف الداخلي، ما يعني في نهاية المطاف أن «الإخوان» المصريين ربما يواجهون حالياً أكبر خلافات داخلية في تاريخ الجماعة، وهي الخلافات التي تعني الانشغال في ملفات داخلية حزبية، على حساب القضايا الوطنية الكبرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى «التفتيت» وإضعاف الصف الداخلي.

الاستراتيجية الناعمة والذكية ذاتها تم استخدامها سابقاً في الأردن، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين هي القوة السياسية الأولى في البلاد، وكانت تُهيمن على الشارع لسنوات طويلة، كما كانت أكبر الممثلين في البرلمان والنقابات والاتحادات الطلابية، وغير ذلك من مؤسسات المجتمع المدني، لكن الحال تبدل بشكل جذري في السنوات العشر الماضية، عندما تحولت إلى أربعة تنظيمات متنافسة، على وقع خلافات داخلية لا يعلم أحد ما هو سببها، ولا من أشعلها ولا من يقف وراءها، لكن الجميع يعلم فقط من هو المستفيد منها. الأخطر مما حدث في الأردن ويحدث في مصر حالياً هو الأنباء التي نشرتها جريدة «التايمز» البريطانية، عن خلافات داخل حركة حماس، وهي معلومات إذا صحَّت فهي تعني بالضرورة أنَّ الاحتلال يلتهمُ الفلسطينيين قطعة قطعة، بإشعال الخلافات والفتن في ما بينهم، ويتفرج على القوى الوطنية كيف تأكلُ نفسها ذاتياً، فقد كانت البداية في تفتيت الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر منتصف تسعينيات القرن الماضي، ثم إحداث الانقسام الداخلي بين فتح وحماس بعدها بعشر سنوات، ثم تفتيت حركة فتح عبر ظهور حركة محمد دحلان، وأخيراً الخلافات والمنازعات داخل حركة حماس، التي إن صحّت فإنها تعني بأنه يتم إضعاف الحركة وتفتيتُ صفها الداخلي.

المؤكد أنه يتم استخدام استراتيجية ناعمة ضد الحركة الإسلامية في المنطقة العربية تقوم على تفتيتها من الداخل، وإشغالها بالخلافات الداخلية والنزاعات الحزبية الضيقة، وهذه الاستراتيجية التي تهندسها وتنفذها أجهزة المخابرات شوهدت نتائجها بالفعل في أكثر من مكان، لكن في المقابل لا يبدو أنَّ لدى الاخوان أي استراتيجية مضادة لمواجهة عمليات التفتيت والتقسيم وإشعال الخلافات الداخلية، بل إنَّ الكثير منهم لا يدرك عندما ينجر وراء الانشقاق والخلاف أنه ينفذ أجندة معادية ومدروسة.

وسوم: العدد 961