حذارِ من " نيوم "مصرية على حدود غزة !

تجدد الحديث عن نية مصر إقامة مدينة خدمات وسياحة وتجارة حرة في أراضيها على حدود غزة . وتجدد الحديث يعني جدية مصر في هذا المشروع الذي  سيكون دخول أبناء غزة إليه سهلا بخلاف دخولهم إلى بقية الأراضي المصرية قاصدين إليها تخصيصا أو عابرين منها إلى بلدان أخرى . بصراحة ، كل ما تقترحه مصر في شأن غزة مريب ، وغالبا ما تفوح منه رائحة إسرائيلية . وهذا كان شأن " تبرعها " ب 500 مليون دولار لإعادة الإعمار في غزة قبل أيام من نهاية عدوان الأحد عشر يوما الإسرائيلي في مايو الماضي . وكتبنا حينها فورا عن استرابتنا في مصدر المبلغ ، وفي صدق نية التعمير . وذكر تاليا في بعض المواقع الإعلامية أن مصدره الإمارات أو إسرائيل أو الدولتان معا بموافقة أميركية ، واستنتاجا فالغاية منه إسرائيلية . وتعثر إعادة الإعمار وتوقفه حتى اليوم شاهد على هذه الغاية لكونه إعمارا مشروطا بها حيث تربطه إسرائيل بإطلاق سراح أسراها في غزة . أين سوء النية في المدينة الحرة المزمع إقامتها ؟! نذكر بأنه سبق الحديث عن إقامة منطقة صناعية في ذات المنطقة ليعمل فيها عمال من سيناء وغزة ، واختفى المشروع ، والآن يتجدد الحديث عن المدينة الحرة بعد أن سمعناه من أسابيع . وسوء النية فيه أنه سيكون بيئة فساد وإفساد أخلاقي ، ومرتعا خصبا لمخابرات إسرائيل وسواها من مخابرات العالم لاصطياد من يتعامل معها من الفلسطينيين والمصريين ، وهو قد يكون وسيلة للحد من سفر أبناء غزة إلى مصر بحجة أن ما يريدون أن يسافروا للحصول عليه موجود في هذه المدينة ، مثل الخدمات الطبية . وهذه المدينة قد تكون  مخططا لها إسرائيليا لجعل سيناء تستوعب أعدادا من أبناء غزة ، وهو المخطط الذي لم يبارح بال إسرائيل من خمسينات القرن الفائت . في ذلك الحين وافقت مصر التي كانت مسئولة عن غزة إداريا على مشروع لتوطين لاجئيها في سيناء بدعم دولي ، فثار أهل غزة لاجئين ومواطنين ثورة عارمة رفضا للمشروع هاتفين : " لا إسكان ولا توطين ، فليسقط مشروع السين ! " ، وأسقط المشروع . وفي احتلالها ، إسرائيل ، لغزة  وسيناء في 1956 ؛ حامت طائرة إسرائيلية على ارتفاع قريب تأمر في مكبر صوت كل ساكني بيوت الشعر في غزة ، وأكثرهم لاجئون ، بالرحيل إلى سيناء ، وبعد أيام أخفق  ما أمرت به . وفي جو المدينة الحرة قد تسهل مصر شراء الأرض في سيناء لأبناء غزة ، وفعلا سيشتري بعضهم ما يستطيعون شراءه في هذه الأرض للسكن أو لإقامة مشاريع استثمارية ، ومع السنين يُستدرج عدد كبير منهم للحياة في سيناء . إسرائيل مغمومة مهمومة ليل نهار من تكاثر أهل غزة الذين يقاربون اليوم مليونين ونصفا ، وقد يزيدون عن هذا الرقم ، ولا ثقة في ما يذيعه  سنويا مركز الإحصاء الفلسطيني عن عددهم وعدد سكان الضفة لهيمنة إسرائيل على بياناته من خلال هيمنتها على السجل المدني الفلسطيني .  وتعلم إسرائيل أن أهل غزة لاجئين ومواطنين  ينظرون إلى الشرق والشمال حيث مدنهم وقراهم ومزارعهم ومراعيهم ومنابت تاريخهم وثقافتهم التي هجرتهم منها في عدوان ولادتها المشئومة في 1948 . والغريب أن ينساق النظام المصري في هذا المشروع الخطر على بلاده إلا أن عمق جودة علاقته بإسرائيل في عهد رئيسه الحالي يفسر هذه الغرابة ، ويفسرها أيضا أن قادة الجيش المصري الذي يتحكم في أكثر من نصف اقتصاد مصر هم المستفيدون الأوائل من هذا المشروع مثلما هم المستفيدون الأوائل مع قادة المخابرات من أموال تنسيقات السفر من معبر رفح . والجيش إذا انصرف رجاله للعمل في قضايا  الاقتصاد والتجارة والمال انتهى دوره أو قارب الانتهاء في  حماية البلاد من أخطار الخارج ، وسهل صيدهم في مشاريع مشبوهة تعود عليهم بما يشتهون من المال وحياة التنعم والترف . والمشهود أن حماس وسواها من الفصائل الفلسطينية تنظر في ريبة وتوجس لهذا المشروع الذي لا يباحثها فيه النظام المصري بوضوح مع أن خطره مسدد إلى غزة وإن جاء في صورة سم في عسل . إنه "نيوم " مصرية تشبه في وجوه كثيرة " نيوم " السعودية في غرب شمالي بلاد الحرمين التي تسهم في بنائها شركات إسرائيلية ، وأقيمت لتكون الحياة الفردية والاجتماعية فيها متحررة من ضوابط المدن الأخرى في هذه البلاد ، ولتكون نقطة تلاقٍ متنوع مع الإسرائيليين . ودائما فتش عن أصابع إسرائيل في المشروعات العربية ، وما ألزم هذا التفتيش إن كان له صلة بالفلسطينيين تخصيصا . في الحكايات الشعبية أن ذئبا اشتم رائحة لحم في أرض قفر ، فعدا صوبها ، ولما بلغها أدهشه أنها حديثة طازجة ، وأن موضعها مسوى ممهد خلاف ما حوله ، فارتاب فيها  ، وتراجع عن التقامها على ضراوة جوعه ، وابتعد متمتما : " لحمة في أرض خليهْ ما هي بلا قِصيهْ ! " . كانت شرك صائد . حذارِ من " نيوم " مصرية على حدود غزة  ، ولنكن في حذر ذلك الذئب على ما بنا من شدة !  

                                      *** 

المصطلحات ألغام ، ويستعمل الإسرائيليون في أضغاث أحلامهم وهذيانهم المرضي لطرد الفلسطينيين من وطنهم مصطلح transfer الإنجليزي الذي يعني ترحيل الشخص أو رحيله ، وتنازله عن حقوقه وأملاكه إلى غيره . 

وسوم: العدد 962