إسرائيل لا تتنازل في مسألتي الأرض والسياسة

أسفر الاجتماع بين أبي مازن وبني جانتس وزير الدفاع الإسرائيلي عن بعض التنازلات الإسرائيلية تشجيعا للسلطة على الوقوف الحازم القامع لشبه الانتفاضة الحالية في الضفة والقدس التي تضمنت عمليات إطلاق نار ودهس للمستوطنين والجنود الإسرائيليين ، ومقاومة جماعية لمحاولات المستوطنين الاستيلاء على الأرض ، وقلع الأشجار وسرقة الثمار . ونظرة في التنازلات الإسرائيلية تبين أنها لا تتصل بالأرض والسياسة ، والأرض والسياسة متلازمتان في الصراع الوجودي المضطرم بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وهما العاملان الحاسمان فيه . السياسة تقتضي الاعتراف بكيانية قومية فلسطينية ذات سيادة ، والسيادة تتجسد في امتلاك الأرض . وهذا دائما ما تجنبته إسرائيل ، وتجلى تجنبها له في اتفاق أوسلو وما تلاه من مفاوضات مع السلطة وحلول جزئية للمشكلات التي تحدث بين الطرفين في الضفة وفي غزة . وتتصف التنازلات الإسرائيلية فوق ضحالتها وشكليتها بأنها محكومة بإرادة إسرائيل ، فتبطلها إذا أخل الطرف الفلسطيني بما اتفق عليه معها ثمنا لهذه التنازلات . فهي ، إسرائيل ، تسمح حينا بتوسيع منطقة الصيد البحري فإذا أزعجها شيء في سلوك غزة ضيقتها . وفي تنازلاتها الأخيرة في اجتماع أبي مازن _ جانتس في رأس العين جنوبي تل أبيب ؛بدا بعض هذه التنازلات رشوة مكشوفة لعناصر من السلطة وحركة فتح ، ونخص زيادة بطاقات vIp  أو الشخصية الفائقة الأهمية التي تتلهف عليها هذه العناصر ، وتراها آية وجاهة ووسيلة حرية حركة . ولا يلتفت حاملو هذه البطاقة لما فيها من تمييز خبيث مقصود بينهم وبين شعبهم الذي يضطر للوقوف المذل الممل  ، والخَطِر أحيانا أمام الحواجز الإسرائيلية التي تتناثر مئاتها بين مدن الضفة وقراها ، وداخل بعضها مثلما هي حال الخليل . وهذه البطاقة وسواها من الامتيازات لعناصر السلطة وفتح تجعل هذه العناصر في رضا وتوافق مع الاحتلال الاستيطاني العدواني ، وإن استنكرت جرائمه فبطرف اللسان ، وتواصل حياتها السهلة المترفة المنفصلة كليا عن الجحيم الذي يتحرق فيه شعبها ، بل تقاوم كل ما يفعله هذا الشعب في صراعه اليومي المضني مع المستوطنين والجنود الإسرائيليين ؛ لأنه يهددها بإقصائها من حياتها المترفة الناعمة ، أو في القليل ينغص عليها قدرا من هذه الحياة . ويزدري الإسرائيليون في أعماقهم وفي أحاديثهم هذه الشخصيات ومن شابهها في طبقيتها المصطنعة بثمن بؤس شعبه ، وفي هذه الأعماق والأحاديث يحترمون من يقاومهم وإن سموه إرهابيا وقتلوه أو اعتقلوه أو سجنوه مؤبدا واحدا أو عدة مؤبدات يضيفون إليها سنوات . صباح يوم ، وصل أحد هذه الشخصيات " المهمة " بسيارته إلى معبر بيت حانون قادما من غزة ، فقال له الضابط الإسرائيلي الذي كان يراقب صف العمال المتوجهين للعمل في الداخل المحتل : ادخل ! ادخل ! أي واحد من هؤلاء العمال أشرف منك . " ، وأشار إلى صفهم الذي يتقدم بطيئا إبان فحص موظفي المعبر لهوياتهم . ولأن إسرائيل لا تتنازل في مسألتي الأرض والسياسة فإنها لم تعقد مع السلطة أي اتفاق عند انسحابها من قطاع غزة في 12 سبتمبر 2005 لما قد تضطر إليه في الاتفاق من إقرار بانسحابها من أرض محتلة ليست لها ، وهو ما سينطبق امتدادا على سائر الأرض الفلسطينية . وبذلك تركت الباب مفتوحا للعودة إلى القطاع إن أسعفها ظرف مستقبلي في هذه العودة . وجهزت عقب انسحابها خططا لتهجير ساكنيه إلى دول أخرى مثل كندا وأستراليا وأميركا ! قد يبدو هذا ضربا فائقا من الجنون إلا أن إسرائيل متناغمة دائما مع أهدافها حتى لو بدت جنونا حقيقيا فائقا  ؛ انطلاقا من اقتناعها المرعب والمرجف لروحها بأن تكاثر الفلسطينيين في أرضهم التاريخية هو الخطر الأشد إهلاكا لوجودها في هذه الأرض ، وهو النفي القاتل  للفرية التي بنيت عليها ؛ فرية الأرض الخالية . الشعب الفلسطيني في حاجة مصيرية إلى قيادة لا تكتفي بتنازلات إسرائيل الضحلة العابرة المحكومة الديمومة بإرادتها ، وتركز على مسألتي الأرض والسياسة المتلازمتين والمفضيتين إلى الاعتراف بالكيانية القومية الفلسطينية ذات السيادة على الأرض ، ولا وجود حاليا لهذه القيادة الفلسطينية .  

وسوم: العدد 962