احتقار الإسرائيليين للعرب .. الأسباب والخلفيات

سئل مرة  إيهود  باراك رئيس الوزراء وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق  عن رغبة دولته في علاقات مع الدول الخليجية ، فأجاب بأن الإسرائيليين لا يتلهفون على علاقات مع " لابسي الدشاديش " ، والسخرية مبينة في إجابته ، وبداهة أن تلك الإجابة بعيدة عن حقيقة  وجود علاقات سرية بين دولته وبين بعض هذه الدول ، وهو ما استبان في أجواء التطبيع وأخباره . ولكن الازدراء والاستعلاء قائمان في تلك الإجابة . وبين حين وآخر نقرأ عن تجسيد لهذا الازدراء والاستعلاء لكل من يتصل به الإسرائيليون من العرب .قبل ما يزيد على عام اشتكت سائحة إسرائيلية من إهانة السياح الإسرائيليين في شرم الشيخ للمواطنين المصريين بمن فيهم موظفو الفنادق والعاملون فيها ، وذكرت أن بعض الإسرائيليين لا يتردد في إهانته أن يهدد من يهينهم بالموت لكونهم عربا ؛ امتدادا للهتاف الإسرائيلي السمج الدائم في أي لحظة احتكاك مع الفلسطينيين : " الموت للعرب ! " ، وأضافت المشتكية أن المصريين لا يردون على الإهانة بمثلها ، ولا يحاولون ردع مهينيهم من الإسرائيليين ، ولعل تفسير ذلك أنهم ، أقصد المصريين خاصة موظفي الفنادق والعاملين ، يوجهون من الدولة ومن وزارة السياحة بتجنب ما يغضب السياح أو يزعجهم لكونهم مصدر دخل للبلاد ، ولعل التوجيه يركز على السائح الإسرائيلي أكثر من سواهم لاهتمام الدولة ووزارة السياحة بإشاعة جو السلام الذي يطمئن هذا السائح الذي يكثر من القدوم إلى شرم الشيخ ، وأغفلت الاثنتان ، الدولة والوزارة ، أن السياح الإسرائيليين في جملتهم أرذال أنذال لا يقابلون الإحسان بالإحسان وإنما بالإساءة والنكران والتطاول على من يحسن إليهم ، وأن من بينهم سراقا لصوصا لا يعفون عن سرقة ما تصل إليه أيديهم ، وهو ما تقاسي منه الآن الإمارات ، وأكثرها مقاساة إمارة دبي لزخم زيارة لإسرائيليين لها إلا أنها تعالج هذه السرقات بهدوء وسرعة خشية شماتة الغاضبين على تطبيعها مع إسرائيل . ولولا توجيهات  الدولة  الصارمة  ووزارة السياحة المسالمة في مصر  بوجوب معاملة السياح الإسرائيليين بالحسنى واللين لفتك بهم من يهينونه من المواطنين المصريين فتك الذئاب الجائعة بالخراف الضائعة . في حرب أكتوبر 1973 ، كان الراحل العظيم وأستاذ العبرية الدكتور حسن ظاظا من بين المترجمين الذين يستجوبون الأسرى من الجنود الإسرائيليين ، فاحتج جندي بأن معاملتهم له تخالف بنود معاملة الأسرى في القانون الدولي ، وكان الدكتور يترجم إجابة كل أسير لضابط يقوم بتسجيلها ، فلما ترجم له ما قاله الجندي خلع حذاءه لضربه ، فكفه الدكتور الحكيم الحليم ، وسأل الجندي : " ماذا كنت تفعل عند ما أسروك ؟ " ، فأجاب : " كنت أطلق النار على جنودكم  . " ، فسأله : " من أي مدينة أنت في إسرائيل ؟! " ، فأجاب : " تل أبيب . " ، فسأله : " لو أطلقت النار على الناس في شارع في تل أبيب ، ماذا سيفعلون بك ؟! " ، فأجاب : " سيعتقلونني  . " ، فقال : " وهذا ما فعلناه نحن معك . أتدري لم نحتفظ بك ؟! لنستبدل بك جنديا مصريا أسرتموه . أما أنت فلا تساوي قرشا في حسابنا . " . كانت تلك لغة العزة وفعلها ، والاقتناع الثبيت بأن العدو الإسرائيلي عدو ، ولن يكون صديقا ودودا . وفي جو وباء التطبيع السهل الذي لم تدفع فيه إسرائيل قرشا واحدا ، وفي سياق ازدرائها للمطبعين الذين تؤزهم أميركا أزا إليه ، ظهرت فيها جمَاعات قمامة على هيئة رأس مواطن خليجي بكوفيته وعقاله ! ومنذ يومين قال طارق خوري النائب الأردني الأسبق إن 40 إسرائيليا يركبون 20 سيارة جيب دخلوا إلى الأردن من معبر الشيخ حسين ، وأنهم تصرفوا بغوغائية واستهتار واستفزاز ووقاحة عند إجراء فحص كورونا لهم في المعبر ، ولم يُشر إلى معاقبة لهم أو منع من الزيارة ، فالحال ذات الحال في مصر وفي أي دولة عربية لها تطبيع مع إسرائيل . للإسرائيليين أن يتوقحوا وأن يتسافهوا وأن يعربدوا ، ولهم الأمان والسلام جزاء ليس وفاقا . ولو فعل مواطن عربي حتى من مواطني ذات البلد بعض ما يفعلون فله الويل والثبور ، ولوجهه  الصفع ، ولضلوعه الكسور ، وربما يكون القتيل المقبور . ويتمنى مواطنو الدول العربية شيئا من لطفها الذي تغدقه سخية على الإسرائيليين ، والفلسطينيون أشد هؤلاء المواطنين تمنيا لهذا اللطف الذي لا يتذوقونه إلا في سوريا والجزائر الحبيبتين إلى قلب كل فلسطيني . ومن أسباب وخلفيات احتقار الإسرائيليين للعرب : 

أولا : الثقافة الدينية اليهودية التي توهمهم بأنهم خير الناس ، وأن كل الناس أغيار ، وأدنى قيمة منهم  ، ويتهور بعضهم بمن فيهم  حاخاماتهم إلى حد الاعتقاد القاطع بأن المطر لا ينزله الله _ تعالى عما يزعمون علوا كبيرا _ إلا تكرمة لليهود !  

ثانيا : مثلما أسلفنا ، أوامر الدول العربية المطبعة مع إسرائيل بالحذر من الإساءة إلى من يزورها من مستوطني هذه المستوطنة الدولة . 

ثالثا : خلفية المهانات التي قاستها أجيال اليهود في أوروبا ، واعتبار الأوروبيين لهم سبب كل بلاء وفقر وكوارث اقتصادية ، ووصمهم بالبخل والدونية ونقص الولاء للوطن الذي يعيشون فيه ما ولد في نفوسهم أحقادا ونزوعا للانتقام ممن يسنح لهم الانتقام منهم ، ولما سنح لهم ذلك بعد إقامة دولتهم اغتصابا للوطن الفلسطيني أفرغوا مكبوتهم من الحقد وشهوة الاستعلاء الثأريين على الفلسطينيين والعرب منكرين إحسان العرب والمسلمين إليهم . 

رابعا : في نزوعهم الازدرائي الاستعلائي ، نهجوا نهج الاستعماريين الأوروبيين الذين ازدروا أهل البلاد التي فتحوها واستوطنوها وراء الأطلسي وفي أفريقيا وآسيا ، فإسرائيل ما وجدت إلا بأيدي اليهود الأوروبيين ، واليهود الشرقيون أو العرب عارضوا إيجادها ، وكونوا جمعيات في أكثر من عاصمة عربية لمعارضة المشروع الصهيوني الغربي في فلسطين . ومن غايات الازدراء والاستعلاء الأوربيين على أهل البلاد المفتوحة المستوطنة إقناع أنفسهم بأن ما يقومون به مبرر أخلاقيا لكون أهل هذه البلاد متخلفين ولا يستحقون خيرات بلادهم ، بل لا يستحقون الحياة  ذاتها ، وأنهم أولى منهم بهذه الخيرات لتحضرهم وتطورهم الثقافي والعلمي والصناعي ، وأنهم قد يجودون عليهم بشيء من هذه الخيرات التي يجيدون استغلالها . وتحدث هرتزل أبو لصهيونية عن إمكانية الإفادة من " بعض السكان المتوحشين القليلين "   في فلسطين في قتل الأفاعي ومطاردة الذئاب ! تصورا كل شيء وفق ما في نفوسهم المتفسخة من وطأة انحطاطها الأخلاقي . والمرعب أنهم وجدوا من بين العرب من أعانهم على استثمار هذا الانحطاط ، وهذا ليس في طبيعة المواطن العربي الذي يعلم أن له قرآنا أنبأه بأنه من خير أمة أخرجت للناس ، وبأن  العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وبأن الله يريده سيدا عزيزا لا مسودا ذليلا ، بل له أسلاف آثروا الموت على الذل حتى في جاهليتهم وفقرهم وتفرقهم وتعاركهم على الكبيرة والصغيرة  ، وأنهم حين هداهم نور القرآن إلى النهج القويم ، نهج توحيد الله وطاعة أوامره واجتناب نواهيه ؛ فتحوا ما حولهم من آفاق ترامت بين شط الأطلسي وتخوم  الصين ، وأن الإسلام العظيم جعل لغتهم لغة حضارة إسلامية أثرت العالم بكل نافع من العلوم والآداب والفنون والنظم السياسية  والصناعات ، وأنه ، الإسلام ، يمنحهم في زماننا الحالي أخوة ملياري مسلم ، وأنه لا موجب بتاتا للاستذلال والاستخذاء إزاء الدولة المستوطنة إسرائيل ، فهذا من نكد الدهر مثلما قال الراحل الجليل عباس محمود العقاد إبان حرب 1948 : " ومن نكد الدهر أن تستذل لشذرمة  ذلها سرمد " ، وقصد بقوله اليهود محذرا من انتصارهم على العرب  .البلاء القاتل في الحكام العرب لا في الإنسان العربي الذي يئد هؤلاء الحكام فاعلية قدراته ، ويطفئون وهج روحه الحرة مستعينين بالغرب الأوروبي الاستعماري الذي تقوده أميركا المتوحشة وبممسوختهم  إسرائيل التي اختلقوها على شاكلتهم امتدادا قبيحا لهم . هذا الثالوث  الشيطاني المتلاحم في مصالحه هو صانع هوان المواطنين العرب ، وصانع  احتقار إسرائيل لهم ، وهي لا تستثني هؤلاء الحكام من احتقارها ، وما هم في نظرها ونظر الغرب سوى دمى  في خدمة الطرفين بثمن ديمومتهم في حكمهم المستبد الفاسد الوائد للمواطنين العرب . وهو حال شاذ غريب من المحال أن يدوم ، وبشائر زواله تومض في نواحي كل الآفاق . فلا دوام لباطل شاذ مهما استغول واستفحل ، وهذه سنة الله _ عز قدره وعم عدله _ في ملكوته . 

وسوم: العدد 964